mercredi 26 juin 2013

لماذا يصرّ المنحازون لنظرية المؤامرة على إهمال العامل العربي الداخلي المتسبب في الاستعمار المباشر و غير المباشر؟ مواطن العالَم د. محمد كشكار

لماذا يصرّ المنحازون لنظرية المؤامرة على إهمال العامل العربي الداخلي المتسبب في الاستعمار المباشر و غير المباشر؟ مواطن العالَم د. محمد كشكار

مقدمة مضافة يوم 21 أفريل 2011 :
ردّا على بعض القراء الذين اتهمونني ظلما بالانحياز الكامل لنظرية المؤامرة لتفسير "الثورات" العربية الحالية، أعيد نشر هذا المقال اليوم 21 أفريل 2011 بعد أن سبق و نشرته مرتين في الفيسبوك، الأولى في 18 جوان  2010 و الثانية في 21 مارس  2011، لِما يحمله حسب وجهة نظري الذاتية و المحدودة جدا من أفكار استشرافية، يبدو أن "الثورات" العربية الحالية قد أثبتت صحّتها.

من مصلحة الرأسمالية الغربية المتوحشة أن تتآمر علينا و تحاول إجهاض ثوراتنا، و الشيء من مأتاه لا يُستغربُ،  لكن ليس من مصلحتنا أن يتحالف معها حكامنا و يتواطأ الاثنان على إفساد حاضرنا و طمس مستقبلنا. للدول الأخرى عدو واحد و هو الاستعمار أما نحن العرب فلنا عدوين شرسين، واحد أجنبي واضح و الآخر عربي متخفي يسكن بيننا، ندعو له في المساجد كل جمعة و "نسبّح باسمه" ليلا نهارا و نمجّده صباحا مساء و يوم الأحد كما كان بعضنا يفعل في العهد القريب. لكن و الحمد لله انتصرت إرادة الشعب على إرادة أعدائه الأجانب و المحلين و استجاب له القدر و أصبح نظام "بن علي" مساء 14 جانفي نظاما بائدا.

يبدو لي أن أسباب تخلفنا متأتية مائة بالمائة من الخارج و مائة بالمائة من الداخل. هذا ليس لغزا بل تعبيرا علميا، أخذته من عالم الوراثة الفرنسي "ألبير جاكار". تداخلت أسباب تخلفنا و تشابكت و تعقدت إلى درجة يصعب الفصل بينها أو تقسيمها إلى نسب مئوية متساوية أو متفاوتة.

المقال هو بمثابة تدخل في نادي "جدل" للكتاب يوم 26 جوان 2009 بمقر الإتحاد الجهوي للشغل ببن عروس, تونس.

وقع الجدل حول كتاب الهادي التيمومي "مفهوم الإمبريالية من عصر الاستعمار العسكري إلى العولمة" طبعة ثانية لدار محمد علي  2004   و يحتوي على 239 صفحة.

أطلب من الحضور رحابة الصدر و لا أقصد من وراء ما سأقوله الإساءة إلى أحد مهما كانت إيديولوجيته. يبدو لي أن نقد الزعماء الديكتاتوريين العرب و غير العرب، لا يمثل حقا فحسب بل نراه واجبا، يُفترض فيه أن لا يفسد للود قضية بيني و بين المشاركين في هذه الندوة الفكرية، خاصة و أنا في قطيعة إبستومولوجية معهم منذ زمان، قطيعة تفصل بيني و بين حكام الماضي و الحاضر و المستقبل من عرب و عجم. أنا لا أعترف بفقهاء السلطة, أيّ سلطة مهما كانت إيديولوجيتها لأنه كما قال سارتر "كل الإيديولوجيات تسمح بالحرية المطلقة في بداية تشكّلها ثم تصبح قمعا و إرهابا عندما تكتمل و تنغلق على نفسها".

Les idéologies sont liberté quand elles se font, oppression quand elles sont faites

في تدخلي هذا سوف أركّز منهجيا على نقد الإيديولوجيات العربية التي مهّدت لتغلغل الإمبريالية و ما زالت ترعاها و تعيد إنتاجها حتى اليوم. هذا لا يعني أنني أهمل العامل الخارجي المتمثل في الغرب مؤسس الإمبريالية  لأنه كلما دار الكلام عن المتاعب التي يواجهها الشعب العربي اليوم, ألقيت المسؤولية على عاتق الإمبرياليين و الصهاينة الأجانب فقط. و الحال أن التجربة التاريخية قد أثبتت أن المسؤولية إنما تقع بالأحرى على ثقافتنا العربية الموروثة حضاريا و المكتسبة المتراكمة منذ سنين. فلولا أن بعض الثقافة العربية الرجعية خلقت أمة من العرب المهزومين من الداخل و الاستسلاميين قبل الحرب, لَمَا أفلح الإمبرياليون و الصهاينة الأجانب في وطء الأرض العربية. فبعض الثقافة العربية أتاح لحكامنا أن يتحولوا إلى طغاة, وخلق في الوقت نفسه ذهنية العبيد التي رسخت في "لا وعي" المواطن العربي.

في صفحة 96 من هذا الكتاب، يقول الكاتب أن روزا لوكسمبورغ تنبأت في أوائل القرن الماضي بعدم إمكانية قيام "حروب قومية" ضد الإمبريالية الغربية و خالفها لينين بقوله أن هذه الحروب ليست محتملة فقط بل "حتمية  و تقدمية ثورية.

 يبدو لي من وجهة نظري الذاتية المتواضعة و المحدودة جدا أن التاريخ العربي الحديث كذّب النبوءتين: صحيح، لقد قامت الحروب القومية العربية و العالمية ضد الاستعمار الغربي لكنها لم تكن لا تقدمية و لا ثورية.

يبدو لي أن سلبيات الإمبريالية الغربية كبيرة و واضحة للعيان و آثارها مدمّرة, خاصة في عالمنا العربي لكن عوض أن نقاومها بمشروع تقدمي، فعلنا العكس و قمنا باستنساخها على شكل نماذج امبريالية محلية عربية مصغرة.

صحيح, لقد قمنا بحروب قومية ضد الإمبريالية و لكن جل حروبنا كانت رجعية بالمعنى الحرفي للكلمة و على سبيل الذكر لا الحصر، سوف أورد بعض الأمثلة:

-         المثال الأول يتمثل في حرب التحرير الجزائرية, صحيح حرّرت الأرض لكن في المقابل، يبدو لي أن نظام جبهة التحرير بعد الاستقلال  قد استعبد المواطن الجزائري و حاول التوسّع على حساب الصحراء الغربية و قام بحرب ضد المغرب الجار الشقيق و بعد ثلاثين سنة من الاستقلال تسبب هذا النظام في حرب أهلية مع الإسلاميين، حرب حصدت  حوالي  200 ألف جزائري و تسببت في اغتصاب ما يقارب 40 ألف جزائرية.

-         المثال الثاني يتمثل في ثورة 23 يوليو المصرية التي أخرجت المستعمر الأنجليزي نهائيا و تدخلت بجيشها في اليمن ضد دولة عربية أخرى و هُزمت في 67 أمام إسرائيل شر هزيمة و ليست نكسة كما يرددون للتخفيف من هول الكارثة.

-         و الأمثلة العربية الأخرى عديدة: احتلت سوريا لبنان و جولانها محتل من قبل إسرائيل منذ  1967 و لواء الإسكندرون محتل من قبل تركيا منذ 1930. حاربت العراق إيران و احتلت الكويت و سقطت بغداد دون مقاومة. حاولت ليبيا احتلال التشاد و فتحت خزائنها و مخابرها النووية للأمريكان. احتل الأردن الضفة الغربية الفلسطينية و خرج منها ذليلا خوفا من إسرائيل و ليس إيمانا منه بحرية تقرير المصير للفلسطينيين.

أليست كل هذه الأنظمة العربية نماذج امبريالية مصغرة قتلت ما في وسعها أن تقتل من مواطنيها العرب  و استعمرت ما في قدرتها أن تستعمر من أراضي جيرانها العرب و غير العرب. من حسن حظنا أن هذه الإمبرياليات العربية متخلفة تكنولوجيا و لم تملك النووي و إلا لكنا انقرضنا كعنصر عربي منذ زمان.

في صفحة  92 يقول الكاتب أن الهيمنة الثقافية أخطر أحيانا من الهيمنة الاقتصادية و السياسية و هذا واضح في تاريخنا العربي الحديث فلم نكد نتخلص من الهيمنة الثقافية اليسارية الاشتراكية اللينينية أو الستالينية أو الماوية المبنية على ديكتاتورية الحزب الواحد و الزعيم الأوحد و الهيمنة القومية باسم الزعيم المعصوم و المُلهم،  حتى انبثقت من تراثنا العربي الإسلامي هيمنة دينية متطرفة تدعى "الصحوة الإسلامية" و أقصد الصحوة الرجعية الوهابية السلفية الشكل و الصحوة الشيعية، فعوضت الحزب الواحد الشيوعي و حزب الزعيم القومي بحزب الله فمن يا ترى سيعارض حزبا نسبوه دون وجه حق إلى الله؟ هذه الصحوة الرجعية هي عبارة عن امبريالية اقتصادية خليجية و إيرانية و هيمنة فكرية لإيديولوجية فقهاء السلطة السنيين و الشيعيين.

استطاعت هذه الصحوة الرجعية أن تدمّر في عدة سنوات ما لم تقدر الإمبريالية الفرنسية على تدميره خلال 130 عاما في الجزائر, ألا و هو وحدة الشعب الجزائري. بدأت هذه الإيديولوجية الإمبريالية بتنفيذ مشروعها الإمبريالي بحرب أهلية في السودان ثم الجزائر و العراق و القادم أفظع.

في صفحة 165 يقول الكاتب: "لو وجّهنا العولمة الوِجهة التي تخدم مصالح أغلبية البشر لا مصلحة حفنة من المحظوظين". من المفارقات أن بعض المثقفين العرب لا ينحازون لأغلبية الشعب بل يعشقون و يمجدون و يؤلهون جلاّدي الشعب، و إلا فكيف نفسر عبادة زعماء امبرياليين فاشلين في الحرب و التنمية لا بل و نسمّي أحزابا باسمهم و نقدّسهم، و يسعى فريق آخر منا - في عصر حرية المعتقد و المساواة - إلى إحياء الوجه المظلم من الإمبراطورية العربية الإسلامية القديمة و الدعوي العلنية إلى أن تولد و تسيطر من جديد و تأخذ دورها في الظلم و الديكتاتورية جنب زميلاتها الأمريكية و الأوروبية و الروسية و الصينية و في الوقت نفسه نهمل الجانب المضيء في حضارتنا العربية الإسلامية المملوء حرية و اجتهادا في القرن الثالث و الرابع هجري و المتمثل في النهضة العلمانية و العلمية و الأدبية و من رموزها المعتزلة و الجاحظ و مسكويه و التوحيدي و ابن رشد و ابن سينا و الفارابي و غيرهم

أنا أؤمن أنه يحق لكل مثقفي العالم نقد الإمبريالية الغربية و أجحد هذا الحق على بعض المثقفين العرب و السبب بسيط جدا لأن هؤلاء الأخيرين  ينقدون الشيء و يدعون لمثله، "قتلتنا الردة، كل واحد منا يحمل في الداخل ضده" كما قال الشاعر العراقي العظيم مظفر النواب. اتهامي هذا لا يستثني أحدا من أطياف المثقفين العرب, بعض اليساريين و كل القوميين و بعض الإسلاميين أو المحافظين اليمينيين العرب الجدد. بصراحة و حيرة بالغة، لا أفهم موقف المثقف العربي الذي ينقد الإمبريالية الغربية و في نفس الوقت يعشق زعماء امبرياليين، سلبياتهم في الحكم أكثر من إيجابياتهم، من أمثال لينين و ماو و ستالين و عبد الناصر و صدام و القذافي و الأسد (الأب و الابن) و يزيد و الحجاج.  و أسأل هؤلاء المثقفين: هل يجوز للشيطان معارضة الله و لعمر معارضة الرسول و لروزا معارضة لينين و للمثقف الإسكندنافي معارضة  أقرب الأنظمة للديمقراطية و يستكثرون على المثقف العربي نقد بعض زعمائنا و بعض فقهائنا و تفنيد فكرهم الرجعي؟

حسب وجهة نظري الذاتية المتواضعة و المحدودة جدا التي تمثل أقلية الأقليات عند المثقفين العرب: يبدو لي أننا لن نكون قادرين على مواجهة الإمبريالية الغربية و الهيمنة الفكرية الرجعية العربية (باسم الاشتراكية تارة و باسم القومية و بعض تأويلات الإسلام تارة أخرى) إلا عندما  نبدأ بنقد أنفسنا و تراثنا و حكامنا و رموزنا و فقهائنا و نعيد النظر في كل ما استوردناه من إيديولوجيات ليبرالية و قومية غربية أو اشتراكية و حقوقية إنسانية منبتّه و مغتربة.

يبدو لي بكل تواضع أن المهمة العاجلة المُلقاة على المثقفين العرب الديمقراطيين التقدميين، تتمثل في توظيف العلوم الحديثة لنقد تراثنا بواسطة غربال العلوم الحديثة، و ليس بغربال الإيديولوجيات المحنطة، حتى نحرر أنفسنا من نزعة الهيمنة و التعصب و الرأي الواحد و الزعيم المعصوم.

في صفحة 165 يقول المؤلف أن "للعولمة إيجابيات لا ينكرها أحد - مثل تكنولوجيا المعلومات و ثورة الاتصالات - و يحضرني هنا المثال الإيراني القريب و ما فعلته الأنترنات في نشر المعلومات عن المظاهرات و صور قمع المعارضين من قبل اللجان الشعبية التي تسمى "الباسيج"، و ما فعله مستعملي الفيسبوك كأنصار البرادعي و شباب حركة 6 أفريل في القاهرة و ما نشرته الأنترنات حول فضيحة الاعتداء الهمجي الذي قام  به  جيش الهجوم الإسرائيلي الإرهابي على غزة.

خلاصة القول:
يبدو لي بكل تواضع و يكل نسبية أنه علينا أن نحاول استغلال ما توفره العولمة من ايجابيات للخروج من إيديولوجيا الانحياز و الشوفينية مهما كان الداعون إليها يساريون أو قوميون أو  إسلاميون و الدخول في نموذج العلمانية الجديدة التي تعترف بالبعد الديني لكن تحيّده حتى تفسح المجال لكل الطاقات المبدعة في الوطن العربي و أقصد الطاقات الإسلامية التقدمية و الطاقات اليسارية غير المتطرفة و الطاقات الليبرالية التي تؤمن بالعدالة الاجتماعية.

شكرا على عدم المقاطعة و الاستماع للرأي المخالف حتى لو كان بعيدا عن الصواب كما يتراءى للبعض و أعتذر من المشاركين في هذه الندوة الثقافية ممن قد أكون جرحت مشاعرهم أو أسأت إليهم دون قصد مني و السلام على من اتبع الهدى، هدى الشرائع السماوية و الأرضية.
       
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى و على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف اللفظي أو المادي.



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire