تدخلي الثالث في الحمامات خلال الندوة الوطنية حول "الحوار
حول إصلاح المنظومة التربوية: من المخرجات إلى الأجرأة":. مواطن العالَم محمد
كشكار، دكتور في إبستمولوجيا تعليم البيولوجيا
تدخلي الثالث في اليوم الثاني خلال الحصة الصباحية بعد محاضرة نبيل
الهواشي بعنوان "مداخل الإصلاح التربوي: التشخيص والمقترحات":
سمعتكم دوما تأكدون على تملك اللغة العربية أولا وتتغاضون على الواقع
الذي يصرخ ويقول أن لغة تدريس العلوم الأولى
في الثانوي والعالي في تونس هي اللغة الفرنسية وليست للأسف الشديد اللغة العربية
الأم. يبدو لي أنه يجب أن نتفق أولا على تحديد لغتنا العلمية الأولى (الفرنسية أو
العربية؟) ثم نركز على حث أولادنا على تملكها حتى يتمكنوا من تملك العلوم الحديثة.
وإذا اخترنا اللغة العربية كأداة لتدريس العلوم في تونس فعلينا أو نوفر لها أسباب
النجاح ونَقِيها الفشل المنتظر وذلك أولا بترجمة المراجع العلمية الحديثة التي
يحتاجها طالب الطب أو الهندسة مع العلم أن العلوم اليوم تتطور بسرعة مذهلة لا يقدر
على ملاحقتها إلا العداؤون. وهل نحن منهم؟ ثانيا بإصدار مجلات علمية مختصة ذات قيمة
عالية (Des revues spécialisées cotées ) في كل علم على حِده ناطقة بالعربية، ننشر فيها ما ننتجه من علمٍ
وهو اليوم شحيح وقليل وننقل فورا ما ينتجه الغرب وهو كثير وغزير. مهمة صعبة
جدا بل شبه مستحيلة التحقيق دون إرادة سياسية وطنية صادقة وجدية!
أضيف ملاحظة حول حال اللغة الفرنسية في المواد العلمية اليوم في الثانوي،
هي أيضا لا تحظى باهتمام من قِبل أساتذة العلوم في معاهدنا الذين هم مطالبون
بإتقانها وتوظيفها جيدا في القسم لأن مسؤولية تعليمها للتلميذ ليست منوطة فقط بأستاذ
الفرنسية بل هي مسؤولية مشتركة يتحملها كل أساتذة العلوم الذي يدرسون بالفرنسية
(الرياضيات، علوم الحياة والأرض، الفيزياء، التكنولوجيا، الإعلامية). للأسف نرى
البعض من هؤلاء الأخيرين يستعملون اللهجة العربية الدارجة في مخابرهم المغلقة
بدعوى أن التلميذ ضعيف في الفرنسية. كيف سيتحسن هذا التلميذ الضعيف وأنت تغشه من
حيث أنك تظن أنك تنفعه؟ تغشه مرتين، الأولى عندما تتخلى عن واجبك الذي يحتم عليك
قانونيا استعمال الفرنسية في القسم وبصنيعك هذا تساهم في تدهور المستوى الألسني
لدى التلميذ، والثانية عندما تمد التلميذ ورقة امتحان في ثلاث أو أربع صفحات
مكتوبة بلغة فولتير وتطالبه بحل مسائلها اعتمادا على النص وأنت لم تدربه على فك
رموز هذه اللغة الأجنبية.
لقد عانت الشقيقة الجزائر (درّستُ فيها ثمان سنوات 80-88) من هذه
الازدواجية وانعدام الوضوح في الرؤيا عند تحديد لغة تدريس العلوم. رَفَعَ المسئولون
السياسيون الجزائريون شعار التعريب ولم يهيئوا له أسباب النجاح، وبتعريبهم
اللاوطني والمتسرّع لتدريس العلوم جهّلوا أولاد الشعب وهم أرسلوا أولادهم للدراسة في
الخارج بلغة يحاربونها هم أنفسهم في الداخل. طالِبُ الطب الجزائري القادم من شعبة
علمية معربة تماما في الثانوي يجد صعوبة كبيرة في دراسة الطب بالفرنسية بالجامعة. يقع
نفس الشيء عندنا عندما ينتقل تلميذ الإعدادي (يدرس البيولوجيا بالعربية) إلى الأولى
ثانوي (يدرس البيولوجيا بالفرنسية). كان زملائي الجزائريين، أساتذة العلوم
بالعربية في الإعدادي، خريجي التعريب الأوائل، يجدون صعوبة لغوية كبيرة في تصفح
مجلة علمية فرنسية مثل (La Recherche ou Sciences & Vie).
تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الثلاثاء 26 أفريل 2016.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire