نزعتان إنسانيتان متناقضتان؟ جزء 3. ترجمة دون تعليق،
مواطن العالَم د. محمد كشكار
نص
المقال:
ظهرت
النزعة الإنسانية (L`humanisme) في الحضارة الغربية في وجهين متناقضين. كتبنا عن الوجه الأول
القبيح في الجزء الأول، وعن الوجه الجميل في الجزء 2 وفي هذا الجزء، الثالث، سنكتب
عن النزعة الإنسانية المجدِّدة و"الضرورات الإنسانية-الأخلاقية".
لسنا
في حاجة إلى نزعة إنسانية جديدة بل نحن نحتاج إلى نزعة إنسانية مجدِّدة منتعشة.
يبدو أن مفاهيم المنطق والديمقراطية والتقدم العلمي والتقني والاقتصادي والأخلاقي،
هي مفاهيم لا يمكن التفريق بينها. وُلِد هذا الاعتقاد-الوهم في الغرب ثم انتشر
وساد في العالم أجمع رغم التكذيب الفظيع المجسم في الأنظمة الشمولية (موسولوني،
هتلر، ستالين، ماو، إلخ) والحربين العالميتين الأولى والثانية في القرن XX .
في
سنة 1960، كان العالم الرأسمالي يعِد بمستقبل متناسق منسجم والعالم الشيوعي
بمستقبل مشرقٍ زاهٍ. "كذب المنجمون ولو صدقوا"، سقط الحُلمان في الماء
قبل نهاية القرن XX وعوضهما
الشك والقلق الوجودي لذلك يجب أن يكون الاعتقاد في التقدم موجه نحو مستقبل
الامكانات وليس نحو مستقبل الوعود (et
la foi en le progrès doit être non plus dans un futur de promesses, mais dans
un futur de possibilités).
وفي هذا الاتجاه تطرح النزعة الإنسانية المجدِّدة
على نفسها مواصلة أنسنة الحيوان (Hominisation) في أنسنة الإنسان (humanisation) وذلك بفرض "الضرورات
الإنسانية-الأخلاقية" لكي نصنع الإنسان، الإنسان العالمي أو مواطن العالَم.
أصبحت
الإنسانية اليوم مهددة بأخطار قاتلة مثل تفشي صنع الأسلحة النووية (إسرائيل وإيران
والهند وباكستان) وعولمة الحروب الأهلية (سوريا واليمن وليبيا) وانتشار التعصب الديني
أوالمذهبي (يهود ومسلمين أو سنّة وشيعة) والتدهور السريع للبيئة وأزمات اقتصاد
المضاربة المالية غير المراقب. قال الفيلسوف الألماني كارل جاسبار (Karl Jaspers) بُعَيْدَ الحرب
العالمية الثانية: "لو أرادت الإنسانية أن تواصل الحياة فعليها أن تتغير".
على
النزعة الإنسانية المجدِّدة أن تنهل من مصادر علوم الإنسان والأخلاق (sources
anthropologiques de l`éthique). هذه المصادر، المتوفرة في كل مجتمع بشري، تتمثل في التضامن
والمسؤولية. التضامن مع المجتمع يولّد المسؤولية والمسؤولية بدورها تتطلب التضامن.
لقد بدأ اليوم تجفيف جزئي لمنابع هذه المصادر في حضارتنا الغربية وذلك تحت ضربات
الفردانية وسيطرة الربح والبيروقراطية المعمّمة والمعولمة.
على
النزعة الإنسانية المجدِّدة أن تعيد الحياة لمبدأي التضامن والمسؤولية من أجل
مواصلة أنسنة الحيوان (Hominisation) في أنسنة الإنسان (humanisation)، أي من أجل كل تقدم بشري.
على
النزعة الإنسانية المجدِّدة أن تأخذ على عاتقها وبوعي الطموحَ الأكبرَ الذي
يشق كل تاريخ البشرية خصوصا أن المجتمعات تحاول قمع الأفراد والأفراد يحاولون
تفكيك المجتمعات: تطوير شخصية الفرد داخل المجتمع دون تفكيك المجتمع، أي تفتح زهرة "الأنا" داخل ازدهار شجرة
"نحن".
يُتبع
في الجزء 4..
المصدر:
Le Monde diplomatique (Supplément), n°739-62è année, octobre 2015, pages I, II et III. Article :
«Les deux humanismes» par Edgar Morin, Sociologue et philosophe
français
إمضائي المحيّن:
قال أنشتاين: "لا تُحَلّ المشاكل باستعمال نفس
أنماط التفكير التي أنتجتها".
قال جبران خليل جبران: "وعظتني نفسي فعلمتني أن
لا أطرب لمديح ولا أجزع لمذمّة".
قال مواطن العالَم د. محمد كشكار: "يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه
ويثقوا في خطابه أما أنا -اقتداء بالمنهج العلمي- أرجو من قرائي الشك في كل ما
أطرح من إشكاليات وأنتظر منهم النقد المفيد"، "لا أقصد فرض رأيي عليكم
بالأمثلة والبراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى"، "على كل مقال يصدر عَنِّي قد يبدو لكم ناقصا أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا
بالعنف اللفظي"، "عندما تنقد
إيديولوجية في حضور صديقك تُطلعه على جزء من فكرك. فإن كانت غير إيديولوجيته شجعك
وشكرك. وإن كانت إيديولوجيته تجاهلك واحتقرك"، "ألا ليتني كنت ذاتا لا
تنشر، ولا تكتب، فألَمُ التغريد خارج السرب أمرّ من ألَمِ الصمت"، "نفسي
مثقلة بالأحلام فهل بين القُرّاء مَن يشاركني حلما ويخفّف عني حملي؟"، "لا يوجد دينٌ
محصَّنٌ من الضلال الفردي ولا دينٌ ينفرد بالتقوى".
تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الأحد 25 أكتوبر 2015.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire