lundi 10 février 2020

شيءٌ -للأسفِ- نادرٌ، لكنه يُثلِجُ الصدرَ، أن تلتقي مَن يحترمكَ لِما تكتبُ وتنشرُ على الفيسبوك! مواطن العالَم


دُعيتُ اليومَ صباحًا -كَوَلِيٍّ- إلى مقابلة مدير معهد البشير النبهاني بحمام الأنف، الأستاذ محسن الكريفي. سأترك مشكلة ابني جانبًا لأنها مشكلة عادية جدًّا وسأتكلم عن الاستقبال الطيب الذي حباني به السيد المدير وقبله فعلَ، نفس الشيء معي، ناظرُ نفس المعهد الأستاذ محي الدين عزيّز. احترامٌ وتقديرٌ كبيرانِ لشخصي ولِما أكتبُ وأنشرُ على الفيسبوك، لم أفعل شيئًا، يجعلني لا أستحقهما.

لقائلٍ أن يقول: حدثٌ عادي وتصرّف عادي، حدثٌ لا يستحق النشرَ.
عندكم ألف حق، لكن وكما يقول المَثل الشعبي "اللِّي ما يعرفشْ إﭬول سْبُولْ".
في الفترة الزمنية القريبة الفائتة تعرضتُ إلى هجومٍ لفظيٍّ عنيفٍ في الفيسبوك (لم تروه في صفحتي لأنني مباشرة أحذفه وفورًا ودون نقاش "نبلوكي" كاتبه)، وإلى هجومٍ لفظيٍّ مغلّفٍ وغير عنيفٍ من قِبلِ بعض الأصدقاء المقرّبين من جمنة ومن حمام الشط، الأغلظ في مقهى الشيحي والألطف منه في مقهى البلميرا. آخر ذنبٍ عظيمٍ  ارتكبتُه -حسب عقولهم الضيقة-  يتمثل في قراءةِ 4 كتب لكاتبٍ اسمه راشد الغنوشي وفي نشرِ فقرات جميلة ومختارة مما حبّر الشيخ أو مما نقلَ. والله العظيم لم أكن أعرف أن "قراءة كتب الغنوشي" تُعدُّ في "دين اليسار الستاليني" كبيرةٌ من الكبائرِ، وأنتظر من شيوخهم فتوى للتكفير عن ذنبي، أأصومُ ثلاثة أيام أم أطعِمُ ستينَ مسكينًا، يساريّين أو نهضاويّين؟

بارادوكس غريب وعجيب؟ أنا لم أنكر يومًا يساريتي ولم أتنكر يومًا لعائلتي اليسارية الموسّعة، ومع ذلك يناصبني أصدقائي اليساريون الستالينيون العِداء الفكري الشديد وقلة الاحترام لشخصي المتواضع لله ولمخلوقاته، حيوانٌ وبشرْ، نباتٌ وحجرْ.
أنا سعيدٌ جدًّا بالاحترام الفكري الكبير الذي أحْظَى به من قِبل معارفي غير الستالينيين (تروتسكيين وقوميين ونهضاويين ودساترة وغير مصنّفين وأناس عاديين)، وفي نفس الوقت حزين جدًّا للبغض الفكري والشخصي الشديد الذي يصدمني به يوميًّا -في وجهي وفي صفحتي الفيسبوكية- أصدقائي اليساريون  الستالينيون.
والله العظيم لم أستطعْ حتى اللحظةَ أن أحدِّدَ سببًا معقولاً لهذه العداوة المجانية حيال كاتبٍ يساريٍّ مغمورٍ، نكرةٍ على المستوى الثقافي الجهوي والوطني:
-         هل لأنني أحبُّهم ولم أقوَ يومًا على كُرههم؟
-         هل لأنني تخليتُ عن الجانب الماركسي في يساريتي؟
-         هل لأنني تصالحتُ -بصدق ودون ازدواجيةٍ في الخطاب- مع هوية مجتمعي الأمازيغية-العربية-الإسلامية (L’Indigénisation
-         هل لأنني انتقدتُ فكرَ وممارسات الجبهاويين الأشاوس؟
-         هل لأنني لم أسبْ ولم أشتمْ الغنوشي وآل الغنوشي والنهضة والنهضاويين والسلفيين والمدارس القرآنية والجهاز السري؟
-         هل لأنني قرأت 4 كتب للغنوشي وما زالوا 3 في الطريق؟

خاتمة: يا عقلاء اليسار التونسي، قولوا لغيرعقلاء اليسار التونسي، أن العقلَ لا يَجزعُ أبدًا (La raison ne s’affole jamais)، لا يَجزعُ عند قراءة القرضاوي ولا البنّا ولا الغنوشي ولا ماركس ولا ستالين، ولا حتى عند قراءة مَن غيّب العقلَ تمامًا عقودًا من الزمن (L’éclipse de la raison)، أعني بالأخير منهم وهو ليس منهم، هتلر نفسه.

إمضائي (مواطن العالَم البستاني، متعدّد الهُويات، l’homme semi-perméable، أصيل جمنة ولادةً وتربيةً، يساري غير ماركسي حر ومستقل، غاندي الهوى ومؤمن بمبدأ "الاستقامة الأخلاقية على المستوى الفردي" - Adepte de l’orthodoxie spirituelle à l’échelle individuelle):
"وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك، فدعها إذن إلى فجر آخر" (جبران)
À un mauvais discours, on répond par un bon discours et non par la violence. Le Monde diplomatique


تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 10 فيفري 2020.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire