مقدمة منهجية ديونتولوجية:
أنا سارقُ معرفةٍ، سارقٌ
يُعلِنُ عن اسمِ ضحيتِهِ، عنوانِه، ويعرض المسروقَ على قارعة الطريق مجانًا
للعموم. تاجرٌ لا يعنيه الربح ولا الشاري، باع أم لم يبع، لايهم، فالسلعة ليست ملكَه
ولن يستطيعَ توريثَها لأولاده ولو أرادَ، يعرضها ويمر دون إلحاح أو تسويق وإذا باعها
فلن يقبض ثمنها نقدًا بل معرفةً أكبرَ.
وإذا كنتَ تبحثُ عن معلومةٍ
جديدةٍ في ما أكتبُ وأنشرُ فلن تجدَها، أنا ناقلُ معرفةٍ ولستُ منتِجَها.
عزيزي القارئ, عزيزتي القارئة، أنا لست داعيةً، لا
فكريًّا ولا سياسيًّا, أنا مواطن العالَم مثلك، أنا لا أهدفُ البتّةَ لإقناعِك ولا يعنيني ذلك ولا
يضيرني في شيءٍ عدمُ اقتناعِك، بل أكتفي بأن أعرض
عليك وجهة نظري المتواضعة والمختلفة عن
السائد, إن تبنّيتها, أكون سعيدا جدا, و إن نقدتها, أكون أسعد لأنك ستثريها بإضافة
ما عجزتُ أنا عن إدراكِه, وإن عارضتها
فيشرّفني أن يصبح لفكرتي معارضين.
البديلُ يُصنع بيني و بينك،
البديلُ لا يُهدَى و لا يُستورَد ولا ينزل من السماء (قال تعالى: إن الله لا
يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، وواهمٌ أو غير ديمقراطي من يتصور أنه يملك
البديلَ جاهزًا. النقدٌ هدّامٌ أو لا يكون، كل بناءٍ جيدٍ يسبقه هدمٌ جيدٌ، النقدُ
فرديٌّ والبناءُ جماعيٌّ.
أنا لست باحثًا علميًّا لذلك أتحدّثُ
كثيرًا عن نفسي ومَن يعرفُ عُقَدَها (ses complexes)
وتعقيداتِها (sa complexité)
ومفارقاتِها (ses paradoxes)
وتناقضاتِها (ses
contradictions) أكثر من نفسي نفسها؟ لا يحق لأحد إذن أن يتحدّث حول
أي شخصٍ أو أي ظاهرة اجتماعيةٍ دون أن يبحثها علميًّا والباحث منتِجُ المعرفة يجب
أن يكون عضوًا في مخبرٍ علميٍّ جامعيٍّ أو خاص وينشر أبحاثَه في مجلةٍ علميةٍ
مختصةٍ.
لبّ الموضوع:
العَلمانية
الملحدة: كلمتان متناقضتان (un oxymore). العَلمانية تقبل
كل الأديان وتعاملها بكل حيادٍ فلا يمكن إذن أن تكون ملحدة أو تدعو للإلحاد مثل ما
أخطأت دولة الاتحاد السوفياتي السابقة وفعلت ذلك تحت حكم ستالين.
الدعوية
الدينية العنيفة (prosélytisme agressif): كلمتان
متناقضتان أيضًا. "لا إكراه في
الدين" (قرآن) فالدعوية الدينية سلمية أو لا تكون.
النضال: يدّعي المناضل المثقف التونسي الشيوعي
الطلائعي أنه يناضل من أجل تحرير العمال وإرساءِ دولةٍ شيوعيةٍ. ويدّعي الداعية التونسي الإسلامي أنه يناضلُ من أجل أسلمة المجتمع ومن
أجل الدفاع عن القرآن وإعلاء كلمة الله. أنا أسألُ وأنا أجيبُ، وأقول للاثنَين:
مَن كلّفكُما بهذه المهمّة ومَن رشّحَكُما لهكذا دورٍ، الشعبُ أم الكتبُ، الواقعُ
أم الوهمُ، الصدقُ أم الانتهازيةُ؟ لا ماركس رشّح الأول ولا الله وكّلَ
الثاني! ماركس قال للمناضل الأول:
"العمال يحرّرون أنفسَهم بأنفسِهم دون وصايةٍ من أحدٍ"، وقال عن هذا
المثقف الذي يسمّي نفسَه مناضلاً: "بورجوازي صغير متسلّق متملّق
انتهازي". والله قال للرسول محمد صلى الله عليه وسلم وما "أدراكْ":
"إِنَّكَ
لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ
يَهْدِي مَن يَشَاءُ"، وكلمة الله عالية رغم أنفي وأنفك وأنوف الجميع، أيها الغِرُّ
الدَّعِيُّ! وأنتم مَن أنتم؟ وقال لك أنت أيها الداعيةُ: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ"، وعن ادِّعائك الدفاعَ عن القرآن قال:
"إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا
لَهُ لَحَافِظُونَ". أما أنا فأقول للأول: تناضلُ من أجل مَن؟ مِن أجل طبقةٍ
بروليتاريةٍ، طبقةٍ غير موجودةٍ في تونس إلا في الكتبِ التي تقرأها، لأن الطبقة
تُحدَّدُ بوعيها الطبقي لا بوجودها المادي، ومجنونٌ مَن يحلمُ بدولةٍ شيوعيةٍ في
مجتمعٍ مسلمٍ. حكام الاتحاد السوفياتي البائد كانوا "أشطرَ" منك مليون
مرّة ولكنهم فشلوا فشلا ذريعًا مدوّيًا بعد 70 عامَا من المحاولات الديكتاتورية
الدموية، والدليل القاطع: خمس دول إسلامية خرجت من رحم دولة الاتحاد السوفياتي
الملحدة رسميًّا (كازخستان، تركمانستان، أوزباكستان، قرغيستان، وطاجيكستان: حوالي
60 مليون مسلم). وأقول للثاني: "على مَن تقرأ زابورك يا داعية، أتريدُ أن تأسلِمَ
مجتمعًا مسلمًا منذ 14 قرنًا،
ça va la tête؟".
ثم أنهي مخاطبًا الاثنين
بغضبٍ وحَنَقٍ: قِيلونا لله، يهدينا ويهديكم الله!
إمضائي
كل صباحٍ، يوقُظني باكرًا
وخزُ آلامِ الظهرِ، أسرِعُ إلى المقهى - والله - فرِحٌ بمواصلة قراءة كتابِ
الأمسِ. أغلِقُ الكتابْ بمجرّد قدوم الأحبابْ. بعد ساعتين، أسرِعُ إلى حاسوبي
المنزلي - والله - فرِحٌ بكتابة ما أوحاهُ إليَّ المجلسُ أو الكتابُ. يتجدّدُ فرحي
كل يومٍ مرتين ومعه تتجدّدُ متعتي الفكرية.
و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران
تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الثلاثاء 14 أوت 2018.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire