jeudi 16 mars 2017

ما أغبَى إنسان القرن 21، استبدَل إلاهً مجرّدًا كبيرَا بـِإلاهٍ مُجسّدًا صغيرَا، كُنيتُه "رأس المال". مواطن العالَم

 العنوانُ لي والنص مستوحَى من كتاب "سياسة المتمرّد" للفيلسوف الفرنسي الفوضوي ميشال أونفري (Anarchiste libertaire).

ماذا يطلب هذا الإلاه في باب العِبادة والإجلال والطقوس والشعائر؟ إخلاصٌ وتفانٍ غير متناهٍ، تسليمٌ وطاعة دون حدودٍ. لقد حوّل شعوبًا وجماهيرَ ومجتمعاتٍ بأكملها إلى قطعانٍ بشرية مجبورة على بيع أجسادها مقابل لقمة العيش. فريقٌ كبيرٌ من هؤلاء الفقراء يتوهم أنه بالعمل سيدخل يومًا جنة رأس المال، فيعمل أكثر ليَصْلَى نار الفقرِ أكثر.
ربٌّ غير غفورٍ وغير رحيمٍ، لا يُهمِل ولا يُمهِل، يحاسِب في الدنيا ولا يعترف بالآخرة، نارُه واقعٌ وجنته وهمٌ، يَرَى  ولا يُرَى، منتشرٌ في البر والبحر، في الجبال والصحاري، في الشمال والجنوبِ، في الهند والصين، في دار الكفر ودار الإسلام، في الجوّ وباطن الأرض، في المخ والمعدة، في الماضي والحاضر والمستقبل، خيرُه انتقائي وشرُّهُ عامّ، يتفانَى في خدمته بإخلاصٍ لاإرادِي المؤمنون والملحدون واللاأدريون، يهود ومسيحيون، بهائيون وبوذيون، مسلمون سُنّة وشيعة، إسلاميون إخوانٌ ووهابيون، للعدلِ في الإسلام متنكّرون، ويساريون ليساريتهم خائنون وعن مقاومة الرأسمالية متخلون ولرأس المال "الوطني" مُمجّدون، كلهم انتهازيون وطمّاعون.
 رسالته تتلخص في استباحة أكل لحوم أغلبية البشر من قِبل قلةٍ قليلةٍ من البشر، قلةٍ خُلقت من نارٍ.  نارٌ تُضيء ولا تُنير، تأكل ولا تشبع، لا تُبقِي ولا تذرْ، لم يسلم من لهيبها، لا البشرْ ولا الحجرْ.
رسالته عالمية، لا تفرّق بين الشعوب والجنسيات والقوميات والأديان والأوطان وليس لها إنجيلٌ ولا قرآن. لها علومٌ وعلماء، جامعات وكليات، خبراء ومختصين، كلهم لـربهم الصغيرِ مخلصون ولرأس المال عابدون، ولربهم الكبير منافقون ولعقابِه متجاهلون، ولإخوانهم في الإنسانية أوهامًا يبيعون وسرابًا يزيّنون، يكذبون ولكذِبِهم مصدّقون، ومن فُتاةِ باعثهم يسترزقون، وفي البهتان لذكائهم موظفون، وبعلمهم المنحاز يحاولون أن يقنعونا أن الغنيَّ ناجحٌ والفقيرَ فاشلٌ، والاستغلالَ حلالٌ والعدلَ حرامٌ، والتقوَى وهمٌ والسكينةَ سرابٌ، والفقرَ مرضٌ والعملَ دواءٌ، وتكديسَ السلع الاستهلاكية نهضةٌ وتقدّمٌ، وتصنيعَ الأسلحة هو الحلُّ، وتلويثَ الأرضِ قضاءٌ وقدرٌ.  
معتنقوه يعبدوه في مكان لم يختاروه (ورشة، خندق، نفق، داموس، مكتب أو داخل سيارة)، في وقتٍ لم يبرمجوه (ليلا، نهارًا، صباحًا مساءً ويوم الأحد)، وقوفًا أو جلوسًا طيلة 40 ساعة في الأسبوع، متحركين كـالرُّوبُوات أو جامدين مُثَبَّتِين كحشرة على الفِلّين.

إمضائي
"وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك فدعها إلى فجر آخر" (جبران)

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الخميس 16 مارس 2017.

ملاحظة: المعذرة، لقد حافظتُ على الخطأ النحوي في العنوان نزولاً تحت أوامر الضرورة الموسيقية والبلاغية.
Haut du formulaire



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire