mardi 27 octobre 2015

اتق شرّ مَن أعليتَ شأنا لا يستحقه: شرّ البلية الأصدقاء وألطف الناس هم الأحباب! مواطن العالَم د. محمد كشكار

اتق شرّ مَن أعليتَ شأنا لا يستحقه: شرّ البلية الأصدقاء وألطف الناس هم الأحباب! مواطن العالَم د. محمد كشكار

مَن هم الأصدقاء؟ هم الناس الذين اكتسبتَ معرفتهم قبل الأربعين.
الزملاء ليسوا أصدقاء  لأن معرفتهم  فرضتها المهنة.
الجيران ليسوا أصدقاء  لأن معرفتهم  فرضتها الجيرة.
الأقارب ليسوا أصدقاء  لأن معرفتهم  فرضتها الوراثة.
الصديق بالنسبة لي هو الذي تجاوزتْ مدة صداقته الربع قرن دون انقطاع، هو الذي يعرف أسرارك وأدق دقائق حياتك الخاصة، هو الذي يبادلك العلاقات العائلية، هو الذي أسقط بينك وبينه -ويا ليته لم يفعل- جدار البروتوكولات والمجاملات، هو الذي عرفتَ في شبابك. هو الذي تستجدي احترامه ولا يجود به. هو الذي تعامله معاملة الند للند رغم الفوارق الموضوعية لكنه يعاملك معاملة الضد للضد.

مَن هم الأحباب؟ هم الناس الذين اكتسبت معرفتهم قبل أو بعد الأربعين.
قد يكونوا زملاء أو جيران أو أقارب أو جلساء مقهى دائمين أو معارف فيسبوكية تحولت إلى معارف حقيقية.
الحبيب هو الذي لم يهدم بينك وبينه جدار البروتوكولات والمجاملات، جدار ضروري لحفظ المقامات واحترام الذوات. هو الذي قد تكون عرفته في طفولتك أو في دراستك أو في تقاعدك. ليست لك معه علاقات عائلية والحمد لله. هو الذي يحترمك ويصرّ دوما على تجسير العلاقة المتبادلة بينكما بطيب الكلام. هو الذي لا يتجاسر عليك، وهو الذي يعرف حدوده الموضوعية ولا يتجاوزها. هو الذي يثمّن مجهوداتك ويعترف بمواهبك ولا يبخل عليك بالشكر والثناء إن كنت جديرا بهما. أحَبُّ الأحباب إليّ: صديقٌ فقدتُ صداقته إلى الأبد واسترجعته حبيبا إن شاء الله إلى الأبد، ما ألطف وده وكم يسعدني لقاؤه. أعزّ حبيب عندي: من فرط حبي له أتربّج به  وأناديه "البْلِيدْ"، عملتُ معه عاما واحدا بغار الدماء ودامت علاقتنا أربعون عاما وبحول الله لن تندثر. أقرب حبيب لي: يبدو لي أنني رفعت من شأنه عندما أدخلته جنة الأحباب وجنّبته الحشر في جهنم الأصدقاء، احترامٌ عسكريٌّ متبادَل بين جنرالين، طيلة نصف قرن لم يتجرأ عليّ يوما ولو مزحا، اقترنتْ مسيرته الدراسية بمسيرتي ولم أكن أفضل منه، سرّ ديمومة علاقتنا يكمن في الجدار العازل الرابط بيننا، جدارُ تقديرٍ من أسمنت مسلّح،  جدارٌ أثبت قدرته على الصمود، جدارٌ كذّب المقولة الشائعة "دوامُ الحال من المُحال". لطيفٌ خدومٌ، بشوشٌ ظريفٌ نادرٌ، حرتُ في تصنيفه بين الصديق والحبيب! مقبولٌ كريمٌ، حصانٌ جامحٌ لم أنجح للأسف في ترويضه رغم المحاولات المتكررة وأخشى فقدانه إلى الأبد لكن الكرامة تأتي قبل الصداقة ولو خُيّرت بين الاثنتين لاخترتُ الأولى دون ندمٍ ولا ترددٍ! جليسٌ أنيسٌ، رفيقٌ ليس ككل الرفاق، تنافرٌ في الطباع تجانسٌ  في الأفكار، ينساب النقاش الفكري معه دون حكم مسبق أو تصنيف إقصائي، الوحيد الفريد بين الأصدقاء الذين تحولوا تدريجيا وبسلاسة -رغم العوائق- إلى أحباب، نجحنا مع بعضنا في تجاوز أفكار الشباب الثورية-الوهمية وتخلصنا من عقدة الانتماء الماركسي وتوصّلنا إلى هدم التابوهات بكل أنواعها، تحلو معه وفيه "الڤرضة". تعريف مصطلح "الڤرضة" بالاتفاق بيننا: هي النميمة المسلّية السائغة العذبة الدمثة الفنية الأدبية الرقيقة، البعيدة عن العنف والكره والخبث والحسد والوشاية. أما باقي الأحباب فكلامهم على قلبي كالعسل، إن خاطبوني فـباحترام وخجل، أحباب يشبهون النسمة في طراوتها، وإن حادثتهم يُشعِرُونك بأنك عبقريُّ زمانه، يمرّون فلا يتركون وراءهم إلا مسكا وعنبرا، أنا متأكد أن لي مساحة معتبرة في أنسجة قشرتهم المخية (cortex cérébral ou substance grise).

خلاصة القول:
لم يبق لي اليومَ أصدقاء والحمد لله الذي لا يُحمدُ على مكرُمة سواه.
جل أصدقائي رَقّيتُهم إلى أحباب، والباقي في الطريق والطريقُ مع العُمرِ يضيقْ.
أنصح الشباب بالتوقي باكرا من شرّ الصداقة قبل وقوعه، شرّ لا يظهَر أثره إلا في بداية الشيخوخة، عدوٌّ في ثوب صديق، مرضٌ كـداءِ السكري، خبيثٌ غدّار والعياذ بالله، يلازمك في شبابك كظلك، تَخَالُه ماءً وهو سرابٌ، تخاله عكازا احتياطيا متينا، تحتاجه في الكِبر لكي تتكئ عليه، فتكتشف مؤخرا أنه أشبه بعكاز سليمان، أكلته دودة الأرض في غفلة منك.
يتساوى في الضرر سمّ الصديق وسم العقرب لأننا لم نحضِّر لكليهما أجساما مضادة لذلك أنصح الشباب بالتلقيح ضد الاثنين.
آه لو ذقتم مثلي علقم التجاهل من أيادي الأصدقاء لَكفرتم بالصداقة مثلي ولعنتم كل الأصدقاء.
ما أجمل الأحباب قلوبهم رُمّان، وما أقسى الأصدقاء قلوبهم صَوّان! أتمنى أن ينقلب كل الأصدقاء إلى أحباب ويتحول كل الصوان إلى رمان!

لا تَسقِني  بِذِلَّةٍ صداقة الأصحاب ... بَل فَاِسقِني بِالعِزِّ مودةِ الأحباب.

إمضائي المحيّن:
قال جان بول سارتر: "يجب أن لا نشعر بالخجل عندما نطلب القمر".
قال أنشتاين: "لا تُحَلّ المشاكل باستعمال نفس أنماط التفكير التي أنتجتها".
قال جبران خليل جبران: "وعظتني نفسي فعلمتني أن لا أطرب لمديح ولا أجزع لمذمّة".
قال مواطن العالَم د. محمد كشكار: "يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه ويثقوا في خطابه أما أنا -اقتداء بالمنهج العلمي- أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات وأنتظر منهم النقد المفيد"، "لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة والبراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى"، "على كل مقال يصدر عَنِّي قد يبدو لكم ناقصا أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي"، "عندما تنقد إيديولوجية في حضور صديقك تُطلعه على جزء من فكرك. فإن كانت غير إيديولوجيته شجعك وشكرك. وإن كانت إيديولوجيته تجاهلك واحتقرك"، "ألا ليتني كنت ذاتا لا تنشر، ولا تكتب، فألَمُ التغريد خارج السرب أمرّ من ألَمِ الصمت"، "نفسي مثقلة بالأحلام فهل بين القُرّاء مَن يشاركني حلما ويخفّف عني حملي؟"، "لا يوجد دينٌ محصَّنٌ من الضلال الفردي ولا دينٌ ينفرد بالتقوى".

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الأربعاء 28 أكتوبر 2015.



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire