mardi 17 décembre 2019

يبدو أن جل المدوّنين الفيسبوكيين (لا أستثني نفسي طبعًا)، قد بالغوا وبِنِية حسنة وانخرطوا في معزوفة نقد أداء مؤسسات القطاع العام، مبالغة تخدم الخوصصة ولا تخدمنا! مواطن العالَم البستاني، متعدّد الهُويات


مقدمة قد ترفع كل لَبْسٍ:
في العنوان، قلتُ "بالغنا وبِنِية حسنة في نقد أداء مؤسسات القطاع العام" ولم أقل "أخطأنا"، أما النية الحسنة فلا تعفينا من نقد أنفسنا والأخطر وللأسف أن الندمَ لا يُجَبِّرُ ما كُسِرَ.

1.     المبالغة في نقد النظام التربوي العام:
-         قلنا عنه أنه نظامٌ فاشلٌ 100%، وهذا تشخيصٌ مبالغٌ فيه كثيرًا. الدليلُ القاطعُ على وجاهة نقدي الذاتي الجديد لِـنقدي القديم، وهو الآتي: آلاف التلامذة التونسيون الذين هاجروا لمواصلة دراستهم الجامعية لم يجدوا صعوبة كبيرة (ما عدى اللغة، ألمانية أو روسية) في التعلم والتحصيل بل في التميّز والتفوّق أحيانًا في أرقى الجامعات الأوروبية وفي أعقد العلوم الصحيحة والتجريبية.
-         أدمغتنا المهاجرة خرّيجة تعليمنا العمومي (أطباء، مهندسون، أساتذة تعليم عالٍ) وجدت إعجابًا وترحابًا حيث ما حلت في أوروبا أو في الخليج.
2.     المبالغة في نقد النظام الصحّي العام:
قلنا أن مستشفياتنا مهملة وخالية من التجهيزات، وهذا تشخيصٌ مبالغٌ فيه كثيرًا. لستُ طبيبًا ولم أقمْ ببحثٍ ميدانيٍّ في مؤسساتنا الصحية، وما دمنا في باب ترجيح كفّة القطاع العام، سأكتفي بتقديم ثلاثة أمثلة، أمثلة محدودة جدًّا في المكان والعدد، أمثلة لا تنفي نقدي الشخصي والقديم، بل تُنَسّبه قليلاً: أ. أخت زوجتي أجرِيت لها عملية معقدة جدًّا، إزالة ورم سرطاني في المخيخ، في مستشفى بن حميدة بالعاصمة. شُفِيت منه تمامًا والحمد لله (لو عملتها في مصحّة لتكلفت عشرات الملايين من مليماتنا). ب. أخي أجرِيت له عملية دقيقة، إزالة كِيسْت في الحلق،  في مستشفى ﭬبلي. شُفِي منه تمامًا والحمد لله. ج. صديقي أجرِيت له عملية إزالة المرارة  في مستشفى الحبيب ثامر. تمت بسلام وفي ظروف طيبة في قسم جديد ونظيف.
3.     المبالغة في نقد نظام المواصلات العمومية:
-         بالصدفة، ميترو تونس-حمام الشط يُعَدُّ من أفضل وسائل النقل العمومي في تونس وأرخصها ثمنًا.
-         شركة تونس الجوية، طيّارون أكْفاء ورحلات آمنة مع شيءٍ من التأخير وسرقة بعض الأدباش في بعض الأحيان.
4.     المبالغة في نقد الاتحاد العام التونسي للشغل:
اختزلناه في بيروقراطيته وكِلنا له، بحلاله وحرامه، ما طابَ لنا ولذَّ من اللكمات الموجعة ونسينا دور قواعده ومناضله في الثورة وفي معارضة بن علي.

خاتمة:
للأسف، مبالغةٌ في النقد أرادتها لنا لوبيات القطاع الخاص لغاية في نفس يعقوب وجرّتنا وراءها دون أن نشعر وجعلتنا نلهج بالأمر وننطق بألسنتِنا ما تريده هي وكأننا نريده نحن، ضحاياها، وأصبح حالنا كحال مَن يقطع الغصن الذي يجلسُ عليه. خوصصة هذه القطاعات العمومية لن تزيدنا إلا فقرًا على فقرٍ ولن يستفيد منها إلا محرّضونا، رجالُ الأعمال الجشعون. في الختام لن أطلبَ منكم الكفَّ عن النقد بل أرجو الكفَّ عن المبالغة فيه.

Ma source d’inspiration : La philosophie d’Alain Deneault

إمضائي (مواطن العالَم البستاني، متعدّد الهُويات، l’homme semi-perméable، أصيل جمنة ولادةً وتربيةً، يساري غير ماركسي حر ومستقل، غاندي الهوى ومؤمن بمبدأ "الاستقامة الأخلاقية على المستوى الفردي" - Adepte de l’orthodoxie spirituelle à l’échelle individuelle):
"وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك، فدعها إذن إلى فجر آخر" (جبران)
À un mauvais discours, on répond par un bon discours et non par la violence. Le Monde diplomatique


تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 17 ديسمبر 2019.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire