أشرح لنفسي بعض الأسباب المنطقية
لانعدام الترحيب بخطابي من قِبل أكثر القراء والجلساء والأصدقاء والسامعين؟ مواطن
العالَم محمد كشكار، دكتور في إبستمولوجيا تعليم البيولوجيا
يقولون: رضاء
الناس غاية لا تُدرك.
أقول: رضاء
شخص واحد غاية لا تُدرك. ولم أسع ولن أسعى لإدراكها ولا يمكن حتى وإن أردتُ ذلك
ولا يهمني أصلا إدراكها لأنني لستُ داعية لفكرة أو إيديولوجية أو دين أو سياسة ولا
أقصد فرض رأيي على أحدٍ بالأمثلة والبراهين بل أدعو كل الناس إلى تجريب وجهة نظر
أخرى. "الفكر غير المتحول فكرٌ غير حرٍّ" وأنا أعتبر نفسي والآخرين
مفكرين أحرارا، لا وصاية لي عليهم ولا هم أوصياء عليَّ. لو أقنعته اليوم فلن أقنعه
غدا ولو أقنعته في موضوع فلن أقنعه في كل المواضيع. ولو حصل أن أقنعَ شخصٌ مَا
شخصًا آخر بكل أفكاره فالأرجح أن يكون الأول مستبدا أو ساحرًا أو محتالا والثاني
مستلب الإرادة أو غبيا أو انتهازيا.
البارحة تعرضتُ لنقد شديد حول كتابي الأخير فعرفتُ أن النقد مؤلمٌ لكنني عرفتُ أيضا أنه مفيد جدا لذلك أحمد الناقد الذي لا يُحمد على إيلام بشري سواه، ولذلك أعذر ردة فعل الذين أنقدهم ولكنني لن أعذرهم في عدم الاستفادة من النقد الصادق النزيه صوابًا كان أو خطأ.
يبدو لي
الناقد يعيش مأساة مزدوجة، يؤلمه عدم الترحيب بنقده ويؤلمه أكثر عدم الاستفادة
منه. ومن يشتغل مِثلي على الإبستمولوجيا ينتظر هذا أو أشوم. الإبستمولوجيا هي
معرفة المعرفة أو نقد المعرفة الماضية والحاضرة أو التشكيك في البراديڤمات السائدة
أو عدم تقديس العلم. في أكثر الأحيان يقبل العالِم النقد ويستفيد منه أيّما
استفادة وبه وبه فقط يطوّر نظرياته العلمية ويحسّنها ويرتقي بها أما ناقل العلم
(المعلم وأستاذ الثانوي وللأسف أستاذ الجامعة عندنا) فهو مَلكي أكثر من الملك،
منتفخ الأوداج، متكبر، يمشي في القسم مرَحا ويتباهى بعضلات غيره كـ"الهر يحكي
انتفاخًا صولة الأسد" أو كعبدِ يتباهى بحلة سيده.
تأتي لأستاذ الثانوي وتقول له في وجهه: أنتَ لست متكونا تكوينا أكاديميا في الاختصاصات التالية الضرورية لمهنة التدريس: الإبستمولوجيا، تاريخ العلوم، السيميولوجيا، البيداغوجيا، الديداكتيك، علم التقييم، علم نفس الطفل، علوم التواصل وعلوم الحاسوب. وتقول لمتفقد الثانوي: أنت لا تملك أي شهادة علمية أكبر من شهادة الأستاذ في اختصاصه ولا تملك مثل الأستاذ الذي تتفقده أي شهادة علمية في الاختصاصات التربوية التسعة المذكورة أعلاه. وتقول للطبيب: أنت لا تسمع المريض ولم تعاشر مرضه أكثر منه. وتقول للمسلم: أن صيحة عمر الخطاب "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أحرارا" يقصد بها الناس الأسياد ولا تشمل الناس العبيد والدليل يتجسم في وجود العبودية في عهده رضي الله عنه رغم أن القرآن حث وشجع على تحرير العبيد ولكن للأسف الشديد لم يتحرروا إلا بعد 14 قرن أي بعد اكتشاف الآلة وعندما أصبحوا عِبئا على مالكهم ولم يعد هذا الأخير يستفيد من استعبادهم. وتقول للإسلامي: إن حركة الإخوان المسلمين هي حزب إيديولوجي سياسي إقصائي متطرف عنصري ولا علاقة إيمانية لها بالقرآن الكريم كما لا علاقة لسلفيِّ اليوم بصحابة النبي ولا علاقة لهتلر بالمسيحية ولا للصهيونية باليهودية ولا لبوش بالديمقراطية ولا لستالين بتحرر الطبقة العاملة ولا لجمال أو صدام بالعروبة ولا لحزب الله أو حماس بالمقاومة ولا للقرضاوي بالعلم ولا لبورڤيبة بالحرية ولا للاستعمار الفرنسي بمبادئ الثورة الفرنسية، إلخ.
تتجرأ على السائد وتقول أنه بائد يا بائد وعلى الدواء وتقول أنه أكبر قاتل وعلى العلم وتقول أنه منحاز وليس موضوعيا وتؤكد أنه لم يك يوما محايدا وعلى الوطنية وتقول عنها أنها عنصرية وعلى الأخلاق أنها وهمٌ وعلى الشريعة أنها مطلبٌ لا يمكن تحقيقه لأن المؤهل لتطبيقها لم يُخلق بعد ومحمد آخر الأنبياء وما علينا إلا انتظار الساعة والطمع في مَن في غفرانه تصبح الكبائر كاللّمم وعلى النقابة أنها خُلقت لتبليغ صوت العَرف للعامل أكثر من الدفاع عن حقوق هذا الأخير المهضومة من قِبل الرأسمالي وعلى الإسلام أنه جزء من الحل وليس الحل كله وعلى الانتخابات الحرة أنها ماكينة يديرها انتهازيون وعلى الديمقراطية الغربية أنها لم ولن تحقق العدالة الاجتماعية وعلى النمو الرأسمالي أنه لن يحقق التنمية وعلى التعليم أنه لا يعلم التعايش السلمي وعلى السلاح أنه لن يأتي إلا بالدمار الشامل سَواءً حمله ناتنياهو أو اسماعيل هنية وعلى الحجاب أنه وافد على تونس وليس أصيلا فيها وأن العلم والعمل هما عمادا النهضة ومن اعتمد على غيرهما ذلّ ونزل وليس الدين والأخلاق كما يتوهم الكثير من أبناء أمتي الصادقين وأن البشرَ بشرٌ سَواءً كانوا ملحدين أو بهائيين أو يهودا أو مسيحيين أو بوذيين وأن لهم الحق في الكرامة والأمن وأن الله رب العالمين وليس حكرا على المسلمين وأن لا أفضلية لحضارة على حضارة ولو كانت حضارة قبائل الأمازون وأن الدين أوله يقين وآخره يقين، "نورٌ يقذفه الله في القلب" وأن العقل وحده هو المنقذ والبطل وهو تساؤل يفضي دومًا إلى تساؤل أعقد و"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، ألخ.
أبعدَ كل الذي قلته وستقوله ما زلتَ تطمع في تفهمٍ أو ترحيبٍ من أحد؟ اِحمَدْ ربك أنك ما زلت على قيد الحياة واشكره على تسخيره بعض القلوب الرحيمة التي ما زالت تقرؤك وتسمعك وتجالسك! أكنتَ تتصور يا واهم يا حالم أن مَن تنقدهم سيأخذونك بالأحضان ويفرشون لك الورود ويهللون لطلعتك التي لا تعرف تقول الشكر ولا تنطق إلا نقدا؟ عرفتك مسالما مجاملا فما بالك تحمل رسالة لا يقدر على حملها إلا الأنبياء أو العلماء وأنت تؤكد وتكرر أنك لستَ عالما وأنا أعرف أنه لم يصل بك الجنون بعدُ إلى حد ادعاء النبوة! قرأتك تكتب أنك مؤمن بختم النبوة من الخارج حسب نظرية محمد إقبال وسمعتك تقرّ بجهلك وتقول أنك لا تفهم في الفلسفة ولا في الاقتصاد ولا في الآداب ولا في اللغة الأنڤليزية ولا في الموسيقى ولا في الشعر أيضا ولا في الفيزياء ولا في الرياضيات ولا في علوم الفضاء ولا في علوم الطب ولا في علم النفس والقائمة بما تجهله يا جاهل تطول ولا تفقه شيئا في اللوحات الفنية وعاجز حتى عن تذوّق سمفونيات بتهوفن وفاغنر. ماذا تعرف إذن أم تعرف فقط أنك لا تعرف! اِلزم جحرك إذن أو قطعنا لسانك وأهدرنا دمك. وهل تركتَ في الدنيا صديقا يبكيك يا مَن لا بواكيَ له. تحمِل قربة مثقوبة، تمشي وترش الناس ولا تبالي وتظن أن جلدك غير نفوذٍ. تعترف دومًا أن بيتك من زجاج وتصر على رمي الناس بالحجر. ألا تخاف على بيتك من الحجر يا حجر؟
إمضائي:
"وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك فدعها إلى فجر آخر" (جبران)
"وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك فدعها إلى فجر آخر" (جبران)
تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الأحد 10 أفريل 2016.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire