mercredi 12 février 2020

تلميذ السنة أولى ابتدائي مخاطِبًا معلّمَه: إرثي الجيني وحده يُسمّيه العلماء "الكتابُ الأكبرُ"، فلماذا تحطّ من شأني يا سيدي المعلم وتسمّيني "صفحةً بيضاءْ"، ثم تدّعي أنك قادرٌ أن تكتب أنتَ فيها ما تشاءْ! مواطن العالَم



يا معلّمي، يا سيدي وتاج رأسي، هو المخلوق الجديد (التحام الحيوان المنوي بالبويضة) ليس صفحةً بيضاءَ، فما بالك بي أنا ابنُ الست سنوات:
-         جيناتي الفطرية (Mon ADN hérité de mes deux parents)، أعقدُ  من أعقدِ كتابٍ صدر في التاريخ (Le livre le plus complexe au monde).
-         جيناتي ، كتابٌ واحدٌ وحيدٌ في الوجود ، لم يوجد مثله ولن يوجد (  Un livre unique dans l`histoire et le futur).
-         جيناتي، كتابٌ مكتوبٌ بالشفرة الجينية (Le code génétique)، لغةٌ لا يفقه فك رموزها إلا أعلى الراسخين في العلم.
-         جيناتي، كتابٌ، كُتِبَ بواسطة أربعة حروف فقط (Les 4 bases: A, T, C, G)، وبهذه الأربعة حروف رُكَّبَ أكثر من أربعة ملايير مفردة (Les nucléotides ).
-         جيناتي، كتابٌ يضمّ بين دفّتَيه تاريخ البشرية البيولوجي ويحفظه من التلف والزمن، الكتابُ الوحيدُ القادرُ على استنساخِ نفسِه بنفسِه.
-         جيناتي، نِتاجُ تفاعلٍ بيني وبين المحيط (L’environnement)، جيناتي مع المحيط خلقا مني كائنًا يستحيل استنساخَه كليًّا (جسديًّا ممكن، ذهنيًّا غير ممكن) حتى عن طريق عملية الاستنساخ (Le clonage physique, possible. Le clonage intellectuel, impossible).

يا معلّمي، يا سيدي وتاج رأسي، قبل أن آتيك إلى المدرسة تعلمتُ الآتي:
-         منذ ولِدتُ وأنا أحملُ اسمًا ولقبًا، دينًا وانتماءً، جنسًا وجنسيةً، ثقافةً وحضارةَ، عاداتٍ وميولاتٍ، جماليةً وذوقًا، واقعًا وخيالاً، صحّةً وسقمًا، أحلامًا وأوهامًا، تجاربَ وأخطاءَ، تاريخًا بانتصاراته وهزائمه.. أما زلتَ تصرّ على أنني مجرّدُ صفحةٍ بيضاء!
-         استوعبتُ من المعلومات في ست سنوات ما لا يقدر على استيعابه أنجب الطلبة في الجامعة في نفس المدة.
-         تعلمتُ من عائلتي ومحيطي، تعلمتُ اللغةَ العربيةَ ورموزَها، الأخلاقَ وحدودَها، الأكلَ وأنواعَه، اللباسَ والمُوضةَ، القرابةَ وآدابَها، الحبَّ ونَقيضَه، باختصار يا سيدي تعلمتُ الحياةَ من الحياةِ.

أخيرًا يا معلّمي، يا سيدي وتاج رأسي، وليس آخرًا، سأقسو عليك قليلاً على قدرِ قسوتِكَ عليّ بنعتي بـ"الصفحةِ البيضاء"، هي شتيمةٌ يا سيدي، لو كنتَ تدري، وإن كنتَ لا تدري فالمصيبةُ أعظمُ! أتعتقِدُ أنكَ العالِمُ وأنا الجاهلُ؟ أنا لم أدّعِ يومًا أنني عالِمٌ لكنني لستُ جاهلاً! أجاهلٌ مَن يعرفُ اللهَ والشيطانَ، الجنّةَ والنارَ، الحلالَ والحرامَ، الصدقَ والكذبَ، التجريدَ والتجسيمَ؟
أنا، يا معلّمي، يا سيدي وتاج رأسي، طِفلُ في طَوْرِ التشكّلِ، جسديًّا وذهنيًّا، لي ماضٍ وأطمحُ لمستقبلَ أفضلَ. أنا لستُ عجينةً تشكّلها أنتَ كما تشاءْ، ولا إناءً فارغًا تملؤه أنتَ بما تشاءْ، ولا صفحةً بيضاءَ تكتبُ فيها أنتَ ما تشاءْ!

إمضائي
"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الاثنين 30 جويلية 2018.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire