jeudi 20 janvier 2022

فكرة قرأتها في كتاب: نظرة الوجودية للحرية. نقل مواطن العالم

 


كتاب "مفهوم الحرية"، تأليف: عبد الله العروي، الناشر، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة السادسة 2002. 114 صفحة.

نص عبد الله العروي

صفحة 77

إن الوجودية تلتقي مع الماركسية في المنبع و تتعارض معها في الاستنتاج. تلتقي معها على مستوى الفلسفة عندما تقر أن الحرية مفهوم إنساني و أن الإنسان حر بالتعريف. و تتعارض معها في ميدان التاريخ و الاجتماع حيث ترفض أن تنتظر نهاية التاريخ و تحقيق المجتمع الكامل لكي تتمتع بالحرية. ترفض أن تخضع حرية الفرد لاستطاعة الجماعة و أن تقدم الحرية السلوكية (أي حرية العمل و التنفيذ) على الحرية الوجدانية (أي حرية الإدراك و الحكم). تتأرجح الوجدانية في استنتاجاتها السياسية بين مناصرة الحركة الاشتراكية فيما يتعلق بالحقوق الاجتماعية و بين مناصرة الليبرالية فيما يتعلق بالحريات الفردية. نجد هذا الاتجاه في السارترية في فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية، و في التيار الذي تأثر بها في سوريا و لبنان بعد الخمسينات. لا يمكن إنكار الدور الذي لعبه الكتّاب العرب المتأثرين بالوجودية في ميدان الأدب و الفكر حيث أعطوا نفسا جديدا لمفهوم الحرية. أكان في البحث و المقالة أو في القصة و المسرح، فإن الإنتاج العربي بعد الخمسينات ضمّن كلمة حرية معنى فرديا شاملا مطلقا، حسب اتجاه الوجودية.

و السبب في ذلك واضح. قلنا أن الحرية الوجودية كما عبّر عنها سارتر هي القدرة على الإعدام. فهذه عبارة تماما المطلب الأول للمجتمع كما يشعر به المثقف العربي الثائر. إن الواقع العربي في عين المثقف واقع مرفوض، يجب أن تُسلب منه المشروعية. لقد رأى المثقفون العرب في الوجودية أساسا نظرية الرفض الشامل العنيف، النظرية التي يقرّها عالم محتاج إلى معول يهدمه لكي يُعاد بناؤه. لذلك لم يهتموا بأسس المذهب الوجودي بقدر ما تلقوه كدعوة خلقية يجب الانصياع لها. و لهذا تغلّب الجانب الأدبي التعبيري على الجانب النظري التمحيصي.

و من جرّاء عدم الاهتمام بالأسس الفلسفية وقع تداخل بين الوجودية و مذاهب أخرى كانت تدعو أيضا إلى الحرية مثل الماركسية. حصل في الغرب مثل ذلك التداخل لكن على نطاق ضيق. و تطور التداخل إلى حد تبلور مذهب وجودي/ماركسي ما يزال ناشطا في الميدان الفكري العربي حتى يومنا هذا. و لأوضح ما أعني بهذا التداخل أسوق مثلا واحدا. يقول عزيز السيد جاسم في كتاب الثورة و الحرية الناقصة: "يتكشف أمامنا تناقض بين التاريخ و الحرية. فالتاريخ هو تحقيق الحرية حسب شَرْطَيْ الفهم الصحيحين الهيغلي و الماركسي و لكن صحة التاريخ و نشاطيته تبقى معلقة ما دامت الحرية مفتقدة و باقية كموضوع مجاهَدة". التناقض موجود بالفعل عند ماركس الشاب و حتى عند هيغل الشاب، لكن السبب الذي جعل المؤلف يعي هذا التناقض اليوم هو أنه يستعمل مفهوم التاريخ كالماركسيين و مفهوم الحرية كالوجوديين. لو بقي في نطاق ماركسية أنجلس مثلا لما أحس بالمرة بهذا التناقض لأنه بكل بساطة كان سيرجئ الحرية الفردية المطلقة إلى ما بعد نهاية التاريخ. طلبه الإبقاء على الحرية في نطاق التاريخ كما يعيشه الإنسان الآن هو طلب الوجوديين منذ أن ثار كيركغارد ضد مفهوم الموضوع (أي مفهوم التاريخ) عند هيغل.

 

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 18  فيفري  2012.

 

 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire