النقد مستقل و هدّام بطبعه أو لا يكون ! مواطن العالم
د. محمد كشكار
تعريف مختصر لمفهوم النقد و دور الناقد المستقل: النقد
مستقل بذاته و هدّام بطبعه أو لا يكون. لا وجود لنقد بنّاء لأن البناء مهمة معقدة
لا تدخل في اختصاص الناقد. عندما أنقد الديكتاتورية، طبعا أريد هدمها و من
أخلاقيات مهنة النقد أن لا نطالب الناقد وحده بتقديم بديل للديكتاتورية لأن الناقد
بمفرده عاجز عن تقديمه. تقديم البديل هو البناء. الهدم مهمة سهلة و ضرورية تسبق
البناء يقوم بها فرد أما البناء فهو أصعب من الهدم لذلك يتطلب مجهودا تفاعليا
جماعيا قد ينبثق منه البديل الديمقراطي
أعطي مثالا يوضح ما أقول
يقتصر دور
الناقد العالم الإبستومولوجي على نقد مسار العالم البيولوجي، مثلا. البيولوجي يبدع
و الإبستومولوجي لا يشارك مباشرة في عملية الإبداع بل ينبه البيولوجي لأخطائه دون إعطاء
بديل لأنه ببساطة لا يملكه و ليس من اختصاصه البتة. يستفيد البيولوجي من نقد
الإبستومولوجي و هكذا يصحح البيولوجي نفسه بنفسه و يتطور العلم. العالِم الإبستومولوجي يحاول نقد
نظرية العالِم البيولوجي فيعيد هذا الأخير بناءها من جديد دون مشاركة مباشرة من
الإبستومولوجي. إذن نستخلص من هذا المثال أن دور الناقد الإبستومولوجي هو دور
هدّام مباشر و في الوقت نفسه دور بنّاء غير مباشر لأن عملية البناء لا تتم على
يديه بل تتم بمساعدته بصفة غير مباشرة. يبدو أن النقد ضروري للبناء فيصبح للهدم
هنا دور إيجابي و ليس سلبي لأن العالم الإبستومولوجي لا يشارك مباشرة في عملية البناء
بل يمهد لها لتتم عن طريق العالم البيولوجي
يبدو لي أنه على المثقف الناقد أن يكتفي بتقديم النقد
و لا يعطي حلولا و بدائل جاهزة و يبدو لي أيضا أن هذا التحديد المنهجي لمهمته
العلمية لا ينتقص من نبل هذه المهمة شيئا و لا ينال مقدار ذرّة من أهمية الدور غير
المباشر للناقد في عملية البناء. أنا أناضل من أجل انقراض صنف من المثقفين،
المثقفون الذين يفكرون للآخرين، ليحل محلهم في المستقبل القريب المواطن الذي يفكر
بنفسه و مع غيره، لنفسه و لغيره، عند ذلك سوف نجد الحل المناسب للجميع في الوقت
المناسب للجميع
كلمة "هدم" في اللغة العربية تحتمل في
الغالب معنى سلبيا عند الناس و اللغة ليست مسؤولة عن هذا التصنيف "الألسني"
عندهم. أما أنا فأستعمل هذا المفهوم في هذا المقال بالمعنى الإيجابي للكلمة. الهدم
و البناء مفهومان متلازمان و متكاملان و لا يحدث الثاني إلا بوقوع الأول فكلاهما
إيجابي إذن
أما أنا فـمهمتي تقتصر على الأعمال التالية:
أنقد حزب التجمع و المكتب التنفيذي للاتحاد العام
التونسي للشغل و صندوق 26-26 و "الكاباس" و التمديد و التوريث و
الانتداب حسب الانتماء للتجمع و الولاء للسلطة القائمة
أنقد الرشوة و المحسوبية و الجهوية و الكيل بمكيالين
أنقد الاحتراف في الرياضة و الغناء و السياسة
أنقد الاحتكار و الزيادة في الأسعار و القروض الأجنبية
المشروطة و المتاجرة بالدين أو بحقوق الكادحين، عمالا و فلاحين من قبل السياسيين
المحترفين
أريد هدم كل هذه المؤسسات و تغيير كل هذه السلوكات
المذكورة أعلاه
أريد بناء مؤسسات ديمقراطية و شفافة مكانها بمعية
الشعب التونسي
أريد و أسعى لتغيير المفاهيم غير العلمية السائدة في
مجتمعنا التونسي
و الله و الشعب وليّا التوفيق
إمضائي
يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه و
يثقوا في خطابه أما أنا - اقتداء بالمنهج العلمي - أرجو من قرائي الشك في كل ما
أطرح من إشكاليات و أنتظر منهم النقد المفيد
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم
بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى و على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا
بالعنف اللفظي أو المادي
التاريخ
حمام الشط في 15 أوت 2011
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire