lundi 10 octobre 2022

دِينُ الشِّركِ. علي شريعتي

 

المصدر:

كتاب "دين ضد الدين"، تأليف علي شريعتي (الشهيد الدكتور علي شريعتي، إيراني قروي، تخرج من جامعة السوربون واختصاصه علم الاجتماع الديني)، ترجمة حيدر مجيد، مؤسسة العطار الثقافية،  دار الفكر الجديد، العراق، النجف الأشرف، الطبعة الأولى 2007، 225 صفحة.

نص علي شريعتي:

أبدأ بملاحظة منهجية تتمثل في تعريف مصطلح "دين الشرك" حسب علي شريعتي، "المصطلح-المفهوم" الذي يستعمله الكاتب كثيرا في كتابه:

صفحة 76:إذن عندما أتحدث عن الشرك فإني لا أتحدث عن الدين الذي كان سائدا في الماضي والذي يتجلى في عبادة بعض الحيوانات أو الأشجار أو الأصنام بل إن المقصود من دين الشرك في كلامي هو: الشعور الديني لدى الناس والذي كان لعبة في يد الملأ -هم القادة الفكريون، القادة السياسيون، القادة الاجتماعيون، حاشية وأقارب السلطان- والمترفين الذين حكموا المجتمعات عبر التاريخ الطويل.

صفحة 49: ولكن أي دين هذا ؟ إنه الدين الذي هيمن دائما على التاريخ- سوى حقب زمنية قصيرة لمعت كالبرق ثم انطفأت- إنه دين الشِّرك مهما كانت أسماؤه ومسمياته، حتى ولو سمي بدين التوحيد أو دين موسى أو دين عيسى أو ما اصطلح عليه بخلافة النبي أو خلافة بني العباس أو خلافة أهل البيت أو غير ذلك من الأسماء والمسميات. إنه دين شرك ودعاة هذا الدين مشركون جاؤوا بلباس الدين وباسم الدين والجهاد والقرآن. ألم يرفع أتباع هذا الدين القرآن على رؤوس الرماح ؟ إن الذين رفعوا القرآن على الرماح هم القريشيون أنفسهم الذين جابهوا نبي الإسلام للبقاء على عبادة اللاّت والعُزّى. إلا أنهم لم يقدروا على حفظ ذلك الوضع فتسللوا بين صفوف المسلمين ليرفعوا القرآن على الرماح ويضربوا عليًّا تلك الضربة القاضية، تلك الضربة التي ضربوا بها الله والرسول.

لقد حكم دين الشرك باسم الإسلام وباسم خلافة الرسول وآله وباسم القرآن كما حكم في القرون الوسطى باسم عيسى وموسى اللذَين أرسيا دعائم دين التوحيد في التاريخ.

ملاحظة المؤلف محمد كشكار:

أعبّر عن تحفظي حول استعمال الكاتب علي شريعتي لمصطلح "دين الشرك" في كتابه "دين ضد الدين":

بطبيعة الحال أنا لا أزايد على الفيلسوف الإسلامي المختص في علم اجتماع الدين في اختيار مصطلحاته ومفاهيمه، لكن لو كان النص من إنتاجي -وهذا مستحيل لأنني لست فيلسوفا مثله- لخيّرت استعمال مصطلح "التدين المزيّف لدى بعض المسلمين" عوض مصطلح "دين الشرك" لأن شِرك المخلوق لا يعلمه إلا الخالق، مع العلم أنني لا أشك أن الكاتب قد  تحرّى واحترم منهج البحث العلمي الحديث وعرّف مصطلحه بما فيه الكفاية وبما لا يدع مجالا لسوء الفهم أو غموض التأويل لدى القارئ.

صفحة 46: "الدين أفيون الشعوب"

العوامل الأساسية لدين الشِرك -كما يعددها الإلحاديون بحق- هي الجهل والخوف والمالكية والتمييز الطبقي. إن هذه الأمور التي يذكرها الإلحاديون هي حقائق لا يمكن إنكارها وإن قولهم: "الدين أفيون الشعوب جاء ليخضع الناس للذل والهوان والجهل والتخلف والمصير المجهول" هو قول صحيح لا يمكن إنكاره والنيل منه.

صفحة 49: إذنْ فالكلام الذي أطلق في القرن التاسع عشر بأن الدين هو أفيون الشعوب (إضافة المؤلّف محمد كشكار: وهذه هي نفسها قولة ماركس وأن الدينَ جاء ليروض الناس على الحرمان والشقاء في هذه الدنيا باسم الاعتقاد بما بعد الموت ويقنعهم بأن كل شيء يحدث هو من عند الله وبمشيئته وإن كل محاولة لتغيير هذا الوضع هي مخالفة لإرادة الرب ومشيئته وعصيانا لأمره، هو كلام صحيح بحد ذاته. وكذلك قول علماء القرن الثامن عشر والتاسع عشر بأن الدين هو وليد جهل الناس وعدم اطلاعهم على الحقائق والعلوم أو قولهم: "إن الدين هو وليد مخاوف الناس" أو قولهم: "إن الدين وليد التمييز والحرمان في عهد الإقطاع").

صفحة 50: إن الدين التبريري والدين التخديري والدين الرجعي والدين الذي لا يهتم بأمور الناس هو الذي حكم المجتمعات البشرية عبر التاريخ. إذن لا بد أن تصدق الذين قالوا أن الدين هو وليد المخاوف والإقطاع وأنه تخديري ورجعي لأنهم استنبطوا ذلك من التاريخ، غير أنهم لم يعرفوا الدين حق معرفته لأنهم لم يكونوا متخصصين بمعرفة الدين بل كان حقل تخصصهم التاريخ وكل من يراجع التاريخ يرى هذه الحقيقة متجلية في الأديان جميعا، سواء تلك التي حكمت باسم دين التوحيد أو تلك التي حكمت بصراحة باسم دين الشرك.

صفحة 51: رأيت أن هذا الدين -أي دين الشرك- هو حقا وليد خوف الناس وجهلهم. لماذا ؟ لأن أتباع هذا الدين (أي أولئك الذين يروجون دين الشرك) يخشون دائما يقظة الناس ووعيهم. إنهم يريدون أن تكون العلوم والمعارف مقتصرة على الأشياء الثابتة والدائمة ويكون هذا أيضا خاص بهم ولا يبيحوا بسره لغيرهم. وذلك أن دين الشرك سيتلاشى بتطور العلم واتساع رقعته لأنه يقوم على أساس الجهل والأمية. فإذا وعى الناس ونشطت روح الانتقاد فيهم وطالبوا بالعدالة والقسط وانبعث الأمل في نفوسهم ستتزلزل أركان هذا الدين. هذا الدين كان على مر التاريخ محافظا على الوضع الموجود، وكانت هذه مهمته قبل عهد الإقطاع وبعده، في شرق العالم وغربه.

صفحة 66: وعلينا أن نعطي الحق لمفكري القرنين السابع عشر والثامن عشر وكذلك القرن التاسع عشر حيث قالوا: "إن الدين كان أفيونا للشعوب على مر التاريخ" لأن هؤلاء وضعوا الدين الذي كان مهيمنا على التاريخ وعلينا أن نؤيد مزاعم من قالوا: "إن الدين هو عامل لتبرير السلطة الاقتصادية والاجتماعية التي تتمتع بها الأقلية ضد الأغلبية في التاريخ" إنهم على حق لأن الدين كان يبرر الوضع الموجود في عهد الإقطاع. ونرى هذه الحالة في كل المجتمعات وفي كل المراحل التاريخية التي نجد فيها شكلا من أشكال الحكومة والاقتصاد، فلقد كانت مهمة الدين تبرير الوضع الموجود عبر استغلال العقائد الدينية الراسخة في فطرة الناس.

وما أكثر النماذج التي تؤيد هذا الكلام. فما عليكم إلا أن تختاروا حقبة من التاريخ لتلاحظوا الطريقة التي كان ينتهجها الدين في تلك الحقبة التاريخية. ولندرس هذه الحالة في إيران مثلا:

الدين في إيران: حَكَمَ الدين على المجتمع الإيراني في العهد الساساني بشكل مباشر، فقد كان الملوك والأمراء في هذا العهد يخضعون بشكل كامل لعلماء الدين والمعابد وكان النظام الطبقي سائدا في هذا المجتمع على النحو الذي لا يستطيع فيه أي شخص من الطبقة السفلى الارتقاء إلى طبقة أعلى بأي حيلة أو معجزة.

تعليق المؤلف محمد كشكار على فقرة "الدين في إيران في العهد الساساني" (يرجع تسمية الساسانيين إلى الكاهن الزرادشتي ساسان الذي كان جد أول ملوك الساسانيين أردشير الأول. الإمبراطورية الساسانية، هذا الاسمُ استعملَ للإمبراطورية الفارسية الثانية، (226 -651): الدين في إيران المعاصرة: حَكَمَ التدين الإسلامي الشيعي المزيّف (أو دين الشرك حسب مصطلح علي شريعتي) على المجتمع الإيراني في العهد الحالي بشكل مباشر حتى أننا نرى رئيس الدولة المنتخب أحمدي نجاد ونواب الشعب المنتخبين ديمقراطيا وشعبيا والوزراء المعينين في هذه الجمهورية الإسلامية الإيرانية، نراهم كلهم يخضعون بشكل كامل وأعمى وغير ديمقراطي وغير حداثي للمرشد الديني العام غير المنتخب ديمقراطيا وشعبيا ولآيات الله (دكاترة علوم الدين مثل آية الله الإمام الخميني قائد الثورة الإيرانية في 1979). آيات الله الذين يتخرّجون من المدارس والجامعات الدينية  في الحوزة العلمية في مدينة قُم الإيرانية أو في مدينة النجف الأشرف العراقية وما زال النظام الطبقي سائدا في هذا المجتمع لكن على النحو الحديث، بروليتاريا وبورجوازية والذي تغير فقط مقارنة مع العهد الساساني هو أن  أي شخص من الطبقة السفلى يستطيع الارتقاء إلى طبقة أعلى دون حيلة أو معجزة بل عن طريق الانتخاب الديمقراطي مثل ما صعد نجم أحمدي نجاد، رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية الحالي (2005-2013) أو ظهور الأغنياء الإيرانيين الجدد عن طريق الليبرالية الاقتصادية الإسلامية التي تبيح الاستغلال وتشرّع وتحلّل سرقة الرأسمالي للقيمة المضافة، هذه القيمة التي يضيفها العامل يوميا من عرقه لكي يحوّل المادة الخام إلى مادة مصنّعة، يبيعها الرأسمالي في السوق ويدفع منها إلى العامل أجرة بسيطة لا تكفيه حتى سد رمقه وإعادة إنتاج نفسه، مما ينتج عن هذا الظلم الاقتصادي المتمثل في تكديس رأس المال من فائض عمل وشقاء العامل وليس بواسطة إشراف صاحب المصنع. المال لا يصنع المال أما العامل فهو الصانع الوحيد لكل الثروات المادية المنتجة أو المحولة المتواجدة في الأسواق والمنازل والجامعات والطرقات والبواخر والطائرات. رجال الدين في إيران يرغبون في تأبيد الطبقية الاجتماعية التي يراها بعض المسلمين المزيفين قدرا محتوما كما يراها دعاة دين الشرك حسب تعبير علي شريعتي. وما زالت الحوزة العلمية في النجف الأشرف تحوي كنوزا من الذهب، جُمعت من أموال الفقراء، جمعها آيات الله "المسلمون المزيفون" أو "المشركون" حسب مصطلح علي شريعتي مقابل تطمينات تُعطى للفقراء بدخول الجنة مثل ما فعل زملاؤهم المزيفون أيضا، رهبان المسيحية، الذين باعوا صكوك الغفران إلى الفقراء في القرون الوسطى مقابل ضمان مكان لهؤلاء في الجنة الموعودة بعد الموت البيولوجي والفناء المادي.

استنتاجات الكاتب علي شريعتي:

صفحة 77: خطأ المفكرين

الخطأ الذي ارتكبه المفكرون يكمن في أنهم كانوا ينسبون إلى الدين كل شيء يرونه في التاريخ كالمعابد والجهاد والحروب المقدسة والحروب الصليبية والجهاد الإسلامي و... وإننا -نحن المتدينين- كنا وما زلنا نعاني من نفس الخطأ.

ذكرتُ آنفا أن للإسلام رأيا ثوريا في هذا المجال وأنه لا يقبل أيّا من هذه الآراء بل يعتقد أن دين الحق سيتحقق في نهاية المطاف وأن الأديان التي حكمت عبر التاريخ في شرق العالم وغربه كانت جميعا من أديان الشرك حتى لو كانت تحكم باسم دين التوحيد، وأن الأنبياء إنما بُعثوا لمحاربة هذه الأديان وأن دينهم الحق يمنح الإنسان المفكر الحر شعورا بالمسؤولية وهو استمرار للمسؤولية التي كان يشعر بها الأنبياء أنفسهم. يقول النبي (ص): "علماء أمتي أفضل من أنبياء بني إسرائيل" ويقصد بذلك أن المسؤولية التي كانت على عاتق الأنبياء ستقع على عاتق العلماء (أي المفكرين) بعد نبوة خاتم الرسل (ص)".

صفحة 80: أريد أن أقول إن الرسالة التي حملها المفكرون والأحرار في أوروبا في صراعهم مع دين القرون الوسطى والتي أنقذوا من خلالها أوروبا من التخلف والرجعية هي الرسالة نفسها التي أخذها أنبياؤنا على عاتقهم عبر التاريخ.

صفحة 76: ونستنتج أن المفكرين في القرن السابع عشر والثامن عشر والعصر الحاضر الذين قالوا أن الدين كان عاملا رئيسيا في شتات الناس وشقائهم وتثبيت القيد والذلة والضعف والهوان كانوا محقين في الإدلاء بهذا الرأي لأنهم كانوا يرون الدين عائقا عن التطور والرقي والحرية والمساواة بين البشر.

وقد أثبتت التطورات المذهلة التي حققها البشر بعد إقصاء الدين عن ميدان الحياة صحة هذه الآراء والتصورات بشكل علمي.

خلاصة: ما فهمته أنا المؤلف محمد كشكار من تحليل علي شريعتي:

لو لم يكن تحليل علي شريعتي صحيحا نسبيا فكيف نفسّر سلوكات وتصرفات بعض المسلمين في رمضان، شهر التقوى والإيمان والإحساس بفقراء المَواطِن والأوطان، حيث تلتهب الأسعار ويكثر الاحتكار ويتغيب الموظف عن المكتب والدار ويسب الجارُ جارَه  ولا يحترم الصغارُ الكبار ! مع الملاحظة أن هذه السلوكيات تبقى فردية واستثنائية.

أهذه هي مكارم الأخلاق التي جاء ليتمّمها علينا رسولنا الأكرم، محمد -صلى الله علية وسلم- وأمرنا بتنفيذها حرفيا وأوصانا بعدم الابتعاد عن مقاصدها قيد أنملة ؟

أليس ما يمارسه بعض المسلمين في رمضان في أسواقهم وفي أعمالهم وفي شوارعهم من غش وكسل وكلام بذيء، أليس هذا هو التدين المزيّف بعينه ؟ ولن أقول -كما قال علي شريعتي- دين شرك لأن شرك المخلوق لا يعلمه إلا خالقه كما قلتُ آنفًا !

ماذا قال  الفيلسوف الوجودي الفرنسي جان بول سارتر في الفيلسوف الإسلامي الإيراني علي شريعتي:

قال: "أنا لا دين لي لكن لو خُيّرت، سوف أختار دين علي شريعتي".

بكل لطف أدعو القارئ أن يتمهل ويطّلع جيدا على دين علي شريعتي، دين الإسلام الحق وليس دين الشرك، قبل أن يظلم الفيلسوفين في آن ويحكم خطأ علَى سارتر بالتنازل الفكري والتخلي عن الوجودية الملحدة بالله لفائدة دين مزيّف ومحرّف سائد لدى بعض المسلمين في العالَم الإسلامي الماضي والوسيط والمعاصر، ويحكم في الوقت نفسه على علي شريعتي بالكفر والإلحاد أو التقية.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire