mercredi 5 octobre 2022

لو لم تختلف الذوات والعقول والآراء لانعدمت الدلالة ومات المعنى ولَسيطر الخواء والاستبداد. علي حرب

 

كتاب "خطاب الهوية. سيرة فكرية"، علي حرب، الطبعة الأولى 1996، دار الكنوز الأدبية، بيروت لبنان، 176 صفحة.

نص علي حرب:

صفحة 43: فاتضح له أن لا تستقيم هوية للأنا من دون الآخر، وأن الوعي بالذات يمر بالضرورة عبر الغير، وأيقن أن الآخر حاضر في الذات بقدر ما هو غائب، وقريب بقدر ما هو بعيد. إذ الغير هو الوجه الباطن لنا وهو ما كنّاه أو ما يمكن أن نكونه. واستقر عنده أن لا تشابه بإطلاق ولا تباين بإطلاق.

وعند ذلك تبدلت نظرته للمغايرة والاختلاف وأدرك أن الاختلاف هو الأصل في يقظة الوعي وتجدد الفكر وتطور الحياة. وتأيد ذلك عنده بما نطقت به الآية في صدد الاختلاف: "إن في اختلاف ألسنتكم وألوانكم لآيات للعالمين"، وغيرها من الآيات التي تتحدث عن اختلاف الشعوب والقبائل، واختلاف الذكر والأنثى، واختلاف الليل والنهار. فتفكر في معاني تلك الآيات وحاول قراءتها من جديد. فانكشف له أن الاختلاف يولد المعنى ويخلق الدلالة. فلو لم تتميز الأشياء بعضها عن بعض، لما كان ثمة إمكان لمعرفة شيء. ولو لم تتبدل الأشياء وتتغاير لما كان ثمة تجدد وتطور. وما لم يختلف الناس بعضهم عن بعضهم في أجناسهم وألوانهم وألسنتهم، لما كان ثمة إمكان للتعارف. ولو لم تختلف الذكورة والأنوثة لانتفت الغرابة والدهشة ولحلّت التفاهة والبلادة. ولو لم تختلف الذوات والعقول والآراء، لانعدمت الدلالة ومات المعنى ولَسيطر الخواء والاستبداد. فأيقن عندئذ أن الاختلاف آية من آيات الخلق وسبيل إلى التجدد والتطور وأداة للتعارف، وأن به تتولد الدلالة وينبجس المعنى. وهو نعمة ورحمة.

 

 


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire