كتاب عبد الله العروي "السنّة و
الإصلاح" الطبعة الأولى 2008 , المركز الثقافي العربي, بيروت, 224 صفحة
تنبيه ضروري
ما أنشره في
هذه السلسلة من نقل، تحت العنوان المشترك "فكرة قرأتها في كتاب"، لا يمثل بالضرورة
موقفي الفكري بل هو عبارة عن مذكّرة خاصة، أعتمدها شخصيا عند الرجوع
إلى الكتاب الأصلي. هذه الاقتباسات لا تغني عن قراءة الكتاب كاملا. يجب إذن توخّي
الحذر الشديد في التعامل مع ما ورد فيها لأن لا تصل إليكم فكرة الكاتب ناقصة أو
مشوّهة. أنشر هذه السلسلة مساهمة مني في رد الاعتبار لفن ثامن مهدّد بالانقراض،
اسمه "مطالعة الكتب.
نص عبد الله العروي
غلاف
الكتاب
على شكل جواب على تساؤلات امرأة أجنبية
مسلمة، يكتب العروي هذا الكتاب. و هي تساؤلات تتناول صورة الإسلام. و كيف يقدم
نفسه، و كيف ينظر إلى الأديان الأخرى، خاصة و أن السيدة: مسلمة، بحكم الانتماء، و
تعيش في محيط تتعدد فيه الأديان.
عبر الرد يطرح العروي تصوره الشخصي،
الفردي، متجاوزا ما يمكن أن نسميه ثوابت، إلى رحابة حرية التفكير و الفهم، أمينا
لمنهجه التاريخاني الذي "يعني اكتشاف الواقع المجتمعي الذي لا يدرك حقا إلا
في منظور التاريخ، فما يحرك المجتمع ليس الحق بقدر ما هو المنفعة.
صفحة 6
مرّ عليّ وقت طويل قبل أن أفهم أن ما
يحرك المجتمع ليس الحق بقدر ما هو المنفعة.
صفحة 7
لا أحد مجبر على التماهي مع مجتمعه.
لكن إذا ما قرر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن
ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه (Ma devise).
صفحة 19
الفيلسوف متطفل
بطبعه. فيتكلم (بدعوى التنظير) باسم الفنان أو السياسي أو رجل الدين، إلخ.
صفحة 43
سنّة تقابل "نوموس"
اليونانية و منها الناموس. الناموس هو ما تخطه الكواكب في السماء، ثم يرقم في سجل.
يحصل إذن تنزيل بالمعنى الحرفي.
صفحة
45: رائع
هل أفرغ رجل العلم كل ما في جعبته ؟ هل
قال كلمته الأخيرة ؟ لا بالتأكيد. و يوم ينجح في فك لغز الذاكرة بمعناها العام، أي
آليات حفظ الآثار و القدرة على استردادها في كل لحظة، و يرصد تلك القوة و تدرّج
أشكالها من الجماد إلى الإنسان العاقل، و هو ما يتوخاه منذ عقود، عندئذ يضيق
الخناق على الفلاسفة و المتكلمين. فيضطرون إلى الكلام بلسانه.
أمنية و افتراض إلى حد الساعة، لكنها
أمنية في المتناول و افتراض وارد و هو ما يحزن و ربما يخيف الكثيرين.
الهامش 1 صفحة 13: نعني هنا و في كل ما يلي بلفظ
فلسفة الميتافيزيقا، و بعلم الكلام المجادلة في ذات الله حسب قواعد المنطق. لا
نعني البتة فلسفة الدين.
صفحة 48
الذاكرة هي القوة على عكس الزمن دون الوعي بالعملية.
صفحة 54: الذاكرة هي بالتعريف تشويش على الزمن.
مِصرٌ يخلف آخر، شعب يطرد آخر، لغة تنسي أخرى،
ثقافة تضم أخرى، دين يقفو دين. و في كل دور الخلاصة و احدة: الدعوة إلى نبذ التكبر
و الرضى بالقدر.
صفحة 49
أيام اسكندر، و أيام يوليس قيصر، خضع الشرق للغرب عسكريا و سياسيا،
لكنه ساد عليه ذهنيا و روحيا.
صفحة 52
نسجل، أول ما نسجل، أن إبراهيم (الهامش
صفحة 51: إبراهيم اسم و معنى. يشير إلى الحد الفاصل بين المعلوم و المجهول، اليأس
و الأمل.) هو صاحب المبادرة، هو الذي يقدم على قطع المسيرة و يوقف الزمن، إذ
يتشكك، يحاور، يدعو، يجاب، يطمئن و يقر. و عندما تنقلب الأمور. يتحول الجواب إلى
وحي و أمر.
الهامش صفحة 53: " و إذ قال
إبراهيم لأبيه و قومه إنني براء مما تعبدون" (آية 26 من سورة الزخرف 43).
نقرأ في الرواية التي نعتمدها نحن أن
إبراهيم – أو الذكرى إن أردنا الوضوح و الإيجاز (صفحة 54) -، قبل أن يخاطب أباه و
أهله، يتحدى الكواكب، الواحد بعد الآخر، ملخصا في هذا الفعل البسيط الماضي كله. و
عندما تظل الكواكب صامتة، لا تبدي تعديلا أو تصويبا، عندها يقرر إبراهيم مقاطعة
أهله و ما يعبدون. فيلغي الماضي، كل الماضي.
و الماضي ما هو ؟
هو الحضارة، هو ما أنجزه الإنسان على
ضفاف الأنهار التي تحيي الأرض و تطعم الناس. يهجر إبراهيم كل هذا و يختار الحرية و
الترحال.
صفحة 53
هل يوجد "إبراهيم" آخر غير
إبراهيمنا، ظهر في ناحية غير ناحيتنا ؟
صفحة 54
لا الأغنياء أقل شقاء من الفقراء و لا
الأسياد أكثر طمأنينة من العبيد. ظن الإنسان أنه إذا تقرّب من آلهة كثيرة ضاعف حظه
من السعادة و الأمن. لم يصدق حدسه و لم يتحقق أمله.
صفحة 55
إبراهيم، هو بحق أب الجميع، أب آدم و
نوح، أب موسى و عيسى و محمد (إضافة مواطن العالَم عن مصطفى
علوي: مكوّن الفكرة مثلا عن آدم: أبوهم المجازي حسب رأيي، لأنه قد يكون هو مبتكر
مفهوم آدم و مفهوم نوح غير المثبت وجودهما تاريخيا).
و هذا هو بالضبط منطق السرد، أي سرد،
منطق الزمن المعكوس، نواة الزمن السرمدي.
صفحة 56
الهامش: نحن أمام روايتين للأحداث
نفسها (لما حفظته الذاكرة الجماعية). واحدة تعود إلى أبناء اسحق و هي التوراة و
الأخرى إلى أبناء إسماعيل و هي القرآن.
صفحة 59
الرؤيا... هي إدراك من نوع جديد... رؤية
العين تشهد على حضور المرئي...
أما الرؤيا فإنها تحقق ما تعجز عنه
رؤية العين. تحوّل الماضي و المستقبل إلى حاضر، تجعل ما كان و ما سيكون واضحا وضوح
الحاضر بل تجعله في الحقيقة أكثر حضورا من الحاضر المتذبذب الهارب في غالب الأحيان.
عند الرؤيا لا شيء يفصل الحلم عن
اليقظة. و بما أننا أثناء اليقظة كثيرا ما ننخدع بشهادة الحواس المتقلبة، يمكن
القول إننا ندرك الحقيقة القارة المطلقة في الرؤيا و فيها وحدها.
و أخيرا، إذا كان الماضي و المستقبل
يوازيان الحاضر في القيمة و المرتبة لا مفر من القول إن النهاية كامنة في البداية
و إن البداية عنوان النهاية.
صفحة 62
بعد أن تحقق الجميع أن الكثرة لا تغني،
أن تعدّد الأرباب و الآلهة لا يضمن أمنا و استقرارا، و هو أمر لا يكون أبدا حسب ما
تكشف عنه الرؤيا، هذا الذي لم يتحقق منذ عهود، ها الواحد الأحد، الدائم المتعالي،
من لا يشاهد إلا في آياته و لا يسمى إلا بصفات أفعاله، و الذي، رغم كل هذا، هو
دائما حاضر معنا، قريب منّا، حافظ لنا، معتن بنا، سميع مجيب، كريم مفضال، ها هو
يجود علينا به منًّا و إكراما، الآن و إلى الأبد
و في الحين ينتفي القلق و تذهب الحيرة.
و مع القلق ينتفي الطموح. أُدركت
الغاية، وُجدت الضالة و هدأت النفس. لم يعد هناك داع إلى بحث و استقصاء. كل غامض يُشرح،
كل عقدة تُحلّ، كل لغز يُفكّ بقصة مواتية، تُساق في بابها و وقتها، و هو منهج
نعرفه كلنا جيدا، إذ نلجأ إليه يوميا.
اسأل تُجب، اطلب تفسيرا تنعم بقصة.
صفحة 71
هذا يعني أن اليهودية التاريخية تحمل
في لبها نصرانية افتراضية و إسلاما محتملا، كما أن النصرانية القائمة تحمل يهودية
شكلية (أو لا تدعي الكنيسة أنها إسرائيل جديدة) و إسلاما اعتباريا تحقق بشكل ما في
الثورة البروتستانتية، كما أن الإسلام التاريخي حمل يهودية صورية (أهل البيت هو
القبيل المقدس) و نصرانية شكلية ظهرت عند بعض المتصوفين، مما دعا البعض إلى الكلام
عن إسلام متنصر، في الأندلس خاصة.
على غرار إبراهيم و على إثره يختزل
الإسلام الماضي بهدف نفيه، تجاوزه مع الحفاظ عليه كمرحلة، كخطوة تمهيدية، كغواية
تقود إلى الهداية.
صفحة 75
الرواية بواسطة، شهادة فلان عن فلان
مادة معروفة يشتغل عليها يوميا المؤرخون و القضاة. أما الصيغة المباشرة، الكلمة
الملقاة بدون واسطة، فهذه إما تقبل على حالها بدون تطلع أو تساؤل، تتلى كما نزلت،
و إما تستشكل إلى ما لا نهاية. تطفو الشبهات على سطح الظاهر، فتدقق و تقوّم و
تختفي ثم تظهر من جديد و كذلك دواليك.
صفحة 77
صحيح أن الأمة الواحدة تفترق
لأسباب...تعود إلى المصلحة و الشهوة و الأنانية أكثر مما تعود في الأساس إلى فهم و
تأويل كلام الله، هذا ما يفتأ يردده المؤرخون و علماء الاجتماع. لكن هل كان
الانقسام يطفو و ينمو بهذه السرعة، هل كان يتمركز بهذه الشدة، لولا غموض في اللفظ
و شبهة في الكتاب ؟
صفحة 78
عكس ما يخشاه بعضنا و يتمناه غيرنا، لا
ينتج عن المطالعة (مطالعة الكتابين الآخرين) أدنى ضرر بل العكس هو الحاصل. يخرج
القرآن من المقارنة أقوى تأثيرا و أكبر قيمة.
صفحة 82
و إذ نلاحظ بالفعل أن الإمبراطورية
الرومانية انتهت، بعد ممانعة دامت ثلاثة قرون، إلى اعتناق المسيحية، فلأن هذا
الدين نشا في أحضانها و ليس، كما يبدو، على أطرافها. اعتنقت ما هو من صلبها، لا ما
طرأ عليها من الجوار.
صفحة 85
يقول خاتم القائمة: شهادتكم على الخالق مزعجة لي و
صادمة لشعوري و ذهني، فسّروا لي هذا الأمر.
الهامش 19 صفحة 85: الصدمة أخلاقية كما عند فولتير،
و هي كذلك ذوقية كما عند نيتشه الذي يقول:
Désormais c’est notre goût qui
condamne le christianisme et non plus nos raisons. Le Gai savoir (livre III,
par. 132).
تتوالى الأيام فيأتي ورثة أباعد و يدّعون أنهم
مشمئزون مما حمل هذا المتأخر، خاتم القائمة، عمّن سبقوه، متناسين أنه لا يمكن لهم
أن يستنكروا ما عنده دون أن يستنكروا ما عندهم. العار عارهم قبل أن يكون عار
المتأخر.
الهامش 20 صفحة 85: أوضح دليل على ما
نقول هو ما يتعلق بوضع المرأة في الإسلام. ينسى غير المسلم أن ما يستبشعه موجود في
العهد القديم (الحجاب، تكوين 66: 24، تعدد الزوجات يعقوب و أزواجه الأربع، تكوين
26-23: 35) و كذلك في العهد الجديد، في عبارة بولس:
Femmes, soyez soumises à vos maris
comme au Seigneur. Car le mari est le chef de la femme comme le Christ est le chef de l’Eglise. (Ephésiens, V.
22-24).
صفحة 86
ما المانع أن يتوصّل متخصّص في الخط
القديم إلى قناعة، و بحجج دامغة، أن لهجة مكة كانت غير ما توهمنا إلى حد الآن ؟
إذا حصل شيء من هذا، و لم يكن بد من
الرضوخ له، ستحدث صدمة، بل رجّة، لا شك في ذلك. ثم ماذا ؟ هل ينال هذا شيئا مما
يشعر به المسلمون الواعون إذ يرتلون ما يرتلون ؟ هل ينعدم به ما يغشى الناطق
بالعربية من خشوع كلما سمع جملة واحدة من الذكر ؟
صفحة 88
هل من الضروري أن ننتظر أن يفعل بنا
الزمن هذه الأفاعيل، أن يرغمنا على التكيف ؟ هل من الضروري أن نفاجأ باكتشافات،
علمية و تاريخية، مذهلة لنغير من أحوالنا ؟ نستطيع من الآن أن نسير في هذا
الاتجاه. و ذلك باعتماد التحليل العقلي و التاريخي فيما يتعلق بالنص الذي نقرأه
اليوم. يكفي أن نستعيد موقف متكلمينا الأوائل، موقفهم الحقيقي، لا ما نسب إليهم
بعد فترة الهزائم و التقهقر.
إذ كتب علينا نحن أيضا التيه و التحريف.
صفحة 89
لماذا هذا التهيّب، هذه الخشية، مما
تسفر عنه الحفريات ؟ لأن ما يبدو لنا اليوم عجيبا، مذهلا، باهرا قد يتحول بين ليلة
و ضحاها إلى أمر تافه مبتذل. لا نزال نفكر بفكر أجدادنا ظنّا منّا أن أفقنا
المعرفي محفوظ لا يتغير. صحيح أن الواجب هو أن نضع أنفسنا موضعهم حتى نتفهم
أحكامهم، لكن ليس علينا أن نصادق على كل ما قالوه و استنتجوه.
صفحة 94
الإسلام ليس سوى "ّقراءة"
يقوم بها شعب بعينه، قبل أن تدوّن تلك القراءة الخاصة المتميزة في نص مضبوط.
صفحة 95
الهامش 3 صفحة 95: تأويل خاطئ لمفهوم
الإعجاز دفع فقهاءنا إلى الإصرار على أن الإسلام نشأ في صحراء.
صفحة 101
و إذ نذكّر بهذا الواقع، بأن للعرب
تاريخا قبل الإسلام، نفهم بكيفية أفضل ما حدث في ظل الإسلام، سرعة الانتشار، الحذق
السياسي عند الزعماء، الخبرة العسكرية عند القادة، نباهة المتكلمين القدامى، توأمة
مكة و بيت المقدس، انتقال مركز القرار مبكرا من المدينة إلى دمشق، إلخ.
صفحة 103
ما يعدّه البعض و هم المؤمنون
المتذوقون غنى و غزارة (في القرآن)، يرى فيه البعض الآخر عقما و ضحالة.
صفحة 127
هذا النص الذي تقرئينه (القرآن) و
تحاولين فك ألغازه، لم ينزل دفعة واحدة، بل تكوّن على مدى عقدين من الزمن. كان
متفرقا و لم يجمع و يؤلف مجددا إلا بعد مدة لا تقل طولا عن الأولى. و سيرة النبي
المعتمدة اليوم لم تحرّر إلا بعد مرور قرن على تاريخ جمع القرآن (الهامش 1 صفحة
127: سيرة ابن اسحق سنة 150 هـ/ 767م.). و الأحاديث المتعلقة بأقوال، و أعمال
النبي لم تصنّف بكيفية تجعلها في متناول القضاة و الوعاظ و المفتين إلا بعد مرور
قرن آخر على تأليف السيرة.
إمضائي
لا
أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه
إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه.
عبد الله العروي
يطلب
الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه و يثقوا في خطابه أما أنا - اقتداء
بالمنهج العلمي - أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات و أنتظر منهم
النقد المفيد.
لا
أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر
أخرى و على كل مقال
سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف اللفظي أو المادي.
التاريخ: حمام الشط في 23 أكتوبر 2010.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire