mercredi 22 août 2018

مذ غادرتُ جمنة لم أعيّد، أي منذ ربع قرنٍ أو أكثر قليلا! مواطن العالَم أصيل جمنة ولادةً وتربيةً



توضيح: لا أعني النحرَ واللحمَ والمشويَّ. فعل "أعيّد" يعني، في جمنة الستينيات في شبابي ، المعايدة: المصافحة وبوستين على الخدّين لكل سكّان الحي (الحمادة) رجالاً ونساءً من ندّ أمي أو أكبر.
في حمام الشط، أردّد مع جدي المتنبي:
عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ ... بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديد
أمّا الأحِبّةُ فالبَيْداءُ دونَهُمُ ...  فَلَيتَ دونَكَ بِيداً دونَهَا بِيدُ

يوم عيد الأضحى في جمنة الستينيات في شبابي:
أمي تقوم باكرًا تُفرِّحُ (تكنس) الحوش، ما أحلاها مفردةً،  تُفرِّحُ أي تحضّر الجمادَ ليشارك فرحة البشر بافتدائهم بذبيحة وإنقاذهم في آخر لحظة من حتمية مصيرٍ مظلمٍ، فرجٌ أتاهم من السماء، حلٌّ جذريٌّ جاءهم من حيث لا يدركون، جزاءٌ على انقيادهم الكلّي لمشيئة الله، انقيادٌ صادقٌ وليس وهمًا أو تمثيلاَ.
تفرش ركنًا ببوشرميط (زربية الفقراء) أين تستقر أختي فاطمة الضريرة المستنيرة لاستقبال الزوار زرافات زرافات وعلى مدى ساعات، رجال دون سِتّات.
بعد صلاة العيد، يأتي جارنا عمي نصر، يُصبّح، يعيّد، يدخل سقيفة الشياه، يختار أفضلها، ينحرها، يسلخها. تشوي أمي بسرعة قطعةً من الكبد وتقدمها لعمي نصر، يأكلها ممتنًّا مبتسمًا ثم يغادرنا إلى جارٍ آخر.
لم أكن أعرف أن أكثر المسلمين ينحرون في العيد خروفًا ولم أكن أعرف أن أطفالهم يلعبون به ويتباهون قبل العيد. كنا فقراء وكنا ننحر كل سنة معزة، لا نشتريها بل ننتخبها من بين خمسة أو ستة شياه، هي - مع البهيمة ودجاجتان وسردوك - كل ثروتنا الحيوانية. كان الفرح - دون سبب مادي - هو كل ثروتنا.
ألبس أفضل ما عندي وأبدأ السعيَ بين الجيران، كل الجيران في "الحمادة" (حيّنا الجميل) وأزور بنتَيْ للت الزينة جارتنا اللواتي تزوجن و"هاجرن" إلى "الجهة البحرية" (حي آخر)، عيشة وهنية.
عند موعد الغداء، نجتمع كلنا (ست عائلات في زنڤة حادّة) في دار عمي نصر وتحت إشرافه (عادة ورثها عن أبي)، نتقاسم ما طبخت لنا أمهاتنا من أطباق متطابقة لكنها كلها شهية.

يوم عيد الأضحى في حمام الشط التسعينيات في كهولتي:
أنحرُ وحدي بمساعدة زوجتي، أطفالي الثلاثة نائمون. على الساعة السابعة تقريبًا أخرج، أجلس وحدي في مقهى "مِسك الليل"، أتعس من مقهى الشيحي بكثير وليس لها من المِسك إلا اسمها. لا أعيّد على أحدٍ ولا يعيد عليّ أحدٌ. في أول عيد في حمام الشط، ذهبت أعيد على جيراني، قابلوني ببرود جمّد الفرحة في عروقي ولم أكررها منذ 1990. في الغداء آكل وحدي مع زوجتي، الأولاد مازالوا نائمين.

إمضائي
و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الثلاثاء 22 أوت 2018.



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire