كتاب "دين
ضد الدين"، تأليف علي شريعتي، ترجمة حيدر مجيد، مؤسسة العطار الثقافية، دار الفكر الجديد، العراق، النجف الأشرف،
الطبعة الأولى 2007، 225 صفحة.
نص علي
شريعتي
صفحة 103:
إني بعثت من قِبل الله القائل: "ونريد أن نمنّ على الذين استضعِفوا في
الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين".
يا
للعجب...!! كيف أصبح الإله يكلم العبيد والمستضعفين ؟ ويبشّرهم بالنجاة ويعدهم بالزعامة
والقيادة. ويجعلهم وارثي الأرض ؟... كدت لا أصدّق، قلت: هو الآخر كباقي المبشّرين
والمصلحين و"الأنبياء" في إيران والصين والهند... لا بد أنه أحد الأمراء
النبلاء المبعوثين لتنفيذ القدرة والسيطرة وتكديس القوى ضد الشعب. قالوا: لا، إنه
يتيم والكل قد شاهدوه مرارا وهو يرعى الأغنام وراء هذا الجبل، قلت: ماذا أسمع !! كيف
هي مشيئة الله هذه المرة... يصطفي رسوله من بين الرعاة ؟؟ قالوا: أجل، هو آخر حلقة من سلسلة
الأنبياء الرعاة، حيث أن أجداده كلهم كذلك، ذابت أبعادي في كل رجفة ملؤها شوق صارخ
وصيحة خرساء، إذ أن نبيا يُبعث "منّا" ولأول مرة ...!!
آمنت به
وأيقنت برسالته لأنه جمع شمْل إخواني ورفاقي الفقراء حوله.
بلال، العبد
الحبشي، سلمان، أسير من أسراء إيران، أبو ذر البائس المجهول، وسالم غلام زوجته
خديجة... إلخ. كل هؤلاء البؤساء اليائسين، كل الأسراء والعبيد وكل المظلومين
والمشرّدين أصبحوا قادة قومهم.
صدقته وآمنت
به لأن قصره ! حَجرتين أو ثلاثة صُنِعت من طين حيث أقام هو بنفسه البناء..
وبلاطه لم يتعدّ حفنة من الأخشاب المتراصفة على بعض من سعف النخيل !! أجل،
كل ما كان يملكه ويؤثر به على معايش الناس من جرّاء بناء قصره هذا !! هكذا
كان وهكذا رحل.
(...) أخي:
وفجأة رأيت المعابد تشق عنان السماء مرة أخرى وتعتلي باسم ذلك النبي الأمّي في حين
أن السيوف التي كُتبت عليها آيات "الجهاد" كانت تهدد وجودنا في كل آن...
ومرة أخرى
امتلأت بيوت المال والخزائن بأموال نهبوها وسلبوها وانتزعوها عنوة منّا.. ومرة
أخرى جاء خلفاء هذا الرسول ومسخوا القرآن وأخذوا شبابنا عبيدا لقصورهم، باعوا
أمهاتنا في الأسواق البعيدة وقتلوا رجالنا باسم "الجهاد" في سبيل الله،
واستولوا على كل ما نملك باسم "الزكاة".
يأسٌ قاتل
دبّ في قلبي.. أجل يئست.. لا أدري ماذا أفعل ؟ لقد ظهرت سلطة جديدة تخفي خلف رداء
التوحيد نفس الأصنام التي حطمها ذلك "الرجل" وتوقد في مساجد
"الله" نار الكذب والخديعة...
ومرة أخرى
تكررت نفس المأساة، تكررت نفس الوجوه الفرعونية القارونية التي تعرفها أنت يا أخي
جيدا.. أخذوا باسم الله وخلافة رسوله يضربون الناس بسوط الدين.. ونحن -مرة أخرى-
مشينا في أزقة العبودية لنبني مسجد دمشق العظيم !.. ومرة أخرى دوّت هنا وهناك صيحات تدعو
إلى الحرية.. قصورنا درّة في نوعها وطرازها.. مساجد محيّرة للعقول.. القصر الأخضر
في دمشق ودار خلافة ألف ليلة وليلة في بغداد.. كل هذا كان بثمن دمنا وحياتنا ولكن
هذه المرة.. باسم "الله".
ومرة أخرى
صرت لا أصدّق أن هناك خلاصا ونجاة.. !! لأن العبودية والموت الأسود كانا مقدورَين
لنا.
أجل..من كان
ذلك الرجل ؟! ترى هل كان يخفي خلف تلك الرسالة أطروحة لخداعنا ؟ ! كان
مؤسس هذه الإيديولوجية التي عدّونا في دهاليزها وزنزاناتها كالخرق البالية.. أجل
كان هو الداعي لحرق مزارعنا وشن الغارات على ممتلكاتنا وقتلنا
كالذباب...لا..كلاّ..فـ"أنا" و"هو" أمسينا ضحايا !!
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire