مَن هم الأيتام في مأدبة
اللئام؟ مواطن العالَم د. محمد كشكار
الأيتام هم المؤمنون
بالديمقراطية دون طمع، إلا في نمو تونس و تقدمها.
الأيتام هم التونسيون الذين
لا يأتمرون بأوامر الخارج، غربا أو شرقا.
الأيتام هم المهمَّشون غير
المنتمين حزبيا و لا إيديولوجيا و لا مذهبيا و لا طائفيا و لا جهويا.
الأيتام هم الحالمون دوما بغد
أفضل لتونس و لتونسيين.
الأيتام هم الشجعان الذين
قاموا بالثورة التونسية من 17 ديسمبر 2010 إلى 14 جانفي 2011، و قبل و بعد هذا
التاريخ.
الأيتام هم الذين سُرقت من
بين أيديهم ثورتهم، لا بسبب غبائهم بل بسبب نبذهم للعنف و الإقصاء.
الأيتام هم المغيَّبون قصدا
في المنابر الإعلامية على الفضائيات التونسية قبل و بعد الثورة.
الأيتام هم الذين لم ينساقوا
وراء هواجس وهمية مثل الخوف على الإسلام في مجتمع تونسي مسلم منذ خمسة عشر قرنا و هم
مَن اقتدوا بالرسول الكريم، محمد صلى الله عليه و سلّم، عندما دعا إلى
العدل و المساواة بين الناس بـ"التي هي أحسن" و هو وحيد و أعزل إلا من
إيمانه بعظمة الإنسان جنب عظمة الله.
الأيتام هم الذين لم يدعوا
العصمة لأنفسهم و لا لإيديولوجياتهم و أفكارهم و آرائهم، فحتى الرسول
- محمد صلى الله عليه و سلم - لم يدّعيها لنفسه أو لأصحابه.
الأيتام هم الذين لم يستبيحوا
دماء المسلمين مثل دم شكري بلعيد و دم لطفي نڤض و دماء ما يقارب المائة ألف من
إخوانهم العرب المسيحيين و المسلمين السوريين، شيعة و سنة و علويين نصيريين و دروز
و أكراد و ملحدين و لا أدريين و بهائيين.
الأيتام هم الذين يرددون دوما
و يعملون بحديث الرسول الكريم، محمد
صلى الله عليه و سلّم:
"قطرة دم مسلم أغلى من الكعبة الشريفة"، أما المتطرفون الإسلامويون المتاجرون
بالدين لخدمة أغراض إقليمية دنيوية رخيصة
و دنيئة، فهم ينافسون العدو الأمريكي و الإسرائيلي في إراقة دماء
إخوانهم المسلمين و غير المسلمين في تونس و ليبيا و مصر و سوريا و العراق و
الباكستان و أفغانستان و السودان و الصومال و
فلسطين و اليمن و الشيشان و كشمير و مادريد و لندرة و نيويورك.
الأيتام هم الذين يرددون وراء
جان بول سارتر، فيلسوف الحرية و مناصر سابق لجبهة التحرير الجزائرية ضد
الاستعمار الاستيطاني الفرنسي: "الإيديولوجيات، حرية عند تشكُّلِها و ظلم و
جور و اضطهاد و طغيان عند اكتمالها".
الأيتام
هم الذين يرددون وراء محمد إقبال، شاعر و فيلسوف الإسلام بلا منازع، عندما
قال قولته العميقة: «إن النبوة لتبلغ كمالها الأخير في إدراك الحاجة إلى إلغاء
النبوة نفسها»، و محمد بن عبد الله هو خاتم الأنبياء و لا نبي بعده فليتحمل
الإنسان مسؤوليته على أفعاله، شرا كانت أم خيرا. و قد صدق الصديق،
رضي الله عنه، عندما صاح في الناس صيحته الشهيرة و المدوية بعد وفاة الرسول و لا
زال صداها لم ينقطع و لم يمّح طيلة خمسة عشر قرنا: "من كان يعبد محمد فإن
محمد قد مات ومن كان يعبد الله فان الله حي لا يموت".
الأيتام هم الذين يرددون شعر أولاد
أحمد: "أحب البلاد كما لا يحب البلاد أحد، صباحًا مساءً و قبل المساء و
بعد المساء و يوم الأحد".
الأيتام هم الذين يعتقدون كما يعتقد ڤاستون باشلار،
الفيلسوف الفرنسي و ناقد المعرفة بلا منافس، بـأن "الحقيقة هي خطأ مصحَّح باستمرار".
الأيتام
هم الذين يرددون شعر و حِكَمَ جمال
الدين الأفغاني، مؤسس
النهضة الإسلامية: "ملعون
في دين الرحمن... من يسجن شعباً.. من يخنق فكراً.. من يرفع سوطاً.. من يُسكت
رأياً.. من يبني سجناً.. من يرفع رايات الطغيان.. ملعون في كل الأديان.. من يُهدر
حق الإنسان.. حتى لو صلّى أو زكّى وعاش العُمرَ مع القرآن".
الأيتام
هم الذين يؤمنون مثل كارل
ماركس، فيلسوف العدالة الاجتماعية-الاقتصادية،
بـأن "الدين زفرةُ الإنسان المسحوق، روحُ عالَمٍ لا قلبَ له، كما أنّه روحُ
الظروف الاجتماعيّة التي طُرد منها الروح".
الأيتام هم الذين يعشقون قولة موهانداس كرمشاند غاندي، نبي مَن لا نبي له و نابذ العنف و مبتدع المقاومة
السلمية و بطلها و شهيدها الأشهر: "أنا مستعد
للموت من أجل عديد القضايا، لكنني في الوقت نفسه لست مستعدا للقتل من أجل أي قضية".
الأيتام هم الذين يقدّرون قولة حسن البنّا (دون
تبني فكره جملة و تفصيلا)، الداعية الإسلامي المصري و مؤسس حركة الإخوان المسلمين:
"إن الناس قد بنوا لهم أكواخاً بالية من عقائدهم
.. فلا تهدموا عليهم أكواخهم فيتنكرون للحق ولكن ابنوا لهم قصراً من العقيدة
السمحة... فيهدمون أكواخهم بأيديهم ويدخلون القصر". أترجم قولته بلغة علوم التربية الحديثة: "أنا أعمل
جاهدا من أجل الحث على التغيير الذاتي للتصورات غير العلمية (المفاهيم العامة غير
الدقيقة أو السحرية و الغيبية أو العقائد الأسطورية و الخرافية الشائعة)، و أسعى
إلى تفكيكها من
الداخل و تسليط الضوء على كل جوانبها و زواياها و تشريحها و تشخيص نقاط ضعفها و
مرافقة حامليها إبستمولوجيا و بيداغوجيا عند التركيب لكي يعيدوا البناء الذاتي
المعرفي لتصورات علمية جديدة مكانها".
الأيتام هم الذين يرددون صرخة محمود
درويش، شاعر الإنسانية
و المقاومة الفلسطينية: "احتمَي أبوك بالنصوص
فدخل اللصوص".
الأيتام هم الذين يطبقون قولة
عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: "كونوا
دعاة إلى الله و أنتم صامتون. قيل: كيف ذلك يا فاروق؟ قال: بأخلاقكم". و لم
يقل بفتاويكم أو قميصكم أو جلبابكم أو نِقابكم أو حجابكم أو ختانكم للبنات أو
إرضاعكم للكبير أو شربكم لبول البعير.
الأيتام
هم الذين يؤمنون كما يؤمن عبد الله العروي،
الفيلسوف و المؤرّخ المغربي اليساري المتصالح مع بيئته المغربية الأمازيغية
الإسلامية العربية، بأن "لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرر
أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن
يخضع لقانونه".
الأيتام هم الذين لا
ينظرون - كما نصحهم عمر بن الخطاب، رضي الله عنه - إلى صيام أحد و لا صلاته
و لكن ينظرون إلى صدق حديثه إذا حدّث و إلى أمانته إذا أؤتمن.
الأيتام هم الذين يرون مثل ما
يرى أبو يعرب المرزوقي،
فيلسوف "النهضة" المستقل، أن "للشريعة في الواقع وجهان: وجه تربوي
و وجه ردعي. فلو طوّرنا الوجه الأول فقد نستغني عن الوجه الثاني".
الأيتام هم الذين يعملون
بصمت، يفلحون الأرض و ينشرون العلم و المعرفة و يعالجون المرضى و يكنسون الطرقات و
يحترمون قانون الطرقات و لا يفرضون الأولوية.
الأيتام
هم الذين لا ينتظرون أن تصل النار إلى باب بيتهم
لكي يتحركوا لإطفاء الحريق.
الإمضاء
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم
بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى و على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا
بالعنف المادي أو اللفظي أو الرمزي.
تاريخ أول نشر على النت: حمام
الشط في 8 فيفري 2013.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire