mardi 25 octobre 2022

"معجزات" علماء "ما فوق الوراثي" أو علم "التخلّق". ترجمة وتأثيث مواطن العالَم

 

مثال عدد 1:

سمكة فاقدة العينين والنظرْ، أرجعوا لها عينيها والبصرْ !:

أقدّم لكم اليومَ طَبَقًا علميًّا دسمًا، ولو لم أجد سامعًا في البشرْ، لن أصمتَ وسوف أخاطب مُكرهًا الحجرْ ! أقدّم لكم اليومَ مثالاً رائعًا وواضحًا على قدرة العلماء على النفاذِ لمعلومةٍ مهمةٍ محفوظةٍ داخل الجينات منذ آلاف السنين. جينات العيون عند سمكة "أستيناكس المكسيكية" (Astynax mexicanus)، جينات لم تشتغل منذ ما يقارب 30.000 سنة، أي لم تُفعِّل برنامج خلق العينين التي تحويه على نحوٍ رمزي، أي لم  تشغل الآليات الخلوية (ARNm, ribosomes, enzymes, etc) لصُنع البروتينات الضرورية لتكوين عينين ترى بهما، وذلك بفعل آليات فوق جينية (Un code génétique intact inhibé par des mécanismes épigénétiques au niveau de la méthylation de l’ADN)، برنامج عُطِّلَ لأن هذا النوع من السمك لا يحتاج للإبصار داخل بيئته الاستثنائية (son umwelt exceptionnel)، حيث يعيش في أعماق الكهوف المظلمة.

هذه السمكة (أو "فأر" تجارب العلماء)، طلعت لها ابنة عم أسعفتها الصدفة (le hasard) أن تعيش وسط بيئة مختلفة، تعيش في جداولَ على سطح البسيطة، لذلك شغّلت هذه الفصيلة جيناتها المماثلة لابنة عمها فاقدة العينين، وصنعت عينين كبقية خَلق الله. لا تقلقوا.. خرافتنا ما زالت متواصلة...

جاء دورُ العلماء، أحبتي أصحاب "المعجزات"، أسيادي أولياء الله الصالحين أصحاب الكرامات والإشراقات النورانية، أئمتي وورثة الأنبياء، يغفر الله لهم ما تقدم من ذنبهم وما تأخر ! جاؤوا وأرجعوا لـ"المخلوقة قليلة الوالي" (سمكة "أستيناكس المكسيكية" Astynax mexicanus)  عينيها ونظرها بعد عَماءٍ دام قرابة  30.000 سنة.

كيف؟

التجربة بسيطة جدًّا ومنطقية جدًّا وما يشاء العلماء إلاما يشاء الله وما تشاء السمكة ! هم لم يفعلوا في الواقع شيئًا (أو قُلْ فعلوا كل شيء !): أيقظوا جيناتها البصرية المنوَّمة منذ ما يقارب 30.000 سنة.  جيناتها التي قُمِعت ومُنِعت من تفعيل برنامجها الجيني. مَن قَمَعَهَا ولماذا ؟ قَمَعَتْها آليات فوق جينية (mécanismes épigénétiques : méthylation)، قَمَعَتْها لأن هذه الفصيلة لا تحتاج للإبصار داخل بيئتها (son umwelt exceptionnel)، حيث تعيش في أعماق الكهوف المظلمة.

 

العِبرة: هذا دليل مادي تجريبي محسوس على أن البرنامج المكتوب رمزيًّا في الجينات (Un code génétique, A, T, C, G et U) ليس برنامجًا حتميَّ التطبيق، وأن الجيني الموروث يخضع في أكثر الأحوال لأهواء وصُدَفِ آليات فوق وراثية أو فوق جينية مكتسبة، و"لو تعلقت هِمّة الباحث بما وراء الجينات لَنَالَه "( "حديث" لمواطن العالَم) !

 

مثال عدد 2:

علماء "فوق الوراثي" (les biologistes de l’épigénétique)  أنتجوا فوق-أدوية  (des épimédicaments) مضادّة للسرطان ويَعِدُون بتحسينها واكتشاف ما أفضل منها لاستعمالها في العلاج الكيميائي (la chimiothérapie). ترجمة وتأثيث مواطن العالَم (La revue « La Recherche », juin 2019 - N° 548, p. 39).

أبدأ بتقديم تعريف مبسط جدًّا للخلية السرطانية، تعريف قد يُفيد غير المختصين لكنه لا يُعدّ مصدرًا للباحثين

(par contre, la revue « La Recherche » est une référence fiable pour les chercheurs) :

 جل خلايا جسمنا خلايا متخصصة (des cellules différenciées)، مِثل الخلايا العضلية، الخلايا الدموية، الخلايا العصبية، إلخ. وهي خلايا تتكاثر حسب قوانين النظام العام للجسم ولا تخرج عن تناسقه المميز للنوع (l’organisation générale du corps humain et son harmonisation typique) وذلك من أجل صيانة الجسم وترميمه عند العطب (كَسْر، نزيف، جرح، إلخ.).

أما الخلية السرطانية فهي ليست خلية متخصصة أو الأحرى خلية فقدت تخصصها (une cellule dédifférenciée) لأسباب نجهلها وأخرى نعرفها (قد يقع خلل جيني في تركيبة الحامض النووي تحت تأثير الإشعاع النووي أو المواد الكيميائية الملوِّنة أوالملوثة أو بعض الفيروسات، إلخ.). خلية فقدت تخصصها ورجعت إلى حالتها الجنينية (son état embryonnaire)، ثم شرعت تتكاثر بصفة عشوائية ومكثفة دون الخضوع لقوانين النظام العام للجسم، هي خلية فوضوية متمردة (Une cellule anarchiste rebelle ).

ماذا فعل علماء "فوق الوراثي" (les biologistes de l’épigénétique)  للحدّ من التكاثر العشوائي للخلية السرطانية المجنونة ؟ فعلو الكثير، وما زالْ.. ما زالْ...

هباءةُ الحامض النووي (la molécule d’ADN) هباءةٌ تتميز عن الهباءات الأخرى بخاصيات فيزيو-كيميائية (« dire qu’elle est une molécule vivante n’explique rien » Henri Atlan)، ميزةٌ مكّنتها من قدرة استثنائية، وهي القدرة على صُنعِ نفسها بنفسها (la réplication de l’ADN)، قدرة ضرورية لتحقيق انقسام الخلية إلى خليتين ومن ثَمَّ تكاثرها(la multiplication cellulaire) . وللقيام بهذه المهمة الحياتية تحتاج الخلية إلى "مواد بناء" من نوع خاص، وعلى سبيل الذكر لا الحصر، أسمّي أربعة منها وهي الهباءات التالية:

Quatre molécules (quatre bases nucléiques ou bases azotées) : Adénine, Cytosine, Guanine, Thymine.

فكّر علماء "فوق الوراثي" (les biologistes de l’épigénétique)  في كيفية تعطيل انقسام الخلية السرطانية للحد من نموّ الورم الخبيث فتوصلوا إلى الحيلة التالية (يمكر السرطان ويتخابث العلم والعلم خير الماكرين):

صنعوا في المخبر هباءةً (une molécule) وسمّوها (azacytosine)، هباءةً مصنّعة مشابهة في شكلها (sa configuration dans l’espace) لهباءة الخلية الطبيعية المسماة (Cytosine)، فوقعت الخلية السرطانية في الفخ العلمي الذي نُصِبَ لها بذكاءٍ. أخذتها الخلية السرطانية على أنها  الهباءة الطبيعية (Cytosine)، استعملتها وأدمجتها في تركيبة الهباءة النسخة (un brin ADN ou copie non fonctionnel). النتيجة: هباءة الحامض النووي البنت أو النسخة فقدت القدرة على صنع نفسها بنفسها، وعجزت الخلية السرطانية عن الانقسام والتكاثر فتوقف نمو الورم الخبيث والحمد لله.

صحيح، لم يقض علماء "فوق الوراثي" على مرض السرطان، لكنهم نجحوا في الحد من انتشاره بفضل حقن فوق-أدوية (des épimédicaments) مضادّة للسرطان ويَعِدُون بتحسينها واكتشاف ما أفضل منها لاستعمالها في العلاج الكيميائي (la chimiothérapie).

 

مثال 3:

العنصر المساعد والواعد طبيًّا الذي يتوفّر في علم "فوق الوراثي" عنصرٌ مهم جدًّا وقد لا نجده في غيره من علوم الحياة. عنصرٌ يؤكد أن البصمات المكتسبة (les marques épigénétiques) الذي تتركها الآليات فوق-وراثية (les mécanismes épigénétiques sur les gènes et les histones de l’ADN : méthylation, déméthylation , acétylation, déacétylation)، هي بصمات يمكن إزالتها بنفس الآليات التي أتت بها (les marques épigénétiques sont réversibles).

علماء "فوق الوراثي" أثبتوا بالتجربة الكلينيكية أن تَعرّضَ شخصٍ معيّن إلى صدمات نفسية في عمر الزهور (اغتصاب، تحرّش جنسي، عنف، إلخ.) قد يترك بصمات فوق وراثية على المخ مما ينتج عنها ضعف في القدرة على مقاومة القلق المرضي (stress)، قلق يستمر حتى في غياب الأسباب المعتادة المثيرة للقلق. يحاول العلماء اكتشاف فوق-أدوية (des épimédicaments) قادرة على مَحْوِ هذه البصمات المكتسبة وذلك لأنها بصمات ليست نهائية وقابلة للمَحْوِ (les marques épigénétiques sont réversibles).

 

مثال 4: أثبتوا أيضًا أن قضاءَ نصفِ ساعةٍ يوميًّا وجلوسًا ولسنوات (ثلاثة على الأقل) في التأمل أو التعبّد أو الخشوع أو السكينة أو اليوﭬا (la méditation) قد يُخفِّض من نسبة العجز فوق الوراثي الناتج عن الشيخوخة (le taux de vieillissement épigénétique diminue).

 

مثال 5:

وكما هو الشأن عند الحيوانات، النباتات أيضًا تتأثر بما هو "فوق وراثي".  

 الآليات فوق-وراثية (les mécanismes épigénétiques sur les gènes et les histones de l’ADN : méthylation, déméthylation , acétylation, déacétylation) تلعب دورًا أساسيًّا عند النباتات المتطورة (les végétaux supérieurs): تتدخل في مراقبة نموّها وفي ردود أفعالها على مختلف أنواع القلق المرضي (le stress) التي تأتي من محيطها (تغيّر في درجة الحرارة أو في نسبة الماء في التربة، الإصابة بمرضٍ معيّن، اعتداء الحيوانات العاشبة، إلخ.). تدخّلٌ قد يترك بصمات مكتسبة (des marques épigénétiques) تُورَّثُ، مثل الجينات، من جيلٍ إلى جيلٍ آخر.

-         فصيلة النبتة المُزهِرة (Linaria vulgaris) تملك نوعين من الأزهار مختلفين في الشكل نتيجة تدخّل آليات فوق-وراثية، زهرة ذات تماثل محوري (symétrie axiale) وأخرى ذات تماثل ثنائي (symétrie bilatérale).

-         بفضل آلياتها فوق-الوراثية، تستطيع نبتة (Arabidopsis thaliana) أن تتأقلم مع محيطها وتُأخّر في بعض الأحيان موسم الإزهار (la saison de la floraison).

 

Conclusion

Je clôture le dossier de l’épigénétique par la présentation de la réflexion suivante : habituellement on sépare le génétique de l’épigénétique, le premier est héréditaire, le deuxième est acquis, mais on oublie souvent que le génome lui-même pourrait être un épigénome qui s’est stabilisé  au cours de l’évolution darwinienne sur des millions d’années, comme c’est le cas aujourd’hui chez les plantes supérieures où les marques épigénétiques peuvent se maintenir entre plusieurs générations.

 

إمضاء مواطن العالَم: "وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك، فدعها إذن إلى فجر آخر" جبران

 

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 7 جويلية 2019.

 

Ma source : La revue « La Recherche », juin 2019 - N° 548.

 

 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire