samedi 25 mars 2017

لو خُيِّرْتُ بين التضحيةِ والواجبِ، لاخترتُ الواجبَ دون طمعٍ أو نِفاقٍ أو تردّدٍ! مواطن العالَم

 للتضحيةِ ثمنٌ، أما القائمُ بواجبه فالأسلمُ أن لا يطلب الثمن، والأوطان أغنَى مِن أن تطلب يومًا تضحيةً من أحدٍ، وعادةً ما تحتقر وتزدرِي المُضَحِّي طالِبُ الثمن، والواجبُ قد يُغنِي عن التضحية لو تم على أحسن وجهٍ.
بعد الاستقلال، طالبَ المجاهدون التونسيون الدستوريون البورڤيبيون الأحياء بثمنٍ مقابل تضحياتهم في مقاومة الاستعمار الفرنسي، حصلوا عليه ضيعاتٍ وعقاراتٍ من أملاك الدولة، ومن حسن حظنا أن عددهم في تونس كان قليلاَ، وإلا لحدث لنا ما حدث في الجزائر بعد الاستقلال، حصل  المجاهدون الجزائريون الأحياء علي ثمنٍ نضالهم وبزيادة مفرطة وعجيبة، فكان ابن المجاهد وحده يحق له دخول الجامعة دون باكلوريا. تكونت في الجزائر طبقةٌ كبيرةٌ من المجاهدين بغثها وسمينها، وخَصَّتهم الدولة بوزارة باسمهم، وزارةٌ سماها النبّارة الجزائريون وزارة الامتيازات، طبقةٌ طفيليةٌ تأخذ كل شيء ولا تدفع أي شيء، مثلها مثل طبقةِ المغتصِبين-المعمّرِين الفرنسيين، مع الفارق أن الشيءَ من مأتاه لا يُستغربُ من الثانية ويُدانُ وبِـشدة لو أتى من الأولى.
الداعشي يدّعِي أنه يضحّي من أجل وجه الله، سبعون حورية ثمن كل خطوة تضحية.
الأستاذ يدّعِي أنه يضحّي من أجل خدمة التلميذ خارج المدرسة، عشرة دنانير ثمن كل ساعة تضحية.
الطبيبُ يدّعِي أنه يضحّي من أجل خدمة المريض، خمسون دينارًا ثمن كل دقيقة تضحية.
الوزير يدّعِي أنه يضحّي من أجل خدمة المواطن، صفقةٌ بـآلاف الدنانير ثمن كل يوم تضحية.
المُضيِّفُ يدّعِي أنه يضحّي من أجل خدمة الضيف، نميمة ثمن كل لقمة تضحية.
الدول الغربية تدّعِي أنها تُضحِّي من أجل الدفاع عن حقوقِ الإنسان في الدول العربية، ألف برميل من النفط وألف روح عربية ثمن كل تضحية جوية.
الزعيمُ الوطني العربي يدّعِي أنه يضحّي من أجل خدمة الوطن، ونحن نرى أنه ما مات زعيمٌ وطني إلا وترك لنا وطنْ ناقص مساحة وزائد مِحنْ.
الزعيمُ اليساري العربي يدّعِي أنه يضحّي من أجل خدمة العامل، ونحن نرى أنه ما مات زعيمٌ يساري إلا وترك لنا انحسارًا في دائرة اليسار.
الزعيمُ الإسلامي العربي يدّعِي أنه يضحّي من أجل خدمة الإسلام والمسلمين، ونحن نرى أنه ما مات زعيمٌ إلا وترك لنا مسلمينَ أشد تعصّبًا وتطرّفًا.
لا التلميذ ولا المريض ولا المواطن ولا الضيف ولا الوطن ولا العامل ولا المسلم، لا أحدَ من هؤلاء طلب تضحيةً من أحدٍ ولو قام أدعياءُ التضحية بواجبهم لَما كان حالنا على ما نحن عليه اليوم.
الشعوب العربية لم تطلب تضحية من طائرات الإرهاب الغربية.
الله، سبحانه وتعالَى، غني ولا يحتاج إلى تضحية العالَمين، لكنه شديدُ العقاب للمنافقين وعالِمٌ بضعفِ إيمان الطمّاعين.

أما أنا فلم ولن أضحِّي في حياتي من أجل وطنٍ أو دينٍ، ولا من أجل والدٍ أو مولودٍ، ولا من أجل عَلَمٍ أو عِلمٍ، ولا من أجل قضيةٍ أو مبدأ، ولا من أجل صديقٍ أو حبيبٍ، ولا من أجل ضيفٍ أو عابرِ سبيلٍ. اكتفيتُ فقط بالقيام بالواجبِ نحو كل واحدٍ مما ذكرتُ دون زيادة أو نقصان، لا أكثرَ ولا أقلَّ، عملاً بِـقولِ القرآن الكريم "لا يكلّف الله نفسًا إلا وُسعَها".
لم أضحِّ في حياتي إلا بِـخروفِ العيد كلما استطعتُ إلى ذلك سبيلاَ.
الحمد لله والشكرُ لله، فلا دَينَ عندي أو عليَّ لأحدٍ، إلا للخالِقِ على الخَلْقِ والبارئ على الصحة والعافية.

إمضائي
"وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك فدعها إلى فجر آخر" (جبران)

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، السبت 25 مارس 2017.
Haut du formulaire



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire