jeudi 20 janvier 2022

فكرة قرأتها في كتاب: ما هي الرموز الخمسة للحرية في التجربة الإسلامية ؟ نقل مواطن العالم

 

 

كتاب "مفهوم الحرية"، تأليف: عبد الله العروي، الناشر، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة السادسة 2002. 114 صفحة.

نص عبد الله العروي

صفحة 5

نعتقد أن أيسر مدخل إلى روح أي مجتمع هو مجموع شعارات ذلك المجتمع بشرط أن نأخذ الشعارات كمادة للتحليل الفلسفي و التاريخي و الاجتماعي، كرمز لما هو موجود و لما هو ناقص في المجتمع. إن الانطلاق من الشعارات يستلزم استيعاب المنطق الجدلي، و إلا أصبحت العملية تبريرا للواقع.

صفحة 17

إذا أردنا أن نعرف معنى الحرية في مجتمع ما، علينا أن نحلل فقه ذلك المجتمع...إذا اعتبرنا أن الفقه يعطينا صورة شاملة على العلاقات الاجتماعية في المجتمع العربي التقليدي (هامش 17 صفحة 23).

مسائل تهم الحرية و إن عبرت عن ذاتها بكلمات غبر كلمة حرية.

1.     البداوة: ... في القاموس لا ترادف البداوة الحرية. لكن إذا نظرنا إليها كرمز، كفكرة، مجردة في الذهن. و خاصة في ذهن الشعراء و الأدباء و المؤرخين العرب، فإننا مضطرون إلى الاعتراف بأنها كانت تجسد على مدى قرون ما تطلّع إليه الناس من سعة في العيش و فسحة في التصرف.

2.     العشيرة: ... و هكذا نرى أن قانون العشيرة يعارض قانون الدولة في المجتمع الإسلامي. و بقدر ما يناقض قانون الدولة حرية الفرد، بقدر ما يعين قانون العشيرة، في عين الفرد، على تحقيق الحرية بالمحافظة على الحقوق المكتسبة و الامتيازات الموروثة.

3.     التقوى: الناصري: "إن الله شرّف الإنسان بالعقل الذي يعقله عن الوقوع في الرذائل و يبعثه على الاتصاف بالفضائل"... ابن خلدون يقول: "إن الأحكام الشرعية غير مفسدة للبأس لأن الوازع فيها ذاتي" يتضح لنا من هذين القولين أن المسلمين في القرون الماضية لم يعيشوا التقوى كرضوخ لأمر خارجي بل كاستجابة لنداء موجه إلى الجزء الأسمى في الإنسان، و هو العقل، لكي يتغلب على الجزء الأدنى، أي على النفس الشهوانية. فإن الإئتمار بالشرع في نظرهم تحرير للعقل من قيود الجسم و ارتقاء من طبيعة سفلى إلى طبيعة عليا... لقد عبر على الفكرة ذاتها عدد من الكتّاب الأوروبيين و من ضمنهم روسو. يقول إميل في القصة التي تحمل اسمه: "أرغمني على الاستقلال بذاتي لكي أخضع للعقل و للعقل وحده دون الحواس"... إن تجربة القرون الماضية تؤكد لنا أن التقوى تحرير الوجدان و توسيع لنطاق مبادرات الفرد. إنها كانت طريقا للشعور بالتحرر، فلا عجب إذا أصبحت رمزا للحرية.

4.     التصوّف: إن التصوف تجربة فردية ذهنية تتلخص في تمثل الحرية المطلقة بعد الانسلاخ عن كل المؤثرات الخارجية، الطبيعية و الاجتماعية و النفسانية... لقد نشأ التصوف في المدن و انتشر بعد انحطاط الدولة و تدهور الحضارة المادية و الأدبية... كلما اشتد الخناق على الفرد احتد وعيه بالحدود الاصطناعية التي تحد من تصرفاته، كما أنه كلما ازداد ثقل الجسم اضطر الفكر إلى تعميق تجربته للانفلات و التحرر... و تنتهي حتما عملية التجريد هذه بالتماهي الكلي مع فكرة الحرية... لا عجب إذن أن يقول الحلاج: "أنا الحق". إننا نلمس معنى الحرية المطلق في الإسلام عند المتصوفة لا عند المتكلمين أو الأصوليين... و هكذا تتقابل التجربة الصوفية و التجربة البدوية: ترمز البداوة إلى حياة خارج القوانين الاصطناعية، و يرمز التصوف إلى حرية وجدانية مطلقة داخل الدولة المستبدة. يعيش البدوي الحرية (أو هكذا يتخيل الأمور) و لا يعي الحدود الكثيرة المفروضة على تصرفاته فلا يتمثل فكرة الحرية. أما الفرد المتصوف فإنه يعي بدقة وضعه في أسفل دركات العبودية فيتمثل فكرة الحرية المطلقة... يقابل التصوف الحضري الحب العذري الذي نشأ في البادية.

5.     إضافتي: العلاقة العمودية دون وساطة بين المخلوق و الخالق: يبدو لي حسب اجتهادي الخاص و المحدود في تفسير و تأويل القرآن الكريم أن حرية المعتقد مباحة في الدنيا و مرهونة بالعقاب في الآخرة، قال الله تعالى: " وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا"، لكن الحرية داخل المعتقد في الإسلام مطلقة و لا حدود لها، فالمخلوق لا يرضخ إلا للخالق لا غيره و علاقته بربه عمودية و مباشرة و لا وساطة فيها حتى للرسول محمد صلى الله عليه و سلّم، قال الله تعالى: "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين".

لم يجد المستعربون مفهوم الحرية الأصلية الشاملة المطلقة في اللغة فظنوا أن النقص يدل أولا على انعدام ممارسة الحرية و ثانيا على غياب الشعور بضرورة الحرية. و هذان الاستنتاجان خاطئان. فإلى جانب قاموس الكلمات - و هو قاموس الثقافة - يوجد قاموس الرموز الذي هو قاموس التاريخ الفعلي و هو أكمل من الأول. بحثنا نحن عن تلك الرموز و وجدنا أربعة، كل واحد منها يعبر عن مؤسسة اجتماعية، عن دعوة أخلاقية، عن مثل أعلى، و عن نفسانية نوعية. تشير التقوى إلى حرية فردية داخل الدولة و يذهب التصوف إلى أقصى مدى في هذا الاتجاه ليتصور ملامح الحرية المطلقة خارج الدولة.

صفحة 29

كان المجتمع العربي التقليدي يتميز بشكل من أشكال التوازن، إن صح التعبير، بين البداوة و العشيرة و الدولة و الفرد. تمثل البداوة حرية الأصل، السابقة للدولة، و تمثل العشيرة المحافظة على بعض حرية التصرف داخل الدولة، و يستطيع الفرد أن يلجأ إلى التصوف الذي يخرجه نهائيا عن مجال السلطان. كان المجتمع السياسي يتميز بالاستبداد المطلق لكن مجاله كان ضيقا.

صفحة 34

أصبحت الكلمة (حرية) رمزا لجميع هذه المطامح و التطلعات و قضت على الرموز السابقة التي لم تعد مواكبة للظروف القائمة. اكتسحت كلمة حرية الميادين التي كانت تعبر عنها من قبل رموز البداوة و التقوى و التصوف و الولاء العشائري، لأن الدولة أصبحت محور الحياة الاجتماعية كلها بعد أن قضت جزئيا أو كليا على البداوة و العشيرة و التصوف (هامش 5: لا ننس أن الدولة التي نتكلم عنها هنا متأثرة بأوروبا الليبرالية، و في بعض الأحيان تحت أوامرها).

 

تاريخ أول نشر على النات: حمام الشط في 15 فيفري 2012.

 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire