mardi 4 octobre 2022

ما من طاعة إلا ووراءها معصية ! علي حرب

 

 

كتاب "خطاب الهوية. سيرة فكرية" لعلي حرب، الطبعة الأولى 1996، دار الكنوز الأدبية، بيروت لبنان، 176 صفحة.

نص علي حرب:

صفحة 105: وتحقق له عندئذ أن ما ينفيه الإنسان من نفسه يبقى فيها ولا يفارقها. ورأى أن في داخل كل واحد يقيم جاحد وضال وفاجر. والجحود والضلالة والفجور على اتصال وثيق بالإيمان و الهداية والتقى. فهي ليست أضدادها بل وجوهها الباطنة وهيئاتها الخبيثة. ذلك أن الضد من شأنه إذا وجد أن يفسد ضده. والحال فإن التقى لا قوام له من دون الفجور، فالإنسان إنما يتقي ربه من نفسه، أي مما ينبعث فيها من ميل إلى الكفر والعصيان، ومما تُوسوس به وتُحدّث. ولو انعدم الفجور لما وجد التقى. إذ ما هو الشيء الذي ينبغي للمرء أن يتقي ربه منه، بل نفسه، فيحميها من خطرها، إن لم يكن فجوره، أي انفجار مكبوته وانبساط باطنه. وإذا كان التقى، بما هو هيئة فاضلة للنفس، يبدو وكأنه نقيض الفجور، بما هو نقص ورذيلة، فإن التقى لا يزيل الفجور بل يخفيه ويستره، أو يلجمه ويكبّله. فالفجور من الانفجار كما في الوضع اللغوي. وعليه فالتقوى لِجام يضبط به الإنسان فجوره ولباس يواري به معصيته. ولهذا، قال الحلاج: ما من طاعة إلا ووراءها معصية... فبالتقى يتقي الإنسان في ظاهره ما في باطنه. فهو تقوى من جهة، أي خوف وخشية، وهو وقاية من جهة ثانية، أي حماية وستر. وعند ذلك أيقن مما كان قد افترضه، أي القول بأن الإنسان ليس إلا هذا التستر على عوراته وعيوبه.

هكذا، اتضح  له أن الإنسان يبدل أقنعة ويتبدل بين أزمنته، فيتقلب بين الظاهر والباطن ويتأرجح بين الأول والآخر ويتردد بين المكشوف والمحجوب. وخلص من ذلك إلى القول بأن مَن نتهمهم بالضلالة والشرك والفجور هم الوجه الآخر لنا، وأن اختلافنا عن الغير هو في الحقيقة اختلافنا عن أنفسنا، فما نكرهه فيه كامن فينا، وما يعجبنا من أنفسنا قابع فيه. فهو بعضنا ونحن بعض منه. وهو شطرنا الإنساني. إنه ما كنّاه أو كان يمكن أن نكونه أو ما قد نكونه. وما وصفناه بوصف إلا كنّا ذلك الوصف.

 

تعليق المؤلف محمد كشكار

قرآن: "وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا".

توْصِيفٌ عِلْمِيٌّ لـ"النفس الأمّارَة بالسوء" ؟

 

السؤال العام: أين تَسْكُنُ "النفس الأمّارَة بالسوء" داخل جسم الإنسان ؟

 

الجواب العلمي (حسب اجتهادي المتواضع): من حسن حظنا أنها تتقاسم السكن مع "النفس الأمّارَة بالخير" داخل كل خلية بشرية من خلايانا وعددها يقارب 100 ألف مليار. إن النفسَين المتناقضتَن والمتخاصمتَين باستمرار، هما ببساطة مجموع جيناتنا وعددها يقارب 25 ألف في كل خلية (Et c’est notre ADN).

المفارقة الكبرَى أن جيناتَنا جُبِلت على الخير والشر في نفس الوقت (Nos gènes ont été sélectionnés naturellement pendant des millions d’années).

 

ما هو عملُ الخير؟

هو التضامن والحب والإيثار والتسامح والعفو والكرم الذين قد يكون يكنّهم فردٌ إلى أعضاء مجموعته، مجموعة غير ثابتة أي تتغير حسب المحيط (المكان، الزمان، السنّ، الإرث الصحي والمالي والثقافي والرمزي والاجتماعي، الحالة الصحية والمادية والنفسية والاجتماعية، إلخ.)، أي يكنّهم للمجموعةُ التي ينتمي لها هذا الفردُ، هي مجموعةٌ قد تتسع وتضيق حسب الظروف الطارئة، وقد تكون العائلة الضيقة أو العائلة الموسعة أو القبيلة أو الحي أو البلدة أو الجهة أو البلاد أو الأمة أو اللغة أو الدين أو الثقافة أو القومية أو العِرق أو الإيديولوجيا أو الحزب أو النقابة، إلخ.

 

ما هو عملُ الشر (أو السوء) ؟

هو التنافس، العدوانية، الأنانية والجشع والإقصاء والعنصرية والتباغض الذين قد يكون يُضمرهم فردٌ من مجموعة "أ" نحو فردٍ أو أفراد من مجموعة "ب".  هذه المجموعة "ب" قد تتجسد بالنسبة لنا في الأجنبي أو الغربي أو اليهودي أو الملحد أو المختلف عنّا عمومًا.

 

كيف نكسر من شوكة "النفس الأمّارَة بالسوء" ونقوّي من شوكة "النفس الأمّارَة بالخير" ؟

لا سبيلَ إلى ذلك إلا بِشنِّ حربٍ على الأولى بمساعدة الثانية (المعضلة أن الاثنتَين موجودتان في شخصٍ واحدٍ)، حرب لا صلح فيها ولا مصالحة، حربٍ أسلحتها الوحيدة هي التربية والتعليم والصبر والرضا بالقدر، حرب لا منتصرَ نهائيَّا فيها، وللأسف الشديد هي حربٌ تتجدد مع كل مولودٍ جديدٍ، لأن الجينات (ADN) تتجدد بالوراثة، لكن "مقاومةَ شرّها أو تقويةَ خيرها" فهما صفتان مكتسبتان أو لا تكونان ! لذلك لا نهضةَ لشعبٍ إلا عن طريق التربية (L’Éducation) ولا طريقًا آخرَ متاحًا اليومَ غيرها.

سُئل مرة مؤرّخ الثورة الفرنسية، جول ميشلي (1798-1814):

- ما هي أول مرحلة في السياسة ؟

- فأجاب: التربية. وما هي الثانية ؟ فأضاف: التربية. وما هي الثالثة ؟ فأردف: التربية.

 

 

Conclusion de Christian de Duve, Prix Nobel de médecine en  1974, Un biologiste et moraliste :

Les individus humains ont été sélectionnés naturellement à travers des millions d’années pour être solidaires (أي النفس الأمّارَة بالخير), solidaires à l’intérieur de leur groupe  (famille, nation, religion, idéologie, paradigme scientifique, système philosophique, langue, parti politique, syndicat, etc.), hostiles (أي النفس الأمّارَة بالسوء), hostiles envers les autres groupes   (nation étrangère, religion différente, langue différente, paradigme scientifique différent, système philosophique différent, culture différente, parti politique adverse, etc.).

 

خاتمة:

لذلك نلاحظ أن الشر لم ينقرض من الأرض (الحرب، الفساد، السرقة، الكذب، الغدر، الخيانة، الإجرام، إلخ.) ولن ينقرض مادام يُتوارَثُ في الجينات، ولا قدرة لنا عليه، هو قَدَرُنا المشئوم والمحتوم، لكن علينا الحدّ من سلبياته عن طريق التربية والتعليم. نلاحظ أيضًا أن الخير لم ينقرض من الأرض (التعاون، الرحمة، الحب، إلخ.) ولن ينقرض مادام يُتوارَثُ في الجينات أيضًا، نرحّب به، قَدَرُنا المحمود والمحتوم، وعلينا تنميته عن طريق التربية والتعليم أيضًا.

 

Ma source d’inspiration: Génétique du péché originel. Le poids du passé sur l`avenir de la vie. Christian de Duve (Prix Nobel de médecine en  1974, Un biologiste et moraliste), Editions Poches Odile Jacob, Paris, 2017, 240 pages.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire