حضرتُ اليوم موكب توديع
المناضل النقابي اليساري عبد الرزاق الهمامي. مواطن العالَم محمد كشكار
جنازة مهيبة، حضرها حوالي ألف
مودِّع. خرج نعش المرحوم مرفوقا بالنشيد الوطني. عرفته عن قرب في الاتحاد الجهوي
للشغل ببن عروس، كنتُ كاتبا عاما للنقابة الأساسية للتعليم الثانوي بحمام الشط
وكان الفقيد كاتب عام نقابتنا الجهوية في التسعينيات. كنتُ من بين القلائل آنذاك الذين تجرؤوا على
معارضته في مواقفه النقابية خلال ندوات الإطارات، لم أكن أكثر شجاعة من زملائي النقابيين بل كنت الأكثر
جهلا بتاريخه الزاخر بالنضالات الطلابية والنقابية لذلك لم تكن ترهبني شخصيته
القيادية ولم أكن أعرف أنه معلم الكل في الاتحاد الجهوي في ذلك الوقت. كان بِمودة
يسمّيني المشاكس. وفي الواقع لم أكن أكثر منه مشاكسة وجرأة وشراسة في الدفاع عن الأفكار
والمواقف لكن والحق يُقال فصاحته كانت أفضل وشراسته أمضى ومركزه أعلى وتاريخه
أحفل، كنتُ النمرَ وكان الأسدَ، اختلاف فكري لم يفارقه الاحترام المتبادل ولا
الود. جمع بين النضال السياسي والنضال النقابي ولم يُهمل النضال الأهم، البحث
العلمي. أكمل دراسته وهو أستاذ ثانوي، نال الدكتورا وغادرنا للتدريس بالجامعة.
التقيتُ به بعد سنوات إبان حرب الخليج محاضرا ممجدا لصدام، اختلفنا من جديد لكنني
بقيتُ أقدره وأحترمه إلى أن مات. هاتفته مرتين مساندا، مرة عندما خرج بعض رفاقه من
حزبه (العمل) وانضموا للموحد ومرة عندما انضم هو وحزبه لتيار "الاتحاد من أجل تونس" (أصبتُ
في الأولى وأخطأتُ في الثانية).
انتظرنا كثيرا في المقبرة،
شيوخا تعبنا وفي ظل الشجر جلسنا، همس أحدهم في أذني أن قوموا عن القبور، سمعنا ومن
الوهن لم نطع. لاحظتُ حضور النساء من غير عائلته في المقبرة، بدعة حميدة فرضها
يساريو العاصمة وفي الموت لماذا لا يحق للنساء توديع الراحل والخشوع على قبره
والترحم عليه. رفع بعض رفاقه شعارات سياسية أثناء التأبين (يا رفيق ارتاح ارتاح
سنواصل الكفاح)، بدعة غير حميدة يمارسها
بعض اليسار.
لو أردت رؤية اليساريين وهم
متسامحون يتباوسون فعليك بمآتم الرفاق، رب يقللها، حيث تُترك الخناجر في مقرات
الأحزاب وحلبات الصراع اليساري-يساري كما يتخلى اليمنيون عن سلاحهم الشخصي في
المظاهرات السلمية لشعب أغلبه بالضرورة محارب.
تاريخ النشر على الفيسبوك: حمام الشط، الاثنين 11 أفريل 2016.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire