vendredi 5 août 2022

بعض الحقائق المدهشة عن طُرُقِ التعليم في فنلندا


-          لا يدخل الأطفال للمدرسة الابتدائية إلا بعد بلوغ سن السابعة.

-         المدارس ممولة بنسبة 100% من الحكومة.

-         نادرا ما يُكلّف الأطفال بأداء واجبات منزلية أو امتحانات حتى بلوغ سن المراهقة.

-         لا يوجد سوى اختبار إلزامي واحد وموحَّد في جميع أنحاء فنلندا، يتم إجراؤه في سن السادسة عشرة.

-         جميع الأطفال يدرسون جميعا في فصل مدرسي واحد دون تمييز ذهني مغلوط في أغلب الحالات.

-         تنفق فنلندا على كل طالب حوالي 30% أقل مما تنفقه الولايات المتحدة.

-         30% من الأطفال يحصلون على مساعدة تعلمية إضافية خلال السنوات التسعة الأولى بالمدرسة.

-          حوالي 66% من تلامذة الثانوي يلتحقون بالجامعة.

     -     93 % من الفنلنديين يصلون إلى مستوى المدرسة الثانوية العليا، مقابل 17.5% للأمريكيين.

     -    تحتوي فصول تدريس العلوم على 16 طالبا فقط مما يضمن قيام كل فئة بتجارب كافية.

     -   43 %  من طلاب المدارس الثانوية يلتحقون بمدارس مهنية.

     -    تلاميذ المدارس الابتدائية يحصلون على 75 دقيقة راحة بين الحصص الدراسية، مقابل 27 دقيقة       لنظرائهم في الولايات المتحدة.

     -   يقضي المدرسون أربع ساعات فقط بالفصول الدراسية يوميا، بينما يتم تخصيص ساعتين أسبوعيا لتنمية المهارات.

    -  عدد المدرسين في فنلندا يساوي تقريبا عدد مدرسي مدينة نيويورك "عدد الطلاب 600 ألف بالمقارنة مع 1.1 مليون في نيويورك".

    -   يجب أن يكون جميع المدرسين حاصلين على درجة الماجستير، وكلهم يحظون بدعم كامل.

    -   يتم اختبار المدرسين من الـ10% الأفضل بين الخِرِّيجين.

    -   يبدأ راتب المعلم الفنلندي من 29 ألف دولار (عام 2009) بالمقارنة مع 36 ألف دولار في الولايات المتحدة.

    -   لا تُدفع علاوات للمدرسين.

    -   يحصل المدرسون على نفس درجة الأطباء والمحامين المعنوية.

    -  طبقا للمعايير الدولية عام 2001، حصل الطفل الفنلندي أو جاء قريبا من أعلى درجة في القراءة، العلوم، والرياضيات.

-         نظام تربوي متساوٍ لأبناء المتوسطين وأبناء الميسورين على السواء.

-         بعد المرحلة الأساسية التي تدوم 9 سنوات، ينقسم التعليم إلى نوعين من التكوين: تكوين نظري يُقدم في المعاهد الثانوية التي تفضي إلى الجامعة وتكوين مهني يُقدم في المعاهد المهنية ويفضي إلى الحياة العملية ولا يُحضّر التلميذ إلى للتعليم العالي.

-         ترتكز نجاعة هذا النظام التربوي على تحميل التلميذ مسؤولية نفسه منذ الصغر وترتكز أيضا على غياب التوتّر داخل المدرسة وفي المنزل لانعدام الرسوب وندرة الواجبات المنزلية.

-         حين يخاطِب التلميذ أستاذه، يقول له: أنت (tu) و ليس أنتم (Vous). ولعل في هذا السلوك حكمة تتمثل في عدم تقديس الأستاذ حتى يتمكن التلميذ من معارضته ونقده -إن لزم الأمر- ولكن بكل بأدب ولياقة واحترام خاصة عندما يناقشه في العدد. لا يسلّم التلميذ بكل ما يقوله الأستاذ دون استغلال حقه في الشك والغربلة والمراجعة حتى يستطيع تحديد موقف شخصي نقدي  وهذا ما يساعده على التدرّب على المعارضة والجهر بكلمة لا. كلمة "لا" هي أول كلمة في التوحيد -لا إله إلا الله- لو تفكّر المؤمنون ومصممو البرامج التعليمية التونسية والمدرسون المنفذون للسياسة التربوية.

-         يتوفّر التعليم العالي الفنلندي على نوعين من المؤسسات: الجامعات التي تُعدّ الطالب للبحث العلمي وتقدّم مزيدا من التعليم النظري، أمّا المعاهد متعدّدة التقنيات فهي تفضّل التطبيقات العملية. مثلا: يتخرج الطبيب من الجامعة ويتخرج الممرّض من المعاهد متعدّدة التقنيات.

-         يُعفَى الطالب من دفع الرسوم الجامعية تماما ويتمتع بمنحة دراسية، منحة قد يُحرم منها عند الرسوب. قد لا تغطِّي هذه المنحة نفقات واحتياجات الطالب غير التعليمية فتساعده الدولة وتوفر له شغلا موازيا أو تمكنه من قرضٍ على الشرف.

-         في فنلندا يُطبّق برنامج "الجامعة المفتوحة"، أتمنى أن تسير على خطاها الجامعة التونسية الجديدة المسماة "الجامعة الشعبية محمد علي الحامي" لو تولاها مثقفون جديون غير إيديولوجيين وغير إقصائيين. هذه "الجامعة المفتوحة" الفنلندية تمكِّن الطلبة المنقطعين عن التعليم مبكرا بمتابعة دروس الجامعة بصفة فردية. تستقبل هذه الجامعة طلبة أحرارا من كل المستويات ومن كل الأعمار دون شروط مسبقة نظير مقابل زهيد (بالنسبة لهم) لا يفوق 60 أورو لكل درس يُنجَز (60 euros, l’équivalent de 120 dinars tunisiens).

-         يرافق  هذا التفوّق العالمي الذي تنفرد به المدرسة الفنلندية، غياب التفقد البيداغوجي بصيغته التونسية الحالية في 2010. عن اقتناع تام بعدم جدوى التفقد البيداغوجي وانطلاقا من التجربة الفنلندية الناجعة والناجحة عالميا، أطالب وبإلحاح وزارة التربية التونسية بإلغاء التفقد البيداغوجي بصيغته الحالية من المدارس التونسية الأساسية والثانوية أمّا الجامعة التونسية فهي - ولحسن حظ زملائنا الجامعيين- خالية منه منذ نشأتها. للتوضيح، أنا لا أطالب بإلغاء التفقد البيداغوجي دفعة واحدة وجملة وتفصيلا بل أطالب في البداية بتحديد مقرّ نشاطهم في المراكز الجهوية للتكوين المستمر (CREFOC) حيث ينحصر نشاطهم في الاشراف على تأطير وتكوين الأساتذة بمساعدة أساتذة جامعيين أو مختصين من أساتذة الثانوي الأكفاء وأعتبر هذا النشاط نشاطًا مهما ومتكاملا ومفيدا جدا. أودّ من كل قلبي أن لا يزور المتفقدُ الأستاذَ في القسم إلا للإرشاد العلمي والبيداغوجي والتعلّمي والمساندة المعنوية والتشجيع ومحاولة  التقليل من آثار التوتّر الناتج عن مهنة التدريس الشاقة وظروف العمل القاسية ونقص التجهيزات في المخابر وتدهور القدرة الشرائية للمدرّس. بصدق ونية صافية أنا لا أحمل موقفا شخصيا عدائيا من التفقد والمتفقدين خاصة بعد ما صالحني أحدهم مع نفسي ومعهم بعد 20 عاما تدريس يومَ طرق باب قسمي، وقبل أن يدخل طلب مني بكل لطف وأدب واحترام الإذن في الدخول، أذنت له طبعا وزادني أربع نقاط ونصف في عدد التفقد ليصبح ثلاثة عشر ونصف. لكنني أحمل موقفا فكريا ووجهة نظر "علمية" ذاتية -قد تكون خاطئة- من التفقد البيداغوجي بصيغته التونسية الحالية. شخصيا أكنّ لبعضهم كل الاحترام والتقدير والتبجيل وأشهد بكفاءتهم العلمية والبيداغوجية والتعلّميّة وأخص بالذكر ستة ممّن عاشرتهم وخبرتهم من متفقدي علوم الحياة والأرض. ثلاثة منهم تفقّدوني وعملت معهم في الوقت نفسه أستاذا مُكوّنا. واحد منهم أنصفني أيّما إنصاف عندما زارني في القسم وزادني ثلاث نقاط و نصف في عدد التفقد ليصبح 17 على 20 بعد ما ظلمني -قبلها بعشر سنوات-  أيّما ظلم خلال زيارتين متقاربتين بشهر وخفّض لي حينذاك العدد من 16 إلى 9 على 20. أما الثلاثة الآخرون فهم أصدقاء وزملاء مرحلة ثالثة متخرّجون جدد من معهد قرطاج للتفقد ويتمتعون بكفاءة علمية عالية في الاختصاص وفي البيداغوجيا وفي تعلّميّة البيولوجيا ويتميّزون بسمعة جيدة لدى الزملاء التابعين لدوائر عملهم. أوجّه لهم من خلال هذا المقال تحياتي القلبية وتمنياتي لهم بالنجاح في مهنتهم النبيلة. والدليل القاطع أنني لا أكره التفقد والمتفقدين، أنني ما تمنيت في حياتي أمنية أعظم من أن أمارس هذه المهنة النبيلة لكن حسب المواصفات العلمية التي درستها أو اطلعت عليها أو سمعتها من أهل الذكر. مصدر من مصادري: Wikipédia


jeudi 4 août 2022

التعليم الفنلندي.. ارتضى أبسط الطرق وأقصرها فحقق أفضل النتائج

 

 

 منذ سنوات معدودات، أصبحت فنلندا مثالاً يحتذى به من قِبل جميع بلدان العالم، مثال في كيفية بناء نظام تعليمي فائق الفعالية، بأقل عدد من أيام وساعات الدوام المدرسي السنوي، فتربّع هذا البلد الأسكندنافي على عرش العالم في كفاءة النظام التربوي وفقاً لآخر تقييمين أجرِيا عامَي 2003 و2006 من قِبل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، لقياس كفاءة طلبة المدارس (عمر 15 سنة) بواسطة اختبار بدأ العمل به عام 2000 ويجرى مرة كل ثلاث سنوات، ويحمل اسم "برنامج تقييم الطلاب العالمي" (PISA ).

البرنامج يقيس كفاءة الطلبة في المجالات المختلفة مثل تعلم القراءة والرياضيات والعلوم ويستنتج منه الكفاءة العامة لطلبة كل بلد يُجري فيه الاختبار، وقد حصل طلبة فنلندا على المرتبة الأولى في القراءة والعلوم، والمرتبة الثانية في الرياضيات بعد كوريا الجنوبية وبدرجات عالية ليس من السهل على أي بلد الحصول عليها. ولعل أهم الصفات الإيجابية في نتائج فنلندا هي تجانسها أي تَحصّل جميع الطلبة على كفاءة مرتفعة، والنجاح في تقييم (PISA ) لم يكن حكرا على بعض الطلبة المتميزين.

 

كثير من التربويين في جميع أنحاء العالم يتوقون لمعرفة كيف طوّر الفنلنديون نظامهم التربوي بهذه الفعالية والاستفادة من خبرتهم في هذا المجال ولعله من المفيد هنا ذكر بعض مواصفات النظام التربوي الفنلندي التي وصلت به إلى هذه المنزلة الرفيعة:

 

لا يُسمى إصلاح التعليم إصلاحا إلا إذا أخذ بأيدي التلامذة الذين تعترضهم صعوبات في التعلم:

-         التعليم في فنلندا مجاني في جميع المراحل بما فيها المرحلة الجامعية.

-         التعليم إجباري في فنلندا للصفوف التسعة الأولى في المدرسة التي يدخلها الأطفال الفنلنديون عندما يبلغون السابعة من عمرهم (خلافا لأغلبية بلدان العالم، ست سنوات).

-         نسبة الانقطاع عن التعليم الإجباري في فنلندا لا تتجاوز 0.5%..

-         نسبة الرسوب في الصف في فنلندا لا تزيد عن 2% .

-         الفرق في المستوى بين المدارس بسيط جداً.

-         عدد أيام الدوام المدرسي 190 يوماً في العام الدراسي، وعدد ساعات الدراسة اليومية من 4 إلى 7 ساعات.

-         يُكلف التلميذ بواجبات مدرسية منزلية مخففة لا تستغرق أكثر من خمس ساعات في الأسبوع.

-         غياب الدروس الخصوصية  بعد الدراسة في المؤسسات العمومية (ce qu`on appelle communément “Etude” en Tunisie).

-         مساعدة التلامذة الذين يجدون صعوبة في موضوع معين، وذلك بتوفير مدرّس إضافي لمساعدتهم.

-         يبقى جميع الطلبة في الصف نفسه مهما كانت قدراتهم مختلفة في موضوع الدراسة.

 

مرتكزات التفوق:

-         وِفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، تُعتبر فنلندا الأولى بين دول العالم المتقدمة من حيث قلة عدد الساعات التي يقضيها الطالب في القسم. وهذا يعكس أحد أهم الأفكار التي يقوم عليها نظام التربية الفنلندي.

-         تقوم الفكرة الثانية على مبدأ المدرسة الواحدة للتعليم الابتدائي والثانوي، بحيث لا يضطر الطالب لتغيير المدرسة عندما يبلغ الثالثة عشرة من العمر مما يجنبه المرور بفترة انتقالية يُحتمل أن تكون مربِكة عند انتقاله من مدرسة إلى أخرى.

-         أما الفكرة الثالثة فتنصّ على أن يبدأ الطفل مرحلة التعليم في سن السابعة، ممضياً سنوات الروضة بنظام خاص لا يوجد فيها تعليم مباشر مما يُكسِب الصغار معرفة عن طريق اللعب ويجعله توّاقاً لبدء مرحلة التعلم النظامية.

-         تقوم الفكرة الرابعة على مبدأ أن كل طالب لديه شيء ما يساهم به في القسم، لذلك يجب عدم فصل الطلبة الذين يعانون صعوبة في بعض المواضيع عن زملائهم الممتازين، ويجب توفير الوسائل التي تساعد غير المتفوق على التفوق.

-         أما الفكرة الخامسة فتقول إن معلم أي صف مدرسي يجب أن يكون مؤهلاً جامعياً وحاصلاً على درجة الماجستير. وهذا يعني أن كفاءة التعليم لا تتحقق دون مدرس كفء. وتُعتبر مهنة التدريس وفقاً لهذه المقاييس مهنة مرغوبة معنويا وماديا.

-         تعتمد الفكرة السادسة للنظام التربوي الفنلندي على أن الطلبة يجب أن يتعلموا في وضع مريح وجو يسهل فيه انتقال المعرفة. يساعد على ذلك تجانس المجتمع الفنلندي وقلة تواجد الأجانب فيه، مما يجعل الطلبة يتعلمون جميعاً تقريباً بلغتهم الأم دون عقبات من النواحي اللغوية. كما يساعد على ذلك غياب السياسة عن الجو المدرسي، مما يجعل الجميع متكافئين ولا يسمح بترك أي طالب في حالة تخلف عن الآخرين.

 

لا وجود لاختبارات توجيه خلال السنوات التسع الأولى:

في فنلندا لا توجد اختبارات عامة للطلبة خلال السنوات التسع الأولى، فيما يتم تقييم الأداء بناءً على اختيار 10% من كل شريحة عمرية لإجراء الاختبارات عليها، وتحتفظ المدارس بالنتائج بكل سرية. وبعد السنة الخامسة لا يسمح قانونياً بوضع درجات للطلبة، ولا يسمح بالمقارنة بينهم. يضع المعلمون اختباراتهم الخاصة، ولا يأخذونها من مؤسسات خارج المدرسة. لا تقارن المدارس مع بعضها، حيث تبقى النتائج سرية حتى يطلبها مجلس التعليم الوطني لغرض تحسين التعليم. تُصنف نتائج الاختبارات في التعليم الثانوي والمهني بنسبة 5% في أعلى السلم و5% في أسفل السلم، وما بينهما هو المتوسط، وتستخدم هذه النتائج لدخول الجامعات، وعليها يحدد دخول الطلبة في تخصصات العلوم الطبيعية أو الاجتماعية.

ملاحظة: أرجوك لا تقل لي لا تقارن مع فنلندا فإذا لم أقارن مع الأفضل فمع مَن سأقارن يا تُرى ؟

البارحة، تسلّمتُ هديةً

 

البارحة، تسلّمتُ هديةً. هديةٌ من أجملِ وأثمنِ الهدايا التي يمكن أن تُهدَى إلى محمد كشكار. أهداها لي أحمد العابد، ابن أختي امباركة القادم من باريس. هدية تتمثّل في خمسة كتُب:

-         1984, livre de George Orwell.

-         Pour un catastrophisme éclairé, livre de Jean-Pierre Dupuy.

-         Entre le cristal et la fumée, livre d’Henri Atlan.

-         Croyances, livre d’Henri Atlan.

-         Sommes-nous libres ? livre d’Henri Atlan & Bertrand Vergely.

 

mercredi 3 août 2022

نص محاضرة ألقيتها في مركز تكوين المتفقدين بقرطاج تحت عنوان "بعض أسباب النقص الفادح في مستوى اللغة العربية الفصحى لدى تلامذتنا التونسيين"

 

 

ملاحظة للأمانة العلمية: مصدر الاستشهادات الواردة بين ظفرين في المقال هو مجلة "كتابات معاصرة" (اللغة العربية الفصحى لدى المتمدرسين-تحليل الواقع واقتراح الحلول/مثال الجزائر، بوطيبة جلول، جامعة بن باديس-مستغانم، كتابات معاصرة، صفحة 119،العدد 88، المجلد 22، ماي-جوان 2013).

 

كاتب المقال المرْجَع المذكور أعلاه، والذي اقتبستُ منه بعض الجمل الواردة بين ظفرين في كلمتي، تناوَلَ بالتحليل إشكاليات اللغة العربية الفصحى في الجزائر. أما أنا فسأتناول بالنقد مستوى اللغتين الرسميتين الأجنبيتين الاثنتين  المعتمدتين في كل المراحل التعليمية التونسية مع اللغة العربية الفصحى التي أعتبرها للأسف الشديد لغة غريبة في تونس وربما تكون في وطنها أكثر انبتاتا وغربة من الفرنسية خاصة في أوساط المثقفين. يبدو لي والمختصون في العربية أعلم مني أن الفرنسية هي اللغة الأولى في التعليم العلمي التونسي خاصة في مرحلتيه الأخيرتين الثانوية (كل المواد العلمية تُدرّس بالفرنسية) والجامعية (كل الشعب العلمية في الجامعة دون استثناء تدرّس بالفرنسية) وهي لغة الأنترنات بعد الأنڤليزية وقبل العربية لدى المُبحِرين افتراضيا ولغة التجارة لدى الحِرفيين والمستهلكين (خاصة لدى تجّار المواد الحديدية والصحية وقطع الغيار والأثاث العصري والآلات الكهرومنزلية والمواد الفلاحية من أسمدة وأدوية وآلات و"ماركات" الأغذية المعلّبة كبسكويت "ڤوشو" وحليب "ديليس" وعصير "تروبيكو" وغيرها من الأسماء الأجنبية الدخيلة التي لا تُحصى ولا تُعد) ولغة البحث العلمي بعد الأنڤليزية ولغة الأدب العالمي والتاريخ العربي الذي أثراه المستشرقون بدراساتهم وبحوثهم القيّمة ولغة الفلسفة الحديثة ولغة المخترعين المبتدئين.

1.    أبدأ بالتذكير بالأوهام الأربعة السائدة لدى العرب حول لغتهم العربية الفصحى:

-         يتمثل الوهم الأول في اعتبار اللغة العربية الفصحى اللغة الأم (Langue maternelle) والواقع المعيش يرشَح بغير ذلك، فاللغة الأم هي اللغة العربية الدارجة المتداولة باختلاف لهجاتها في الدول العربية الاثنتين والعشرين.

-         يتمثل الوهم الثاني في اعتبار اللغة العربية الفصحى لغة حضارة عالمية، صحيخ لقد كانت كذلك في القرون الهجرية الثلاثة الأولى (القرن السابع والثامن والتاسع ميلادي) وبقيت بعض جمرات نارها تنير دربنا حتى القرن السادس هجري (الثاني عشر ميلادي) ثم انطفأت آخرها مع موت ابن رشد سنة 1198 ميلادي.

-         يتمثل الوهم الثالث في اعتبار اللغة العربية الفصحى المعجمية المستعملة اليوم لغة قادرة على تعريب واستيعاب مصطلحات التكنولوجيا. رفض النحويون العرب الأوائل إثراء لغتهم الفتية بتبني مصطلحات الحِرَفِيين الأعاجم (فرس وأتراك وبربر وغيرهم من الشعوب التي دخلت الإسلام بحد السيف) بدعوى المحافظة على شاعريتها وصفائها وعذريتها فكيف ستقدر على فعل ذلك  وقد هرمت اليوم، لكنني في الوقت نفسه -وقد ييدو موقفي هذا للبعض متناقضا- لا أشك  لحظة في مستقبل القدرة الاشتقاقية المحتملة (en puissance) للغة العربية الفصحى في تعريب واستيعاب مصطلحات التكنولوجيا الحالية والقادمة لو توفرت المبادرة الشجاعة لدى اللغويين المختصين العرب لتحديث لغتنا وتحيينها.

-         يتمثل الوهم الرابع في اعتبار اللغة العربية الفصحى لغة حية معاصرة. كيف تكون حية ومعاصرة، لغة يحتقرها أصحابها ويتباهون ويتجمّلون بالتكلم بمنافِساتِها الأجنبيات (الفرنسية والأنڤليزية)، لغة لا ينتج مستعملوها علما ولا تكنولوجيا ولا فنا راقيا ولا يمثلون وزنا في الاقتصاد العالمي إلا كمصدِّرِين سلبِيّين للنفط الخام. لو لم تكن لغة القرآن والشِّعْر لَمَاتت واندثرت وورثتها وعَوّضتها اللغة الدارجة منذ قرون كما ماتت اللغة اللاتينية وعوضتها تدريجيا اللهجات الدارجة كالفرنسية والإيطالية في بداية القرن الرابع عشر ميلادي (الانجيل كُتب لأول مرة بالآرامية، لغة المسيح عليه السلام، لغة ماتت منذ زمان ولا يستعملها اليوم إلا بعض الباحثين أو سكان  قرية معلولة بالاضافة إلى قريتين أخريين في سوريا. فلماذا صمدت اللغة العربية واندثرت الآرامية ؟ لا أملك جوابا لهذه الإشكالية). 

2.    بعض أسباب تدني مستوى العربية لدى تلامذتنا التونسيين:

-         بوطيبة جلول يقول: "عند التحاق الطفل بالمدرسة لأول مرة ينتقل من الوسط الأسري وله من المكتسبات رصيد لغوي لا بأس به من اللغة يستعمله في تواصله اليومي للتعبير عن حاجته واهتماماته، وهذا يُعد عاملا مساعدا على اكتساب اللغة العربية الفصحى. ورغم ذلك لا يجد سهولة في التحدث أو التحرير بالفصحى".

أنا أقول: ربما بسبب ذلك وليس رغم ذلك، يعني أن هذا الرصيد اللغوي غير الفصيح والفقير فقر الدارجة (حسب إحدى المختصات في اللغة: تحوي الفصحى على ستة عشر ألف مفردة أما الدارجة فلا تحتوي إلا على ثلاثة آلاف مفردة فقط) قد يكون عاملا عائقا وليس عاملا مساعدا كما يرى الكاتب بوطيبة جلول من جامعة بن باديس في مستغانم بالجزائر. يأتي الطفل التونسي إلى المدرسة وهو يتكلم جيدا العربية الدارجة التونسية فيجد نفسه مبتدئا في تعلم الفصحى ويُفاجأ بـ"السردوك" قد أصبح بالفصحى ديكًا و"القطوس" أضحى قطَّا.

-         بوطيبة جلول يقول: "تساهل المعلمون أنفسُهم مع اللغة العربية عند مخاطبتهم للمتعلمين أو التواصل معهم أثناء العملية التعلمية باعتبار أن اللغة محاكاة وتقليد الطلاب لأساتذتهم، فما بالك بذلك الطالب الذي يرى أستاذه لا يتحكم في اللغة ؟". 

أنا أقول: رغم أن وزارة التربية التونسية أقرّت تعريب تدريس في التعليم الأساسي (ابتدائي وإعدادي)، ما يزال بعض معلمينا وبعض أساتذتنا يستعملون الدارجة في القسم بدعوى مساعدة التلميذ على فهم العلوم وكأنّ العلوم لا تحتاج إلى وعاء العربية الفصحى (للأسف الشديد في واقعنا العلمي التونسي، لا يحتاج المختص في العلوم للفصحى ولا للدارجة لأنه ببساطة يدرس كل العلوم بالفرنسية في الثانوي والجامعة) والمفارقة الكبرى أن الامتحانات تُكتب بالفصحى ولا تُفسر بالدارجة في أول الامتحان داخليا كان أو وطنيا وهذا التمشي الخاطئ المتّبع من قِبل بعض مدرسينا قد يضرّ بالتلميذ ولا ينفعه البتة. امتد هذا الاستخفاف باللغة الحاوية والناقلة للعلم إلى الفرنسية التي تُدرّس بها رسميا العلوم في التعليم الثانوي والمتهم الرئيسي هو مدرس العلوم في الثانوي الذي فضّل تدريس العلوم بالعربية الدارجة لنفس الأسباب الواهية التي يتحجج بها مدرسو العلوم في التعليم الأساسي. زد على ذلك أن هذا التمشي أضر بتعليم اللغة نفسها أكثر من ضرره بتعلم العلوم لأن تعليم اللغة العربية أو الفرنسية هو مسؤولية يتحملها مدرّس العلوم كما يتحملها مدرّس اللغة أيضا.

-         بوطيبة جلول يقول: "أسباب من خارج المحيط المدرسي: 1 - الدور السلبي الذي تلعبه الفضائيات العربية الوطنية والإقليمية حيث أن أغلب البرامج المحببة لدى الأطفال والمسلسلات والحصص المتنوعة تقدَّم باللهجات أو بالعاميات أو بلغة عربية هابطة، رغم أن هناك قنوات أجنبية بريطانية وروسية وحتى صينية تبث بلغة عربية راقية. 2 - رؤية الشارع العربي إلى كل مَن يتكلم العربية الفصحى في الشارع أو في البيت بنظرة غير لائقة".

وأنا أقول: إضافة إلى الأسباب الداخلية مثل السياسة التربوية التونسية الفاشلة منذ ثمانينات القرن الماضي أو التكوين الناقص الممنهج لرجال التعليم ونسائه المتمثل في إلغاء مدارس ترشيح المعلمين والأساتذة، نجد أيضا أسبابا خارجية عن الوطن نفسه ونذكر منها على سبيل الذكر لا الحصر: اللغات العالمية المنافسة كالفرنسية والأنڤليزية وما تحمله وراءها من مصالح استعمارية ثقافية واقتصادية واِملاءات البنك العالمي  والدول المانحة وتأثيراتهما  السلبية المحتملة على المنظومة التربوية التونسية.

-         بوطيبة جلول يقول: "اللغة الوطنية والرسمية وهي من أهم وسائل الارتباط الروحي بين أبناء الوطن والأمة والمقوّم الأساس للشخصية الجزائرية".

أنا أقول: أتفق مع الكاتب في المضمون لكنني أسأله: هل اللغة العربية الفصحى تمثل اللغة الوطنية والرسمية في البلدان العربية ؟ حسب رأيي المتواضع علميا، يبدو لي أن اللغة الوطنية هي العربية الدارجة بلا منازع أما الفصحى فهي لغة رسمية لكنها ليست وطنية لأن الشعب لا يستعملها في حياته اليومية بل يستعمل الفرنسية أكثر منها.

-         بوطيبة جلول يقول: "إننا نركّز على تحسين مستوى العربية لأن المسألة تُعد في ضوء التربية الحديثة وسيلة تواصل وتفاهم، لذا يجب على المتعلم أن يعرف بأنه يتعلمها لأنه في حاجة ماسّة إليها في حياته".

أعلّق قائلا: لو كان المواطن العربي الدارس وغير الدارس في حاجة ماسة للعربية الفصحى كما يؤكد الكاتب لأقبلَ عليها وتعلمها إن لم يكن من باب الأصالة الإسلامية أو القومية العربية فعلى الأقل يتعلمها ويتقنها من باب المصلحة والمنفعية والبراڤماتية والأنانية. لكن الواقع المعيش يقول عكس ذلك حتى في الجزائر نفسها أين يُدرّس علم الطب باللغة الفرنسية  فيتيه طالب سنة أولى طب ويشقى في تصفح المراجع الفرنسية بسبب دراسته العلوم باللغة العربية من السنة أولى ابتدائي إلى غاية الباكلوريا على مدى ثلاثة عشرة سنة متتالية، يتحصل على الباكلوريا علوم بملاحظة جيد جدا وهو لا يتقن اللغة الفرنسية ولا يمتلك زادا لغويا علميا بالفرنسية، أصبحت اللغة العربية لديه إذن عاملا عائقا وليس عاملا مساعدا في دراسته الجامعية في اختصاص الطب وقِس على هذا المثال وعمِّمه على كل الاختصاصات العلمية المدرّسة بالفرنسية في التعليم الجامعي الجزائري وما أكثرها. أما عن مدرّسي العلوم بالعربية في التعليم الأساسي والثانوي الجزائريين والمتعاونين الشرقيين، فعن حالهم المعرفي من الأفضل أن لا تَسألِ، جلهم لا يتقن الفرنسية ولا الأنڤليزية ولا توجد مراجع أو مجلات علمية معتبرة مكتوبة بالعربية ولا يستطيعون الاطلاع على النشريات العلمية الحديثة الصادرة باللغات الأجنبية فتصبح العربية عائقا في طريق تكوينهم الذاتي مما يؤثر سلبا على مِهَنيتهم ويترك نقاط ضعفٍ في تكوين تلامذتهم. يحدث الاستثناء ويتحسن المستوى اللغوي  لأولاد العائلات الغنية الذين يتابعون تعليمهم الأساسي في بعض المؤسسات التربوية الخاصة باهظة الثمن والتي تعتمد البرنامج الفرنسي في تدريس اللغة الفرنسية والبرنامج الأنڤليزي في تدريس اللغة الأنڤليزية.

لنأخذ مثلا تونسيا: يبدو لي أن الطبيب التونسي الذي لا يتقن العربية الفصحى تعبيرا وكتابة لم يفقد شيئا يندم أو يتحسر عليه ولن يحس في حياته بأي نقص، يخاطب مرضاه بالدارجة أو بالفرنسية، يكتب وصْفته بالفرنسية فيقرؤها أي صيدلي من بنزرت إلى بنڤردان، يشارك في المؤتمرات ويلقي محاضراته بالفرنسية أو الأنڤليزية، يقرأ ويطّلِع على أحدث المجلات الطبية بالفرنسية، يكتب وينشر مقالاته باللغات الأجنبية، فبماذا ستساعده الفصحى لو كان يتقنها ؟ ربما بالعمل في الخليج أو إلقاء محاضرة في مؤتمر علمي عربي في السعودية أو في اليمن السعيد !

لنأخذ جدلا مثلا آخر دون تعميم غير علمي:  يبدو لي أن المثقف العربي  الذي درَس اختصاصه بالعربية الفصحى والذي قد لا يكون يتقن لغة أجنبية فلن يجد في متناوله إلا إنتاجا علميا ضحلا -هذا إن وُجِد- ومآله التقوقع داخل تاريخه العرقي والديني أو استحضار الماضي المجيد للحضارة العربية الإسلامية. وهمٌ قد يمنعه من بناء حاضره واستشراف مستقبله. كسلٌ فكريٌّ قد يُعَدّ من أحد الأسباب التي جعلت العِلم يهجر لغتنا وديارنا إذْ لم يجد في اللغة العربية وعاءً أو حاملاً فذهب يبحث عن أوعية تحمله في لغات أخرى في بلدنا أو في بلدان أجنبية.

 

Objection

Question posée à Burgat par un journaliste sur la « French Connexion Terroriste » ? Réponse de François Burgat, directeur au CNRS français

Le journaliste : Un papier écrit par deux chercheurs américains et qui a fait beaucoup parler de lui, dit : les pays qui ont produit le plus de recrues parmi Daesh sont des pays francophones : la France, la Belgique (francophone, à discuter), le Liban et la Tunisie.

Burgat : La France, quand elle a fait irruption dans l`imaginaire musulman, elle l`a violé et y a fait et laissé beaucoup plus de dégâts que les anglophones. « En France, on n`a pas élu un président noir comme aux USA et un maire musulman comme en Angleterre ». La violence symbolique que nous avons initiée dans l`imaginaire musulman est beaucoup beaucoup plus forte. Le mode d`acculturation ou de déculturation française dans les pays musulmans colonisés a été infiniment plus grande de ce qu`ont causé les anglais au Yémen ou en Egypte. L`archétype de la colonisation française a été poussé au delà des limites.

mardi 2 août 2022

حول تدريس العلوم باللغة العربية الفصحى. المفكر هاشم صالح

 

توطئة

لتكون عروبيا أكثر، عليك أن تتعلم لغة أوروبية حديثة كالألمانية أو الفرنسية أو الأنـﭬليزية !  

المصدر:

كتاب "الإسلام والانغلاق اللاهوتي"، هاشم صالح، دار الطليعة، بيروت، الطبعة الأولى 2010، 376 صفحة.

صفحة 28، هامشة 1: لا توجد في اللغة العربية مراجع كافية لكي تفهم التراث العربي الإسلامي بطريقة علمية وتاريخية جادة ومسؤولة. أكاد أقول بأن المثقف الذي لا يتقن إلا اللغة العربية أصبح شبه أمي الآن ! يؤسفني أن أقول هذا الكلام ويحز في نفسي. ولكن هذه هي الحقيقة. الكتب الاستشراقية الكبرى التي تسلط أضواء المنهج التاريخي على تراث الإسلام موجودة في اللغات الأوروبية الحديثة كالألمانية والفرنسية والإنڤليزية وليس في اللغة العربية. إنها ممنوعة في العربية حتى الآن في قسم كبير منها على الأقل. أحيانا أقول بيني وبين نفسي: لو لم أخرج إلى الغرب وأعش تجربة أوروبا لكنت قد عشت ومت من دون أن أفهم  شيئا.. كنت قد مررت في هذا العالم مرور الكرام.. كان قد فاتني كل شيء تقريبا.. أكبر جريمة تُرتكب الآن في حق  الثقافة العربية والأجيال العربية الراهنة والمقبلة هي عدم وجود مركز قومي عربي للترجمة  الشاملة، أي لنقل كل فتوحات العلم والفلسفة إلى لغتنا العربية. ما معنى أن تعيش وتموت من دون أن تستمتع بأنوار العلم والفلسفة ؟ ولا أستثني من ذلك بالطبع فلسفة الدين بل أضعها في المقدمة. فدين بدون فلسفة يؤدي غالبا إلى الانغلاق، فالظلامية العمياء.. وهنا تكمن مشكلتنا  الأساسية. هنا يكمن الداء العضال. من سيترجم ثلاثية هانز كونغ  عن المسيحية واليهودية والإسلام لكي نعرف معنى التداخل التفاعلي أو الجدلية الخلاقة بين الدين والفلسفة ؟

 


lundi 1 août 2022

لو أصبحتُ وزيرا للتربية التونسية ولن أكون ! (جزء أخير)


باب تغيير هندسة بناء المؤسسات التربوية:
قرار 1.5: على الوزارة بناء سور عال حول كل مؤسسة تربوية وتعيين حارس دائم في الباب كي يحميها من الدخلاء مثل ما هو موجود الآن بمعهد الصادقية بتونس العاصمة الذي خِلته, عند مروري أمامه لأول مرة, مجلسا للنواب لنظافته وزخرفة معماره. على الوزارة إخراج الساحة من وسط المؤسسة إلى جانبها. يخرج التلميذ من قاعة الدرس فيلتحق بالساحة الخارجية حيث توجد دار ثقافة ودار مسرح وقاعة رياضة ومكتبة كلاسيكية وأخرى رقمية وقاعة مراجعة حيث يتولى منشطون مختصون تسيير النوادي الثقافية والترفيهية القارة والمستمرة والمفتوحة على الدوام تحت إشراف وزارة الرياضة ووزارة الثقافة.
قرار 2.5: على الوزارة بناء قاعة رياضة مجهزة في كل مؤسسة تربوية فلا يعقل أن أمارس أنا في الستينات كل أنواع الرياضة داخل قاعة مغطاة في ﭬابس ويلعب أولادي في القرن 21 في ملاعب معشبة بالحشائش والأشواك البرية في برج السدرية أو لا يلعبون تماما بحجة "ملعب غير صالح مؤقتا للعب" (terrain impraticable).
6. باب العقوبات المسلطة على التلامذة:
قرار 1.6: على الوزارة إلغاء عقوبة الطرد النهائي للتلميذ. لا نستطيع تدارك الخطأ لو وقعنا فيه بعد تسليط العقوبة. نعوض عقوبة الطرد النهائي بنقلة عقاب إلى معهد بعيد عن مقر السكن يقترحها مجلس التربية بالمعهد أو غيرها من العقوبات ذات الطابع التربوي التأديبي.
قرار 2.6: إذا قدّر وحصل وبدأ المدرس بالاعتداء اللفظي أو المادي على تلميذ وردّ التلميذ بالمِثل أو أكثر فعلى الأستاذ عدم تتبع التلميذ إداريا ولا مدنيا وعليه تقديم اعتذار للولي وللإدارة لأن البادئ أظلم. كرامة الأستاذ عالية في السماء وهي أرفع من أن ينالها تلميذ متهور مهما فعل. قد يخطئ الطفل أو المراهق والشيء من مأتاه لا يُستغرب لكن على المدرس القدوة أن يعقل و يتروّي قبل اتخاذ أي إجراء تأديبي ضد أي سلوك غير حضاري يصدر عن التلميذ.
7. باب التكوين المهني:
قرار 1.7: على الوزارة إرجاع العمل بنظام التكوين المهني وتحسينه وتمكين المنتسبين إليه من اجتياز الباكلوريا ومواصلة تعليمهم العالي إن توفرت فيهم شروط التفوق. أقترح توجيه 80 في المائة من الناجحين في النوفيام إلى التعليم المهني (امتحان نهاية المرحلة الثانية من التعليم الأساسي). دولة ألمانيا, وما أدراك ما دولة ألمانيا, توجه 70 في المائة من تلامذتها إلى التعليم المهني عند نهاية مرحلة الأساسي التي تدوم عندهم 10 سنوات. إذا كانت ألمانيا المصنّعة تحتاج إلى 70 في المائة من أبنائها في المهني فنحن أحوج منها إلى نسبة أكبر لبناء دولة فتية مصنّعة.
8. باب دفتر المناداة:
قرار 1.8: على الوزارة إلغاء العمل بدفتر المناداة الذي تسبب في رفت عدد من التلامذة وتعويضه بأنترنات داخلية (Intranet). وبمثل هذه الطريقة البسيطة، يستطيع المدير في مكتبه أن يعرف فوريا كل الغيابات وتمر شبكة المعلومات عبر كل الأساتذة وقد تصل المعلومة فوريا لو أردنا إلى الأولياء المتصلين بالأنترنات وبهذه الطريقة يراقب الولي ابنه يوميا، والوقاية خير من العلاج. في 2010، قال لي مدير صديق أن الوزارة تحضِّر لتطبيق هذا النظام الرقمي قريبا، وها نحن اليوم في 2017 ولم يتغير شيئًا إلا بعض الإرساليات القصيرة عبر الهاتف.
قرار 2.8: على الوزارة تخصيص قاعة لكل اختصاص, مثلا قاعة التاريخ والجغرافيا, قاعة الفرنسية, قاعة العربية جنب المخابر العلمية. يصبح للقاعة بطاقة تعريف وهيبة واحترام. يأخذ كل أستاذ مفتاحا يفتح به القاعة ويغلقها عند الخروج فنحافظ على القاعات من الإهمال وعلى التجهيزات من الإتلاف.
قرار 3.8: على المتفقد- إن بقيَ كمؤسسة في النظام التربوي التونسي - أن يعلم مسبقا المدرس المقصود بتوقيت زيارته. من حق المدرس المعنِي أن يطلب زميلا مرافقا إجبارييا للمتفقد. يكون هذا المرافق من رتبة المدرس الخبير في نفس الاختصاص ومن أي مؤسسة. لا يسند المتفقد أي عدد تقييمي اعتباطي بل يوجه وبكل لطف المدرس المعني بالتقويم إلى تكوين أكاديمي في معرفة ظهر أنه يفتقدها. هذا التكوين يوفره له مركز التكوين على أيدي مكونِين مختصين في الميدان (أساتذة جامعيين أو مدرس خبير أو خبير في ميدان خارج عن التعليم مثل المهندسين والأطباء) وليس على أيدي مدرسين عاديين مكلفين بالتكوين وهم غير متكونين في موضوع التكوين. على الوزارة إرساء تفقد علمي وموضوعي وليس تفقدا فجائيا أو بوليسيا. مع الإشارة إلى أن المتفقد والمدرس لم يدرسا علم التقييم في الجامعة فالاثنان في نقص التكوين سواء، ومن يقيّم دون علم تقييم كمن يزن دون ميزان.
9. باب الإعلامية أو علوم الحاسوب أو "الباب الافتراضي":
قرار 1.9: على الوزارة تعميم الإعلامية أو التكنولوجيات الحديثة ( استعمال الحاسوب والسبورة الرقمية التفاعلية) على كل مراحل التعليم والتركيز على الابتدائي قبل الإعدادي والثانوي لِما تمثله هذه التجهيزات من تحفيز للصغار. تعميم التدريس بواسطة التكنولوجيات الحديثة على كل المواد العلمية والإنسانية.
قرار 2.9: على الوزارة تخصيص معاهد مهنية جهوية تهتم بتدريس مسلك علوم الإعلامية فقط.
10. باب المساواة بين المدرّس والمدرّسة:
قرار 1.10: على الوزارة احترام مبدأ تكافؤ الفرص بين المرأة والرجل ومبدأ التمييز الإيجابي لصالح المرأة في المؤسسات التربوية وانتداب 50 في المائة من كل جنس في كل المستويات وصولا للوزير فمرّة وزيرة للتربية التونسية ومرة وزير. تمتيع الأب بحقه في عطلة الأمومة بأجر كامل وبنصف أجر بالتناوب مع الأم إن كانت تشتغل خارج البيت وتمتيعه أيضا وبالتناوب بحقه في ساعة الرضاعة (Au biberon).
11. باب اقتسام المسؤولية:
قرار 1.11: لو ساءت ظروف العمل في مؤسسة تربوية ما, فعلى الجميع, مدرسين وعملة وتلامذة وأولياء وإدارة, تحمل المسؤولية وحل الإشكال فيما بينهم دون انتظار الحل طويلا من الوزارة.
12. باب الحزم المفيد للتلميذ:
قرار1.12: على الوزارة التوصية بالحزم مع التلامذة لأن التسامح المبالغ فيه وغياب السلطة يمثل نوعا من سوء المعاملة للطفل (L`absence d`autorité chez les enfants est une forme de maltraitance). الحزم لا يعني تشديد العقوبات بل يعني الانضباط والوقاية قبل ارتكاب التلميذ لسلوك غير حضاري.
13. باب مفتوح:
قرار 1.13: على الوزارة تعيين يوم ثانٍ مخصص لاستقبال الأولياء لا للسؤال عن نتائج أبنائهم وإنما للاطلاع على ما يدرُس أبناؤهم وأقترح أن نسمّيه "يوم مدرسي مفتوح على المجتمع". يخرج التلامذة من قاعاتهم المغلقة إلى الساحة حيث يعرضون بعض التجارب العلمية على جمهور الأولياء أو يفسرون بعض النظريات الفلسفية أو يقرؤون بعض القصائد الشعرية. سوق علمية ثقافية قد تُقرِّب الولي من المعرفة التي يتعلمها ابنه وقد سبق لي وأن شاهدتُ هذه التجربة بأم عيني في معهد في نانسي بفرنسا عام 2000.
14. باب الخيال العلمي التونسي:
قرار 1.14: على الوزارة توفير سيارة صغيرة وحافلة متوسطة لكل مؤسسة تربوية. نستعمل السيارة الصغيرة لقضاء احتياجات المؤسسة العاجلة والطارئة أما الحافلة فنستغلها في الرحلات الدراسية والترفيهية. يبرمج كل مدرس طلباته: مدرس علوم الحياة والأرض يروم هو وتلامذته زيارة حديقة "إشكل" ببنزرت لمشاهدة الطيور المهاجرة عن قرب, مدرس التاريخ يرغب في زيارة "قصر الجم", مدرس الفيزياء يريد زيارة مدينة العلوم.
قرار 2.14: قبل تاريخ الرجوع إلى الدراسة, يتصل التلامذة افتراضيا أو رقميا بمؤسساتهم فيتعرفون مسبقا على مدرسيهم, كل من خلال سيرته الذاتية المنشورة على الـنت. يختار التلميذ قسمَه ومدرّسَه في كل اختصاص ويدوِّنه في موقع المؤسسة. يتصل المدرس أيضا ويعرف تلامذته ويختار أقسامه. ينسق المجلس البيداغوجي بين رغبات التلامذة ورغبات مدرسيهم ويحاول التوفيق بينهما ويُلبِّي قدر المستطاع رغبات الشريكين في العملية التربوية.
قرار 3.14: على الوزارة توفير اثنين أو ثلاثة مدرسين من نفس الاختصاص في القاعة الواحدة في نفس الحصة حتى يختار التلميذ مع مَن يريد أن يتعامل أثناء الحصة وبهذه الطريقة نقضي على بطالة أصحاب الشهائد ونستفيد من طاقاتنا البشرية التي صرفنا عليها الكثير.
قرار 4.14: للتلميذ الحق في مغادرة الحصة والقاعة متى شاء وله حرية اختيار الالتحاق بقاعة أخرى مع مدرس آخر في مادة أخرى. لا تستغربوا من هذا القرار فهو ليس طوباويا كما قد يتراءى لكم لأول وهلة فقد كان الكاتب المصري العظيم طه حسين يفعل هكذا في جامع الأزهر في أوائل القرن العشرين. كانت تُقام في الجامع حلقات متباعدة ومتعددة الاختصاصات من نحوٍ وشعرٍ وفقهٍ يسيّرها شيوخ علم. كان طه حسين يستمع إلى شيخ اللغة وعندما يسأم التعقيد اللغوي يأخذ محفظته بصمت وأدب ويغادر الحلقة متجها إلى حلقة الشعر حيث الخيال والغزل العذري ثم يعود بعد الترفيه ليواصل الإنصات مع التركيز لمدرس الأدب. لا يمس هذا التصرف الحر من كرامة المدرس ولا يخل باللياقة والأدب وإلا لَما فعلها عميد الأدب العربي. على العكس من ذلك قد يحفّز هذا التصرف التلميذ على اكتساب المعرفة التي يرغب فيها ويميل إليها ويوجه نفسه بنفسه نحو المسلك التعليمي المطلوب (أدبي أو علمي أو اقتصادي) كما تدعو وزارتنا اليوم إلى ذلك في التوجيه المدرسي لتلامذة السنة الأولى ثانوي (أربع سنوات قبل الباكلوريا).
قرار 5.14: على الوزارة أن تنشر, بطاقة مواظبة التلميذ وأعداده وملاحظات مدرسيه, فوريا على شبكة رقمية داخلية سرية لا يطلع عليها إلا المعنيون بالأمر من أولياء ومدرسين وإدارة. كل ولي يطلع فقط على نتائج ابنه بواسطة كلمة سر فيستفيد من هذه المعلومات الرقمية التقييمية ويستغلها في تربية ابنه أو ابنته.
قرار 6.14: على الوزارة تجهيز كل قاعة درس بحواسيب وسبورات رقمية تفاعلية. إذا رغب المدرس, يمكن ربط قاعة الدرس بالنت بواسطة كاميرا حتى يتابع التلميذ المريض الغائب درسه من سريره في منزله أو في المستشفى. يستطيع أن يستغل هذه التقنية التلميذ الذي لم يفهم الدرس في القسم فيعيده في البيت مرة أو مرتين حسب قدراته الذهنية وهنا تتجسم البيداغوجيا الفارقية بفضل التكنولوجيات الحديثة.
15. باب الاستشراف المستقبلي المحلي والعالمي:
قرار 1.15: على الوزارة استشراف مستقبل التعليم في تونس والتحضير للمرحلة القادمة 2100 حيث سينقرض نظام التعليم في صيغته الحالية وتتطور المؤسسة التربوية الحالية ويختفي التلميذ الكلاسيكي والمدرس الكلاسيكي المباشر ليتركا مكانهما لتلامذة حقيقيين يتعلمون عبر الأنترنات ومدرسين من لحم ودم يبرمجون ويقدمون دروسهم عبر الأنترنات. يحكى أن في ماليزيا, البلد الإسلامي الوحيد المتقدم نسبيا, توجد جامعة افتراضية تضم 40 ألف طالب لا يأتون إلى الجامعة إلا لِماما لمتابعة دروس تطبيقية أو لإجراء الامتحانات في آخر السنة الدراسية. لا تستخفون بالتعليم الافتراضي فسائق الطائرة يتدرب افتراضيا قبل أن يطير فعليا ومن حسن حظنا أن الطبيب الجراح يجرّح افتراضيا قبل أن يجرّح المريض فعليا.
قرار 2.15: عدم الفصل في كل مراحل التعليم بين مجال العلونم الإنسانية ومجال العلوم التجريبية والصحيحة وذلك بتدريس المواد القناظر للمجالين الاثنين, مثل مواد العلوم الطبيعية والإكولوجبا والأنتروبولوجيا وعلوم التاريخ والجغرافيا وعلم الإحصائيات حتى نخرّج علماء مثقفين ومثفين مطلعين على العلم.

خلاصة:
يُعتبر التعليم التونسي والتعليم الأردني من أحسن الأنظمة التعليمية في الوطن العربي وفي الوقت نفسه يُعتبر التعليم التونسي من أسوأ الأنظمة التعليمية لو قارناه بأنظمة التعليم في الدول الغربية المتقدمة. أما قدوتنا، التعليم الفرنسي فيُعتبر من أسوأ الأنظمة التعليمية في أوروبا وفي المقابل يُعدُّ التعليم الفنلندي والألماني من أفضلهم. يبدو لي أن المقارنة بالأحسن أفضل وأجدى وأرفع من المقارنة بالأسوأ.