ملاحظة منهجية: هذه المقارنة
الطريفة التي سأجريها بين عنف "الحشاشين" في القرن 11-12م وعنف
"الدواعش" في القرن 20-21م، لا تعني البتة أي إدانة مُسقطة للتاريخ الإسلامي
بل هي عبارة عن بحثٍ في سببٍ واحدٍ من بين الأسباب الأخرى العديدة المولِّدة
للإرهاب الداعشي المعاصر ولا تعني أيضاً أنني لا أعي أو أهمل الأسباب الخارجية
التآمرية. منهجية تحديد البحث على سبب واحد لا تعني تهميش الأسباب الأخرى.
كل ما سأذكره عن
"الدواعش" من معلومات تاريخية هو من عندي، وكل ما سأذكره عن
"الحشاشين" هو مأخوذ من الكتاب التالي:
Les
croisades vues par les Arabes, Amin Maalouf, Editions J`ai lu, Paris, 1985, 316
pages.
المقارنة:
1.
ظروف التأسيس:
-
"الحشاشين" في القرن 11-12م: وُلِد مؤسِّسُهم
حسّان (الشيعي) في عهد كان المذهب الشيعي فيه مُسيطرا على مصر وسويا (الفاطميون)
وفي فارس والعراق (البويهيون يسيطرون على فارس وعلى الخليفة العباسي في قلب
بغداد). وجدَ حسّان في مصر أتباعاً متدينين أصوليين شيعة يشاركونه فكرة تجديد
الخلافة الفاطمية الشيعية في مصر والثأر من الخلافة السلجوقية السنية في العراق.
احتل حسّان حِصْناً جبلياً يُسمى في ذلك العصر "حصن الموت" قرب مدينة
قزوين على بعد 100كلم من طهران اليوم.
-
"الدواعش" في القرن 20-21م: وُلِد مؤسِّسُهم الأول
بن لادن (السنّي) في عهد كان المذهب السنّي فيه مُسيطرا على جميع البلدان
الإسلامية عدا سوريا (الحكّام علويون وأغلبية الشعب سنّة) وسَلطنة عُمان (إباضية)
وإيران (شيعية في أغلبها). وجدَ البغدادي (مؤسس داعش الثاني ) في العراق أتباعاً متدينين أصوليين سنّة يشاركونه
فكرة تجديد الخلافة السنّية في العراق وسوريا والثأر من الحكم الشيعي في العراق (تحت
حكم المالِكي) وسوريا (تحت حكم بشّار) وإيران فاحتل البغدادي مدينة الموصل ثاني
مدينة بعد بغداد وأكبر منتج للنفط.
2.
طريقة الاستقطاب والتلقين العقائدي أو المذهبي:
"الحشاشين" في القرن
11-12م: يُصنَّف الأتباعُ حسب مستواهم الثقافي وإخلاصهم وشجاعتهم. يتلقون تكويناً
مكثفاً في أصول الدين وفنون القتل والقتال. وكذلك يفعل "الدواعش" في
القرن 20-21م.
3.
طريقة تنفيذ العمليات ("الإرهابية" من منظورنا
و"الجهادية" من منظورهم):
"الحشاشين"
في القرن 11-12م: سلاحهم المفضل هو الاغتيال. ينتشر أعضاء المذهب فُرادى أو على
شكل مجموعات قليلة العدد. يتنكرون في زِيِّ تجار أو نُسّاك، يتعرفون على مكان
تنفيذ الجريمة ويرصدون تحركات ضحيتهم المحتملة ثم يضربون. التحضير سرّي للغاية
والتنفيذ علني عمومي ومَشهدي (Spectaculaire): يقع أمام أكبر عدد ممكن من المتفرجين.
لذالك يكون مكان التنفيذ المفضل بالنسبة لهم هو الجامع، والزمان هو وضح النهار.
يُعتبر القتل لديهم ليس فقط وسيلة للتخلص من الخصم بل هو قبل كل شيء درسٌ يُعطَى
للعموم: درسٌ مزدوج يتلخص في تسليط عقابٍ قاسٍ على الضحية وإبراز بطولة المُنفذ
الانتحاري في الشجاعة و"التضحية في سبيل الله". إذعان المنفذين للأوامر
وهدوؤهم ورباطة جأشهم عند التنفيذ تدعوان للشك في أنهم يتناولون منشطات أو مخدرات.
وكذلك يفعل "الدواعش" في القرن 20-21م.
4.
تهمة الخيانة للوطن العربي وتهمة التخابر مع العدو من
أجل انتصار مذهبهم الإسلامي (سنّة أو شيعة ) على المذهب الخصم وهو إسلامي أيضاً:
"الحشاشين" في القرن
11-12م: يُلامون على تعاطفهم مع الأعداء (الفرنجة في الحروب الصليبية، المحتلون
للقدس). ينظرون بعين الرضا للجيوش الصليبية التي تلحق الهزيمة تلو الهزيمة
بالحكّام السنّة السلاجقة. فِعْلُ "الحشاشين" يشبه داء الجذام (La lèpre) الذي ينخر العالَم العربي في
وقتِ يحتاج فيه هذا العالَم لشحن كل طاقاته من أجل التصدي للاحتلال الصليبي. نفس اللوم يُوجه لـ"الدواعش" في القرن 20-21م
على تعاطفهم مع الإسرائيليين المحتلين للقدس. ينظرون بعين الرضا للجيوش الأمريكية
والأوروبية والإسرائيلية التي تلحق الهزيمة تلو الهزيمة بالحكّام الشيعة في سوريا
(نظام بشّار) ولبنان (حزب الله). فِعْلُ "الدواعش" يشبه داء السيدا (Le SIDA) الذي ينخر العالَم العربي من
الداخل ويضعف مناعته (جيوشه واقتصاده) في وقتِ يحتاج فيه هذا العالَم لشحن كل
طاقاته من أجل التصدي للاحتلال الصهيوني.
5.
لا يعترفون بأي سلطة إسلامية قائمة حتى لو كانت تنتسب
إلى مذهبهم لذلك هم مكروهون ومضطهَدون من قِبل جميع الدول الإسلامية:
"الحشاشين" في القرن
11-12م: لا يعترفون بالخليفة الفاطمي رغم أنه شيعي. وكذلك يفعل
"الدواعش" في القرن 20-21م، لا يعترفون بملك السعودية، الراعي الرسمي
للمذهب السنّي في العالَم الإسلامي المعاصر.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire