mercredi 5 octobre 2022

مخ المرأة ليس أقلّ من مخ الرجل و ليس مماثلا له. مواطن العالم

 

 

أنطلق في هذا المقال من بحث أجريته عام 2000 علي عينة تونسيّة تتكوّن من 275 شخص، مستوي تعليم عال.  أبدأ أوّلا بموضوع من مواضيع هذا البحث   حيث توصّلت إلي النتائج المتواضعة التالية:  33% من الأشخاص المستجوبين يعتقدون خطأ أن وزن مخ المرأة أقلّ من وزن مخ الرجل.

 

من المرجّح أن يرجع أصل هذه التصوّرات غير العلمية الراسخة في أذهان أفراد العيّنة إلي دراستهم الثانوية التي تعتمد على أعمال العالم الفرنسي"بروكا", مكتشف مركز الكلام في المخ ( Le langage),  أو إلي غياب تدريس تاريخ العلوم في الاختصاصات العلميّة بالمعاهد والجامعات، ومن لم يدرس الإبستومولوجيا، لا يري أخطاء العلماء عند بناء علمهم.

 

في سنة 1861، وَزَنَ العالم الفرنسي "بول بروكا" أمخاخ مجموعة من الرجال و النساء، فوجد أن مخ المرأة اقلّ وزنا من مخ الرجل. استنتج "بروكا" علاقة سببية لكنها غير علمية بين النتيجة العلمية الّتي توصّل إليها و ظاهرة "نقص الذكاء المكتسب" عند المرأة.

 

بعد 120 سنة، وفي كتابه " القياس الخاطئ للإنسان" ( la mal-mesure  أعاد عالم الأحافير (Les fossiles) الأمريكي "ستيفن جاي ولد" النّظر في أعمال بروكا فوجد أنّ معدّل وزن المخ عند الذكور يساوي 1325 غرام، وعند الإناث 1144، فليكن الفارق بينهما 181 غرام.

 

فنّد "ولد" هشاشة استنتاجات بروكا شبه العلمية وقال:"ينقص وزن المخ مع العمر،  وفي عيّنة بروكا النساء أكبر سنّا من الرجال"، ثم أضاف: "يكبر حجم ووزن المخ تناسبيّا مع القامة وفي عيّنة بروكا الرجال أطول من النساء 15  سنتمترا".

 

أعاد "ولد " تحليل معطيات بروكا فوجد أنّ الفارق في وزن المخّ،  بين رجل قامته 1.62 متر وآخر قامته  1.93، يساوي 113 غرام ورغم هذا الفارق الكبير بينهما فلا أحد يفكّر في اعتبار الرّجل الطّويل أكثر ذكاء من القصير، ولو كان الذكاء مرتبطًا بالوزن لكان حوت العنبر وهو من الثدييات البحرية أذكى مخلوق على الأرض لأن مخه يزن 10 كيلوغرام.

 

أثبت "ولد" أن الاختلاف في الوزن لا علاقة له بالجنس، بل يتبع الاختلاف في القامة و العمر، لكن وبعد مرور أكثر من قرن على اكتشاف "بروكا"، فما زالت الاعتقادات الـ"بروكية" غير العلمية تؤثّر في أجيال المتعلّمين.

 

ليس من السهل الخروج من هذا المأزق وتمرير موقف علمي من هذه التصوّرات الـ"بروكية" غير العلمية الّتي قد تؤدّي في جل الأحيان إلي أفكار تقلّل من ذكاء المرأة في المجتمع. من البديهي أنّ الأفكار المبنية علي معلومات غير علمية، تكون أكيدا خاطئة، لكن إصلاح المعلومة العلمية لا يعني بالضرورة تغيير هذه الأفكار الناتجة عنها، وفي كلّ الحالات يبدو أن الذكاء لا علاقة له بالوزن أو الحجم بل له علاقة بالشّبكات العصبيّة الّتي يبنيها المخ في تفاعله مع التجارب الّتي يعيشها الإنسان أثناء حياته اليومية (les synapses).

 

تتكوّن الشّبكة العصبيّة الواحدة (un réseau neuronal) من مجموعة من الخلايا العصبيّة المخية التي تتصل في ما بينها و تتعاون للقيام بمهمّة معيّنة، مثلا مهمة "تهريب اليد عند لمس النار".  خذ مثلا: شقيقان توأمان حقيقيان في ملجأ أيتام (les deux sont issus de la fécondation d’un seul ovule par un seul spermatozoïde)، تبنّتهما عائلتان مختلفتان، واحد منهما أصبح مهندسا والآخر طبيبا. اذا قمنا بتشريح مخيّهما، بعد موتهما الطّبيعي،  فسنجد شبكات مخ الطّبيب تختلف عن شبكات مخ المهندس رغم تماثلهما الكامل في الوزن والحجم وعدد الخلايا وطبيعة الجينات الوراثية. 

 

من الطبيعي جدا إذن أن نجد فروقا بين شبكات مخ المرأة وشبكات مخ الرجل لأن المرأة عادة ما تمكث في البيت والرجل يسافر، والمرأة تطبخ و الرجل يقرأ الصحف، والمرأة تُزوّج والرجل يتزوّج، والمرأة تحبل والرجل لا يحبل، الخ... وشيئا فشيئا مخ كل واحد منهما يختلف عن الآخر في تشعّب شبكاته ويلعب التقسيم الاجتماعي والتاريخي بين المرأة والرجل دورا في تكوين أمخاخ مختلفة تفرز بدورها أفكارًا مختلفة، فالمخ يؤثّر في السّلوك والسلوك يؤثّر في المخ ويترك عليه بصمات بيولوجية مجهرية.  مع العلم أنّ تشعب هذه الشبكات العصبية المخية  لا يزيد تناسبيّا مع وزن المخ، ومخ العصافير أكبر دليل علي ذلك فرغم صغر حجمه فهو يحتوي علي شبكات خلوية عصبية مخية معقّدة جدّا ذات كفاءة عالية، في التغريد مثلا. 

 

الأفكار المختلفة عند المرأة والرجل ليست معلّقة في الهواء ولا نازلة من السّماء، بل هي وليدة عمل مليارات الشّبكات الّتي تبنيها خلايا المادّة الشخمة في القشرة المخيّة. ينتج نضوج المخ عن تفاعلات الموروث مع المكتسب. لن يصل ذكاء القرد إلي ذكاء الإنسان حتى لو وُضِعَ في محيط بشريّ لأنّه ببساطة لم يرث مخ إنسان منذ البداية.

 

خلاصة القول:

مخ المرأة ليس أقلّ من مخ الرجل وليس مماثلا له، والتصوّرات غير العلمية لا تتغيّر بعصا سحريّة، ولا "بِكُنْ فيكون"، ولا بالعنف الثوريّ أو الرجعيّ، ولا أوتوماتيكيا بتصحيح المعلومات غير العلمية، والدليل فالمعلومة العلمية الصحيحة متوفرة في كتاب السنة الرابعة علوم تجريبية، وهي تقول حرفيا: "يتغير وزن المخ حسب وزن الجسم". هذه التصوّرات غير العلمية تنتقل من جيل إلي جيل عبر الموروث الثّقافي المكتسب، وفي كلّ جيل تترك بصمات بيولوجيّة في المخّ علي شكل  شبكات عصبيّة حاملة للفكر والتفكير. بعض العبارات الشعبيّة المتوارثة مثل "الرأس الكبير للتدبير" أو نعت الأغبياء "بمخّ العصافير" تدلّ علي طول عمر هذه التصوّرات غير العلمية و صلابتها و تجذّرها في المجتمع. 

 

أنهِي هذا المقال بطرح الإشكالية التالية: كيف نغيّر هذه التصوّرات غير العلمية التي تبيح حقوقا للرجال وتمنعها عن النساء حسب حجم الجمجمة  لدى الجنسين ؟

 

إمضائي

"الذهن غير المتقلّب غير حرّ".

لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه. عبد الله العروي.

يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه ويثقوا في خطابه أما أنا  واقتداء بالمنهج العلمي فأرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات وأنتظر منهم النقد المفيد.

لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة والبراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى وعلى كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف اللفظي أو المادي أو الرمزي.

"الكاتب منعزل إذا لم يكن له قارئ ناقد".

عزيزي القارئ, عزيزتي القارئة، أنا لست داعية فكري ولا سياسي, أنا مواطن عادي مثلك، أعرض عليك  وجهة نظري المتواضعة والمختلفة عن السائد, إن تبنيتها, أكون سعيدا جدا, وإن نقدتها, أكون أسعد لأنك ستثريها بإضافة ما عجزت أنا عن إدراكه, وإن عارضتها  فيشرّفني أن يصبح لفكرتي معارضين.

البديل يُصنع بيني وبينك، البديل لا يُهدى ولا يُستورد ولا ينزل من السماء (قال تعالى: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) وواهم أو ديكتاتور من يتصور أنه يملك البديل جاهزا.

الفيلسوف هنري أتلان قال: "الصدقة في الحوار؟ أن لا تحتقر مسبقًا ذكاء محاورك حتى ينقلب صدام الأفكار إلى تعايش يمكّن كل واحد من أن يحرز تقدما في دائرة ذكائه".

 

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 27 نوفمبر 2008.

 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire