كتاب عبد الله العروي
"أوراق، سيرة إدريس الذهنية"، المركز الثقافي العربي، الطبعة الثالثة
1998، 255 صفحة
تنبيه
أفكار الكاتب لا تلزم إلا
الكاتب نفسه و لا تلزم الوسيط الناقل و الناشر الفيسبوكي.
صفحة 111
كتب
إدريس (بطل القص) مخاطبا كاتبا مغربيا مستقلا، أيام الاحتلال الفرنسي للمغرب:
هذا
التناثر، أو التشتت، هو القاسم المشترك لدى جميع الذين يرفضون الانضباط تحت راية
سياسية معينة. تسأل أحدهم عن سبب انعزاله و رفضه لأي عمل حزبي فيشرحها لك. إذا
أخذت كل سبب على حدة وجدته معقولا مقبولا، لكن إذا نظرت إلى المجموع بدا لك
التناقض لأن الارتياب في أهداف الأحزاب ليس هو الدافع الرئيسي إلى الانعزال، بل
إرادة الانعزال هي التي تكون الدافع إلى البحث عن مبررات و بالتالي تختلف المبررات
باختلاف الظروف و المخاطب فلا غرابة أن تتعدد و تتناقض في النهاية.
إن
النقاش مع هؤلاء السادة يطول دون فائدة. يقفزون من مستوى إلى آخر، من ميدان إلى
آخر. فلا سبيل إلى تحديد لبّ أي مسألة. ينفد معهم الصبر و يود المرء لو يصرخ في
وجوههم: كونوا يا سادة شيوعيين أو رجعيين و لكن اختاروا أو اسكتوا. و لكنهم
لا يختارون أبدا و لا يسكتون. يعارضون كل مقترح، ينقدون كل إجراء، يفنّدون كل
تصريح. على شاكلة التروتسكيين لا يكفون عن المعارضة و الرفض.
تعليق
مواطن العالم: هذا النقد الموجه إلى فئة من المثقفين المغاربة أيام النضال ضد الاحتلال الفرنسي، يبدو لي أنه
يصحّ أيضا - في تونس ما بعد ثورة 14 جانفي 2011 - على كل من أراد أن يفعل في
المجتمع و لم يشارك في الانتخابات و لم يكوّن حزبا أو ينضم إلى حزب، مثل التروتسكيين
و الوطنيين الديمقراطيين الثوريين و الناشطين السياسيين الشيوعيين المستقلّين.
صفحة 114
ينقد الكاتب عبد الله العروي موقف إدريس المذكور أعلاه:
يبدو أن إدريس كان يطالب آنذاك من كل مثقف أن يختار، أن يلتزم
بموقف سياسي محدد و أن يبقى وفيا باستمرار لذلك الالتزام مهما تغيرت الظروف و
الأحوال. ينتصر للانضباط بصفة عامة مهما كانت الحركة التي ينتمي إليها المرء. هذا
مع أنه هو قد انتقد الحزب قبل، و بعد، أن ينضم إليه. و عند إبعاد الملك محمد
الخامس عبّر عن أفكار لا تختلف عن ملاحظات الكاتب المغربي (المستقل)
-
كما لو أراد أن يفرض انضباط الشيوعيين على الطلبة
الوطنيين.
-
بالفعل كانت مسألة الانضباط تشغل بال المغاربة و
الفرنسيين، الوطنيين و الشيوعيين. في المغرب انهار النظام الاستعماري و لم يستقر
بعد النظام الوطني الجديد، في الشرق توالت الانتفاضات العسكرية في ظل حرب
إسرائيلية عربية مرتقبة، في الكتلة الشرقية ثار العمال في برلين ثم في هنـﭬاريا و تسربت من الاتحاد السوفياتي أخبار حول تقرير خروتشيف
عن جرائم ستالين، مما دفع الكثيرين، الذين كانوا ينفونها بشدة عندما كانت تفضحها
الصحف اليمينية، إلى مغادرة الحزب الشيوعي لما اقتنعوا بصحتها.. فعلا كثر الكلام
عن الانضباط في تلك الفترة.. و مع ذلك أتعجب أن يكون إدريس قد انتصر له بهذا
الحماس.
-
قلت أنه كان لا يحكم على صحة الفكرة بقدر ما كان يحكم
على صدق قائلها..
-
هذا هو التفسير الصحيح بدون شك. لم يدافع عن الانضباط
تحت لواء حزب معين بل كان يطالب بالصدق في الفكر مهما كان. ينتقد هو نفسه الدين
كممارسة سياسية، لكن عندما يقرأ نفس النقد بقلم الكاتب المغربي (المستقل) يتضايق منه
لأنه لا يطمئن لحسن نية قائله كما يطمئن إلى حسن نيته هو.. يهاجم بهذه الحدة
الخلاعة الفكرية لأنه لم ينفك يشمئز من تلك الجماعة التي نبذت الاستقلال عندما ظن
أنه استبعد في مستقبل محجوب ثم، عندما رأته يتحقق بعد سنين فقط من المحنة و
الانتظار، هرعت إلى الدار البيضاء لتستقر في مقاعد الأجانب و تجمع أموالا طائلة
باسم التقدمية و محاربة الأحزاب ذات القيادات البرجوازية الصغيرة.
-
هؤلاء انتهازيون لا فوضويون.
-
كلمة فوضوي في غير محلها بدون شك. المهم أن التيار الذي
نقده إدريس بشدة لم يختف مع الاستقلال بل عاد إلى الظهور و بقوة في فترة لاحقة.
-
متجاوزا أبناء الطبقة البرجوازية.
-
صحيح. و لكن القيادة
بقيت في معظمها من نفس الأصل. و من دلائل الاستمرار التاريخي أن التيار اللاحق رد
الاعتبار للكاتب المذكور و لم يعد أحد يتذكر المقال الذي أغضب إدريس.
-
السياسة هَمٌّ يومي.
-
تعني أن لكل يوم همومه ؟
ملاحظة للتوضيح و رفع اللبس
الاثنين 14.11.2011، الساعة
الثانية بعد الزوال، قابلت منذ دقائق في المقهى، زميلا و قارئا من قرائي الأصدقاء
الحقيقيين و الافتراضيين، قال لي: فهمت عنوان مقالك المنقول، "كونوا يا
سادة شيوعيين أو رجعيين و لكن اختاروا أو اسكتوا"، على النحو التالي: "كونوا
يا سادة شيوعيين أو إسلاميين و لكن اختاروا أو اسكتوا". ترجم كلمة رجعي
إلى إسلامي مع أنه ليس معاديا للإسلاميين. رفعا لكل التباس، أقول أن نص عبد
الله العروي يحكي على المغرب الأقصى أيام الاحتلال الفرنسي و بالتحديد سنة 1953
حيث لا توجد أحزاب إسلامية بالمعنى الحديث مثل حزب النهضة في تونس ما بعد
ثورة 14 جانفي 2011. يبدو لي أن الكاتب
يقصد الوطنيين غير الشيوعيين بكلمة رجعيين و لا يقصد الإسلاميين.
إمضائي
الذهن غير المتقلّب غير حرّ.
لا أحد مُجبر
على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن
يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه. عبد الله العروي
يطلب الداعية
السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه و يثقوا في خطابه أما أنا - اقتداء بالمنهج
العلمي - أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات و أنتظر منهم النقد المفيد.
لا أقصد فرض
رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى و
على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف اللفظي أو المادي.
الكاتب منعزل إذا لم يكن له قارئ ناقد.
تاريخ أول نشر على النات: حمام الشط في 13 نوفمبر 2011.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire