ملاحظة علمية
أولية هامة:
لا تنسى أيها
الذكر أن نصف كروموزاماتك (23 من 46) هي جينات أنثوية ورثتها عن أمّك. وهل يوجد
أنبلُ من جيناتِ أمّك ("الجنّةُ تَحْتَ أقدامِ الأمّهاتْ" حديثٌ) ؟ جيناتٌ
ترعاكَ بحضور أمّك، وتواصل رعايتكَ دون أن تشعرَ حتى بعد فراقِها !
يبدو لي أن كثيرًا من الصفات البشرية غير المؤاتِية
(défavorables)
التي طوّرها الانتقاء الطبيعي الدارويني
(La sélection naturelle)
واحتفظت بها جيناتُنا (ADN) إلى اليوم، هي صفاتٌ ذكوريةٌ سلبيةٌ.
1. النضالُ السياسيُّ في تونس هو بالأساس صفةٌ ذكورية:
جلُّ النضالِ السياسيِّ في تونس ضد بورڤيبة وبن علِي قام
به الرجال، وبعض النساء اكتفَين بمعاضدة أزواجهن وأبنائهن وزيارة السجناء منهم،
مساندة فعّالة ومهمة. في عالَم الحيوانات، يتقاتل الذكور من أجل حيازة الإناث المرغوب
فيهن، أما الإناث:
-
فيحمين صغارهن (وهو دورٌ مهمٌّ جدًّا جدًّا في
تطوير شبكة الخلايا العصبية في أمخاخ الصغار وذلك عن طريق رعايتهم وتدريبهم الأوّلِيين
بعد الولادة - L`Épigenèse cérébrale: "الأمّ مدرسةٌ إذا
أعددتَها (أو لم تُعِدَّها)*** أعددتَ شعباً طيب الأعراق، أحمد شوقي).
- أو يتفرّجن على هذه المبارزات الذكورية التي تُقام بسببهن، والذَّكَرُ القوي هو الذي يفوز بأفضل الإناث كي يورّثهنّ جيناتَه المميّزةَ بهدف تأبيدِها. هل يكون الفوزُ في المعارك هو واجبٌ جينيٌّ ميّزه الانتقاء الطبيعي وطوّره عبر ملايين السنين (طيلة 6-7 مليون سنة منذ بداية ظهور أسلاف الإنسان -
Les hominidés ) ؟
لكن لو كان الرجل ذئبًا لأخيه الرجل فالمرأة أكثر ذئبية
لأختها المرأة دفاعًا شرسًا عن صغارِها !
2. في أكثر الحضارات، تُعامَلُ النساء كجنسٍ ناقصٍ مقارنةً بالرجال:
إخضاعُ النساءِ من قِبل الرجالِ، إخضاعٌ مدعومٌ طبيعيًّا وجينيًّا
(Le tout-génétique)
من قِبل الانتقاء الدارويني، إخضاعٌ وقع تأبيده في عديد
المجتمعات عن طريق العُرف والعادات والتقاليد والأخلاق، خاصة في الحضارات
التوحيدية الثلاث أي اليهودية والمسيحية والإسلام.
موقف
الإسلام من المرأة يختلف كثيرًا بل يتناقض أحيانًا مع موقف المسلمين منها:
لا يغرنّكم تغليفُ "إخضاعُ النساءِ" بكلمة
الحق التي استعمِلت في الباطل: عندما تُحاورُ إسلاميًّا تونسيًّا حول حقوق
المرأة المهدورة في الواقع اليومي المعيش، يصفعك بالقولة الجاهزة: "الإسلامُ
كرّم المرأة". أجيبُه: صحيح، الله في القرآن كرّمها، أما أنتم الرجال
المسلمون فقد مسحتُم بكرامتها الأرضَ على مدى 14 قرنًا، إلا مَن رَحِمَ ربي وهم
قلةٌ قليلةٌ. وخير دليلٍ على وجاهة طرحي: لاحظوا غيابَها في المراتب الدينية الإسلامية
كالإمامة والرئاسة والقضاء مثل غيابها في البابوية المسيحية أو الرِّبية في
اليهودية. (مصدر إلهامي في
هذا الموقف هو كتاب الشيخ راشد الغنوشي، "إرهاصات الثورة"، دار المجتهد
للنشر والتوزيع، 2015، 277 صفحة. كُتِبَ بين 1999 و2014.).
على حدّ علمي فإن الديانات التوحيدية الثلاث تُحمّل حواء مسؤولية خروج آدم من الجنة.
مالك بن نبي قال ولا قول بعد قوله:
"ليس الإسلام هو الحضارة، الإسلام وَحْيٌ نزل من السماء بينما الحضارة لا
تنزل من السماء وإنما يصنعها البشر عندما يحسنون توظيف ملكاتهم" (ص 109 من نفس المصدر)، ثم أضافَ: "كل باحث في
طريقه إلى القرآن تتعثر أقدامه في المسلمين. تمنيت لو لم يكن هناك مسلمون أصلاً
بمن فيهم شخصي. كلمة غيور غاضب" (ص 114 من نفس المصدر).
في تونس
اليوم، قليلٌ جدًّا من النساء يتبوّأن مناصبَ عُليا في الدولة رغم تفوقهن عدديًّا ونوعيًّا
في التعليم الثانوي والجامعي وفي البحث العلمي. هذا الحيفُ هو من صنيع الرجال
التونسيين المسلمين العنصريين ضد المرأة، والقرآنُ بريءٌ من تأويلات الفقهاء
الرجعية. أما القلة من النساء التونسيات البارزات فيَحوم حول بروزهن السؤال
التالي: هل برزن بجهدهن الخاص أو بفضل التناصف المفروض علينا من الغرب أو بفضل
محاكاة نضالات الرجال من أجل المحاكاة ؟
عالَمُ اليوم
ما يزال في أغلبه عالَمٌ رجاليٌّ حتى في الغرب، غربٌ صانعٌ للسلاح ومصدِّرُه، غربٌ
متفوقٌ علميًّا وتكنولوجيًّا ومتخلفٌ إنسانيًّا. لا نستطيعُ أن نتنبّأ إذا كان هذا
الوضعُ المستورَدُ حاملاً للأملِ أو قابرًا له ؟ ليس مضمونًا البتة أن وَضْعَنا في تونس سيتحسّن
لو حكمتنا النساءُ ؟ (سهام وسعيدة وعبير وبشرى وسامية
وراضية ومية ومريم وغيرهن في البال !). لكن في الآخر أقول أنهنّ يستحقِقْن أن نمنحُهن فرصةً
للتجريب، لكن تبقى المشكلة في معرفة كيف سينتزعْن المُلْكَ من الرجال دون أن
يتصرّفْن بدورهنّ مثل الرجال، أي بعنفٍ وعُدوانيةٍ ذكوريتَين، صفتان ليستا مكتوبتَين في جيناتهنّ، وهذا من حسن
حظنا وحظهن ؟
3. تواجُدُ النساء التونسيات اليوم في المصعد الاجتماعي هو ظاهرة اجتماعية
صحية وواعدة بمستقبل أفضل لتونس:
حتى ولو كان وضع المرأة اليومَ هشًّا (عادة ما لا
تُمكَّنُ حتى من منابِها الشرعي في الإرث)، فإن التوجهَ العام الحالي قد يكون
واعدًا ومشجعًا ومبشِّرًا بمستقبل أفضل للمرأة التونسية، أفضل على الأقل من
نظيراتها في العالَم العربي. أصبحت المرأة اليومَ تعمل وتشارك في الحياة الاجتماعية والسياسية
وحتى الدينية ولو باحتشامٍ كبيرٍ، وأصبح بعض الرجال يساعدون زوجاتهم الموظفات في أعمال
المطبخ، ومما يُفرح أكثر أن نسبة محترمة من التونسيين أصبحت تؤمن ولو باللسان
بالمساواة التامة بين الرجل والمرأة. مكسبٌ هامٌّ ومدسترٌ، أضيفَ سنة 2013 إلى
حقوق المرأة السابقة المقنّنة في مجلة الأحوال الشخصية منذ سنة 1957، مثل منع تعدد
الزوجات.
خاتمة:
لم يبقَ للنساء إذن من حلِّ سوى إعلانُ الجهاد على الجينات الرجعية الجندرية الذكورية المتخلفة والمتواجدة عند الرجال أكثر من النساء، وذلك عن طريق تبنّي عِلمٍ -نسبيًّا جديد (عام 70)- اسمه "ما فوق الوراثي المخي"
(L`épigenèse cérébrale, sujet de ma thèse de doctorat en didactique de la biologie, UCBL1, 2007)،
ويُسمّيه الرسميون "التخلّق" أي ما ينبثق من صفات ذهنية بعد التفاعل بين الموروث والمكتسب أو بين الجينات والبيئة المحيطة بها داخل الجسم وخارجه
(Interaction entre l`inné et l`acquis ou entre les gènes et l`environnement).
علمٌ واعدٌ أو نضالٌ علميٌّ ضد طبيعة جيناتنا المتخلفة التي "تعزز اللحمة داخل مجموعة بشرية
ضيقة كالقبيلة أو الموطن" وفي نفس الوقت "تعزز العداوة للمجموعات
البشرية الأخرى كالأجانب" (مثال: عرب\يهود)، نضالُ ثقافيٌّ مكتسبٌ ضد الطبيعي الموروث (Culture contre Nature)، نضالٌ يربّي النفسَ، يدرّبها، يصقلها، يهذبها..
يهذبها بالدين، بالفلسفة،
بالموسيقى، بالتصوّف، بالرقص.. الوسيلة لا تهم، ما دامت نبيلة وتسعى لتحقيق غاية
أنبل، نضالٌ أفضل وأنجع ألف مرة من "النضال السياسي".
"النضال
السياسي" هو أكبر خدعة استوردناها من الغرب،
والدليل على وجاهة طرحي: ما إن يتسلم المعارضون المناضلون السلطة حتى
يظلمون ويقوم ضدهم مناضلون آخرون والشعب دومًا هو الضحية الوحيدة، ولا فرق عندي بين
الحكّام الظلمة، رأسماليين كانوا أو شيوعيين أو علمانيين أو إسلاميين أو قوميين.
ملاحظة: جُلُّ أفكارِ المقالِ هي أفكارٌ مستوحاةٌ من الكتابِ التالي، ص
218-221:
Livre :
Génétique du péché originel. Le poids du passé sur l`avenir de la vie.
Christian de Duve (Prix Nobel de médecine 1974, biologiste-moraliste),
Editions Poches Odile Jacob, Paris, 2017, 240 pages.
إمضاء مواطن العالَم (رجلٌ يحترمُ المرأةَ، يُحبُّها، يُجِلها ويَعشقُها):
أنا اليومَ لا أرى خلاصًا للبشريةِ في الأنظمةِ القوميةِ ولا اليساريةِ ولا
الليبراليةِ ولا الإسلاميةِ، أراهُ فقط في الاستقامةِ الأخلاقيةِ على المستوى
الفردِيِّ وكُنْ كما شِئتَ (La
spiritualité à l`échelle individuelle).
"النقدُ
هدّامٌ أو لا يكونْ" محمد كشكار
"المثقّفُ هو هدّامُ
القناعاتِ والبداهاتِ العموميةِ" فوكو
"وإذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك
فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران
لا أقصدُ فرضَ رأيِي عليكم بالأمثلةِ
والبراهينَ بل أدعوكم بكل تواضعٍ إلى مقاربةٍ أخرى، وعلى كل مقالٍ سيءٍ نردُّ
بِمقالٍ جيّدٍ، لا بالعنفِ اللفظيِّ.
تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الأربعاء 13 مارس
2019.