lundi 30 janvier 2023

في تونس، توجد اليوم فئتان متصارعتان بِـصمتٍ، فمِن أي فئة أنت وفي أي موكب تسير ؟ مواطن العالَم

 

 

ملاحظة

للأمانة العلمية، أسلوبُ المقال أسفله أسلوبٌ مستوحَى من طُرفة بعنوان "العهد الجديد"، ص 86 من كتاب "البدائع والطرائف"، جبران خليل جبران، دار المعارف، سوسة\تونس، الطبعة الثانية، 1997، 148 صفحة.

 

في تونس توجد اليوم فئتان متصارعتان بِـصمتٍ: فئة صادقة وفئة غشاشة. أما الفئة الغشاشة فحتما لن تبنيَ لنا غدًا أفضلَ. وأما الفئة الصادقة ورغم نُدرتها فلن يبنيَ تونس غيرها وهي مطالَبة بتوسيع دائرة صِدقها ولو بالتضحية ببعض نفسِها ونفيسها.

 

تعال وأخبرني ما أنت ومَن أنت ومِن أي فئة أنت وفي أي موكب تسير ؟

1.     أأنت نقابي يريد أن ينتفع لوحده من النشاط النقابي ؟

أم أنت نقابي يريد أن ينفع منظوريه وينتفع هو أوتوماتيكيا من النشاط النقابي ؟

إن كنت من الفئة الأولى (نقابي أناني) فأنت انتهازيٌّ.. أنت نبتة طفيلية وجب اقتلاعها قبل أن تتفرع جذورها لأنك كلما ارتقيت نقابيا أكثر كلما أصبحت قدرتك على إدارة النفاق أكبر، أنت منافق بالقوة 

(sens philosophique : hypocrite en puissance)، 

منافق لم يرث النفاق في جيناته بل اكتسبه في حياته.

وإن كنت من الفئة الثانية (نقابي نزيه) فأنت بذرة طيبة وجب على العمال رعايتها دون شطط حتى لا تعلو كثيرا فيستحيل عليهم قطف ثمارها، ولو كنت أمينا صادقا فثق أنك لن تتجاوز حتما عضوية نقابة أساسية أو رئاستها.

للأسف الشديد فإن الفئة الأولى سائدةٌ في مجتمعنا التونسي أما الثانية فمهمّشةٌ !

 

2.     أأنت مُصلٍّ يتردد على الجامع خمس مرات في اليوم وخارج الجامع تاجر يحتكر الضروريات ليبيع بعشرة دنانير ما ابتاعه بدينار.. مدرّسٌ يعطي دروسا خصوصية أسبوعية لخمسين أو مائة تلميذ من تلامذته وغير تلامذته، خارج المؤسسة التربوية العمومية أو الخاصة، في ظروف غير صحية وغير بيداغوجية ويمتص عرق أوليائهم باسم العلم.. موظفٌ متقاعسٌ.. حِرَفيٌّ غشاشٌ.. طبيبٌ تاجرٌ.. قاضٍ مرتشٍ.. محامٍ متحيّلٍ ؟

أم أنت مُصلٍّ تقيٌّ يخاف ربه داخل الجامع وخارجه.. تاجرٌ يُسهِّل التبادل بين المنتِج والمستهلِك..  مدرّسٌ يقوم بواجبه على أحسن وجه داخل المؤسسة التربوية العمومية أو الخاصة وإن أعطي دروسا خصوصية فبمقابل مادي معقول ولِعدد قليل من غير تلامذته.. موظفٌ صاحب رسالة وضمير نقي حي.. حِرَفيٌّ كفءٌ أمينٌ.. طبيبٌ مؤمنٌ برسالته الإنسانية.. قاضٍ عادلٌ.. محامٍ عاشقٌ للعدلِ.

إن كنت من الفئة الأولى (مُصلٍّ منافق) فأنت خطرٌ على المجتمع، ترددتَ على الجامع أو الحانة. أَلاَ تعرف أن الله يراك داخل الجامع وخارجه حتى وإن كنت أنت لا تراه داخل الجامع وخارجه ؟ أَلاَ تعرف أن الله ربما يسامح في حقه ولا يسامح في حق عبده ؟ ألا تعلم أن أفضل طريقة للتقرّب من ربّك هي الإحسان لعبده (موعظةٌ جميلة أو حديث سمعته اليوم في قطار تونس-حمام الشط من شاب سلفي: "أن ترافق محتاجا وتساعده في قضاء حاجته خير من قضاء شهر اعتكاف في مسجد") ؟ أَلاَ تعي أن الله غنيٌّ عن خيرك ولا يضرّه شرّك ؟ أتنافِق مَن يستحيل نفاقه ؟ أتداهِن مَن لا يمكن أن يُداهَن ؟ أَلاَ تعرف أنك غير محبوب من الخالق قبل المخلوق ؟ ربما نجحت في التحايل على الثاني فهل تتصور ولو للحظة أنك ستنجح مع الأول ؟

وإن كنت من الفئة الثانية (مُصلٍّ تقيٌّ) فأنت في الطريق المستقيم شَكَرَكَ الناس أو جحدوك.

للأسف الشديد فإن الفئة الأولى متواجدةٌ في مجتمعنا التونسي أكثر من الثانية ولو كنا عكس ما نحن عليه اليوم لَكُنا عدَونا وسبقنا ظلنا ولَكُنا من أوائل الدول المتقدمة ولَصَلُحَ أمرُنا وكُنا عن جدارة "خير أمة أخرِجت للناس" ولَكُنا قدوة ورحمة للعالمين ولَما كان حالنا اليوم كما هو عليه اليوم !

 

3.     أأنت معارضٌ يتخذ المعارضة زينة وخطابا مفرغا من الصدق والإيمان، معارضٌ ناقد متحمس للسلطة، في الاتحاد والمقاهي والملتقيات، وهو في واقعه مدرسٌ يتأخر عن الالتحاق بقسمه 25 دقيقة في فترة الراحة أو موظفٌ لا تجده إلا نادرا في مكتبه أو طبيبٌ يجدد لك عطلة طويلة الأمد دون أن يرى وجهك أو متقاعدٌ يتمتع بجراية وهو لم يعمل بإخلاص يوما واحدا في حياته المهنية ؟

أم أنت معارضٌ يقوم بواجبه في عمله ويلوم المتقاعسين عن القيام بواجبهم، مسؤولين كانوا أو عمالا أو موظفين ؟

إن كنت من الفئة الأولى (معارضٌ مزيّفٌ) فأنت كالحرباء ذو لونين ولا يحق لك نقد الآخرين على فعلٍ تأتي أنت بمثله أو أشنع منه.

وإن كنت من الفئة الثانية (معارضٌ صادقٌ) فأنت متماهٍ مع نقدك صادقٌ في لومك ويحق لك أن تقسو على الفئة الأولى وأمثالها كما يحلو لك وكما تشاء.

للأسف الشديد فإن الفئة الأولى تتكاثر في مجتمعنا التونسي بسرعة أكبر من الفئة الثانية وإلا لَما احتجنا للنقد أصلا !

 

إمضائي: نفسي مثقلةٌ بالأحلامِ فهل مِن بين القُرّاءِ مَن يشاركني حُلْمِي ويخفّف عني حَمْلِي ؟

 

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الأربعاء 23 سبتمبر 2015.

 

 

dimanche 29 janvier 2023

خلل\حل عدد 23 : لا يُنتدب في التعليم إلا حامل شهادة جامعية في إبستمولوجيا اختصاصه

 

 

قال الفيلسوف هابرماس: "الإبستمولوجيا هي فرعٌ مستقل من الفلسفة العملية أو نوعٌ من النقد الجذري للمعرفة العلمية أو علمٌ شكلي يسعى إلى معاودة بناء النظرية العلمية" (المصدر: يورغن هابرماس، الفلسفة الألمانية والتصوف اليهودي، ترجمة نظير جاهل، نشر المركز الثقافي العربي، 1995، 93 صفحة. ص. 34).

« La didactique de la biologie a failli s’appeler épistémologie de l’enseignement ».

المدرّس، دارس الإبستمولوجيا، عادةً ما يكون حريصًا على تقييم نفسه ومراجعة ما يفكر فيه وما ينجزه من دروس.

العوائق المعرفية (les obstacles épistémologiques)، التي قد تعرقل عملية التدريس لدى المدرّس وعملية التعلم لدى التلميذ، تشبه في طبيعتها جبل الجليد حيث الجزء الغاطس أكبر من العائم وآلة الكشف الوحيدة المتوفّرة لدى المدرّس هي الإبستمولوجيا.

 دون إبستمولوجيا، كما قال ﭬاستون باشلار "الأساتذة لا يفهمون أن تلامذتهم لا يفهمون".

يبدو لي أن البيداغوجيا التي لا تسندها إبستمولوجيا الاختصاص هي بيداغوجيا قاصرة. قاصرة عن الكشف عن عوائق التعلم لدى التلاميذ الذين تعترضهم صعوبات في التعلم وهُم الأكثرية.

يتخرج المدرس من الجامعة وهو مُلِم باختصاصه لكنه غير ملم بالأهم أي غير ملم بإبستمولوجيا اختصاصه وكيفية تعليم ما تعلمه و غير ملم بتصورات تلامذته القبْلِية.

يبدو لي أن مراكمة الشهائد في نفس الاختصاص (ماجستير، دكتورا، تبريز) لا تحسّن كثيرا من أداء المدرّس ، يحسّنه أكثر تعدد الاختصاصات والثقافة المتنوّعة" (André Giordan). لو طُبِّقَ هذا الشرط سنة 1974 (تاريخ انتدابي أنا كأستاذ علوم الحياة والأرض)، لَما انتُدِبتُ أنا نفسي، لأنني درّست 24 سنة دون معرفة الإبستمولوجيا.

 المدرّس المطلع على إبستمولوجيا اختصاصه يرى أن العلمَ اجتهادٌ وتراكمٌ وليس اكتشافًا بالصدفة ولا تخدعنكم تفاحة نيوتن ويرى أن العلمَ متحركٌ وليس ثابتا والعلم يعرّف نفسه بمدى قابليته للدحض (falsifiable). العلمُ ليس محايدًا ولا موضوعيًّا, العلمُ منحازٌ لأهله ومموليه. أحسنُ دليلٍ: احتكار براءات تركيب جل الأدوية من قِبل لوبيات ربحيّة (Industrie pharmacologique).

 

خاتمة:

في البحث العلمي، النقدُ هدّامٌ أو لا يكون. هدّامٌ للتصورات غير العلمية لدى الباحث، هدمٌ يتبعه بناءٌ ثم هدمٌ ثم بناءٌ. الراحةُ في البحث تؤدّي إلى موت البحث.

 

 

samedi 28 janvier 2023

طُرفةٌ معبّرةٌ بلسانِ حلاقٍ جريدي مُقِيمٌ في المتلوّي ؟ مواطن العالم (مواطن عاشق للجريد والجريدية وجل عائلتي الموسّعة، عائلة كشكار تقيم في توزر)

 

 

صحفي أصيل المتلوّي ومقيم بحمام الشط رواها لي اليوم صباحًا في "مقهى الشيحي التعيسة التي لم تعدْ تعيسة".

حلاق جريدي -ثرثار كجل الحلاقين- يخاطب حرفائه المثقفين ويشرح لهم المفاهيم السياسية الثلاثة التالية:

1.     الشيوعية: كلمة أتت من فعل "شيّع" مثل "شيّع" بيدك حَجرة أو فلاح "يشيّع" بيده بذور القمح فتنبت السنابل كلها سواسية كأسنان المشط.

2.     البورجوازية: كلمة أتت من "برج دلاع"، شكله هرمي، والبورجوازيون يقيمون في قِمة البرج وكل مَن يحاول تسلق البرج للوصول إليهم، يسقط من شدة مَلاسَةِ الضِلعَينِ.

3.     البَعْثْ: فرقةٌ بعثها ربي لتُفسِدَ في الأرض (إضافة من عندي: مثل صدّام والأسد الأب والابن).

 

تعليق: حلاقٌ فيلسوفٌ !

 

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 5 نوفمبر 2020.

خلل\حل عدد 22: واجب تنظيم تدريسِ الساعاتِ الخصوصيةِ

 

حسب قانون وزارة التربية - يحق لأي أستاذ أن  يمارس هذا النشاط التربوي بمقابل معقول (غير مُشِطٍّ) خارج المعهد على شرط أن لا يزيدَ العددُ على 12 تلميذ موزّعينَ على ثلاث مجموعات، كل واحدة تضم أربعة تلاميذ، ويدرُسون في ظروفٍ لوجستيةٍ صحيةٍ وبيداغوجيةٍ طيبةٍ، وأن لا يكونوا من تلامذةِ المعنِي المباشرينَ.

حَفرٌ أركيولوجِيٌّ في نِضالِيةِ أستاذ ثانوي نقابي وهَرَمٌ من أهراماتِ تدريسِ الساعاتِ الخصوصيةِ في "الڤاراجات": يطالِبُ المتهرّبينَ بالقيامِ بواجبِهم ودفعِ ضرائبِهم بالكاملِ، وهو لا يدفع أي ضريبة على ما كسبه خلال عقودٍ مقابل "لِيتِيدْ". أستاذ الساعات الخصوصية(Etude)  : يسلعن العلم ويبيعه دون "أومبلاج" (دون تغليف) وفي الدكاكين العفنة يعرضه. قضى على ديمقراطية التعليم ودفنها ثم صلى على جنازةِ مدرسة الجمهورية 

(L`école républicaine de Bourguiba, la Nôtre)، 

الضامِنُ الوحيدُ لمبدأ تكافؤِ الفُرَصِ والمساهِمُ الوحيدُ في التحريكِ الاجتماعي والمصعد الاجتماعي (Le brassage social) والمدافعُ الوحيدُ على قيمةِ "النجاحُ استحقاقٌ" (la méritocratie)، والمحرّكُ الوحيدُ لـلمِصعدِ الاجتماعي (l’ascenseur social)، مصعدُ مَن لا مِصعدَ له من التونسيين الفقراء والمحتاجين والمهمّشين، وما أكثرهم في بلدي، والحمد لله الذي لا يُحمَدُ على مكروهٍ سواه.

ظاهرة تدريسِ الساعاتِ الخصوصيةِ (l’étude)، وُلِدت مشكلة (لها حل)، تفاقمت فأصبحت  معضلة (لا حل لها في الأفق).

صرخةُ كشكارْ المسِنّ ضد أندادِه المسِنّين ! مواطن العالَم

 

Un cri de désespoir contre le monde des adultes

 

صرخةُ الفيلسوف ميشيل أونفري، ترجمة مواطن العالَم: " المسِنّون  الذين يصيحون، يكذبون، يسرقون، ينهبون، يخونون، يَعِدُون ولا يوفُون، يبتسمون وخلف ظهورهم خناجرَ يخفون، يمزّقون، يقتلون، يغتصبون، عالَمُ كلابٍ مكلوبةٍ، كلابٌ تقبع في أوجارِها رابضةً على بَرازِها".

Référence: Michel Onfray, La lueur des orages désirés, Éd. Grasset, 2007, p. 348.

 

صرخةُ كشكارْ المسِنّ ضد أندادِه المسِنّين: المسِنّون الضالّون الذين يُصَلون ولا زالوا يفحشون وفي طريق المنكر سائرون. كلهم يظنون أنفسهم مثقفون معلمون مربّون موجهون، ودومًا من طَيْشِ الأطفال يتذمّرون ولا يدرون أنهم على طيش هؤلاء الملائكة مسئولون أوّلون وأنهم هم الأحوجُ للتربية لو كانوا يعلمون ويعون. لا دينٌ رَدَعهم ولا فلسفةٌ هذّبتهم ولا قانون. فهل يأتي يومٌ فيه عن غِيِّهم يرتدعون وربهم يتفكرون وإلى الطريق المستقيم يرجَعون وللإنسانية أنسنتَها يردّون وقِيَمَ الخير يُحْيون وعن ارتكابِ الرذائل ينقطعون وللفضائلَ يُفضِّلون.

 

إمضائي

"المثقفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العمومية" فوكو

"إذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

"على كل مقال سيء نرد بمقال جيد" مواطن العالَم

 

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الجمعة 1 ديسمبر 2017.

 

 

"الأممية الإنسانية" في أبهَى تجلّياتها. ترجمة مواطن العالَم

 

 

الكولونال ماركوس، الناطق الرسمي باسم الجيش الزاباتي للتحرير الوطني بالمكسيك (Chiapas)، قال: "أنا زاباتيست في المكسيك، ومِثلِي (gai) في سان فرنسيسكو، وأسود في جنوب إفريقيا، ومسلم في أوروبا، وأمريكي-جنوبي (Chicano) في أمريكا الشمالية (USA)، وفلسطيني في إسرائيل، ويهودي في ألمانيا النازية، ومسالِم في البوسنة والهرسك، وامرأة وحيدة في أي مِترو العاشرة ليلا في أي مدينة في العالم، وفلاح دون أرض في أي بلد في العالم، وعامل في "الشوماج" في أي مدينة في العالم".

NB : Rafael Sebastián Guillén Vicente, dit « sous-commandant Marcos », né en 1957 à Tampico, est un insurgé mexicain, l'ancien chef militaire et porte-parole de l'Armée zapatiste de libération nationale dans le conflit en cours au Chiapas, un anticapitaliste et une icône de l'opposition à la mondialisation néolibérale.

Source : « Les campagnes », Manière de Voir de Février-Mars 2023, Le Monde diplomatique. (p. 77).

 

تاريخ أول نشر على صفحتي الفيسبوكية: حمام الشط في 28 جانفي 2023.

 

 

vendredi 27 janvier 2023

خلل\حل عدد 21: واجب إحياء وتطوير عاداتنا القديمة في التربية ما قبل المدرسية

 

 

لماذا نركِّز في تعليمنا على تنمية الذكاء الذهني فقط (رياضيات، آداب، هندسة، تاريخ، إلخ.) ونُهمل أنواع الذكاء الأخرى المرتبطة بباقي أعضاء الجسم (الحِرف اليدوية، الرسم، الرقص، الموسيقى، الفلاحة، التمريض، المسرح، الطبخ، التعلم من اللعب بكل حرية مع الأقران، إلخ.) وكأن ”الجسم لا يعدو أن يكون إلا مجرد وسيلة نقلٍ للمخ“.

في قرية جمنة تحديدا وقبل المدرسة، علمتني بيئة الخمسينيات ما يلي:

-         تعلّمتُ نطق اللغة العربية الفصحى عن طريق حفظ جزء "عَمَّ" من القرآن الكريم في الكُتّاب الوحيد بالقرية.

-         تعلّمتُ مهارات متعددة عن طريق اللعب مع الأقران. ودون رقيب كهل، كنا نصنع لعبنا بأنفسنا. كنا نُمسرِح عاداتنا في عاشوراء (جمل عَشورا). كنا نسهر ليلا وننصت لأمهاتنا تروين حكايات التراث الخيالية، كنا نصدّقها وكانت تستهوينا. كنا ننوّع وسائل لهونا حسب الفصول (خُوطَة، غُمِّيضَة، بِيسْ، مَشَّاية عند نزول المطر، دِرْڤِيلة، كَرُّوسة، بالُّون ابرِيزُونييه، إلخ.).

واجب إعادة إحياء دَور الكُتّاب في تعلم الفصحى في التعليم ما قبل المدرسي

 

كبرنا قليلا (أربع سنوات), أخذونا للكتّاب (في جمنة نسمّيها الخلوة) لتعلم القرآن الكريم في الجامع الكبير. كان الفناء مظلما في النهار وكان "المعلم-المِدّب" جالسا وعصاه تتنقل فوق رؤوسنا برأفة وحنان. نردّد وراءه لساعات ما ينشد من كلام حلو وموزون. نحفظه عن ظهر قلب دون شرح أو تفسير ونستوعب حسن نطقه وبلاغته ونطرب لموسيقاه. بعد خمسين سنة، عرفتُ أن هذا النوع من التلقين يُسمى: "حمّام لغوي" (Bain de langue)، هذا الحمّام يطهّرك روحيا من الداخل ويغمرك بالمفاهيم ويكسبك في مرحلة الاستيعاب زادا لغويا ثمينا ونطقا سليما تستثمره في مرحلة الفهم في شرح وتفسير أي أثر مكتوب, قرآنا كان أو نثرا أو شعرا.

نظرية مونتيسوري في تربية الأطفال قبل الست سنوات تتلخص في الشعار التالي على لسان الطفل: "ساعِدني على التعلم بنفسي" (“Aide-moi à faire seul”). ونحن أطفال جمنة الخمسينيات لم ننتظر اكتشاف النظريات التربوية الحديثة وطبقنا منذ أجيال -بطريقة عفوية مكتسبة وموروثة ثقافيا في آن- شعارا قد يكون أفضل تربويا من شعار مونتيسوري وهو التالي: "اتركني أتعلم بنفسي".  بمفردنا ودون رقيب كهل مختص أو غير مختص، كنا نصنع لُعبنا بأيدينا ونتعلم منها ومن المحيط والأقران. عندما أقول "طبقنا شعارا قد يكون تربويا أفضل"، أنا أعي ما أقول، قلت "تربويا أفضل" ولم أقل "علميا أفضل" ولهذا انقرضت تقريبا طريقتنا التربوية التقليدية من جمنة وعوضتها رَوضات أطفال "حداثية". كادت تجربتنا أن تكون علمية صِرفة لو صاحبتها عينُ رقيبٍ عالِمٍ ميداني (La recherche-action)، عينٌ مسندة بعقل، عقلٌ  يلاحظ ويسجّل ويدوّن ويطوّر طريقتنا في التعلم الذاتي ويستنتج ويقارن وينشر فربما قد نكون سبقنا علماء الغرب من أمثال مونتيسوري وفيڤوتسكي وبياجي واكتشفنا "نظرية التعلم البنائي الاجتماعي" قبلهم جميعا (le socio-constructivisme).