mercredi 23 septembre 2015

في تونس اليوم فئتان متصارعتان بصمت. فمِن أي فئة أنت وفي أي موكب تسير؟ مواطن العالَم د. محمد كشكار

في تونس اليوم فئتان متصارعتان بصمت. فمِن أي فئة أنت وفي أي موكب تسير؟ مواطن العالَم د. محمد كشكار

عيدكم مبارك وكل عام وأنتم بخير وأعتذر عن الكلام الموجع الوارد في هذا المقال لكن الشيءَ أقوى مني والدافع أعظم ولو كان بيدي لأجلته إلى بعد العيد.

ملاحظة
للأمانة العلمية، أسلوبُ المقال أسفله أسلوبٌ مستوحَى من طُرفة بعنوان "العهد الجديد"، ص 86 من كتاب "البدائع والطرائف"، جبران خليل جبران، دار المعارف، سوسة\تونس، الطبعة الثانية، 1997، 148 صفحة.

في تونس اليوم فئتان متصارعتان بصمت: فئة صادقة و فئة غشاشة. أما الفئة الغشاشة فحتما لن تبنيَ لنا غدا أفضل. وأما الفئة الصادقة ورغم نُدرتها فلن يبنيَ تونس غيرها وهي مطالَبة بتوسيع دائرة صدقها ولو بالتضحية ببعض نفسِها ونفيسها.

تعال وأخبرني  ما أنت ومَن أنت ومِن أي فئة أنت وفي أي موكب تسير؟
أأنت نقابي ، يريد أن ينتفع لوحده من النشاط النقابي؟ أم أنت نقابي يريد أن ينفع منظوريه وينتفع هو أوتوماتيكيا من النشاط النقابي؟
إن كنت الأول فأنت انتهازيٌّ، أنت نبتة طفيلية وجب اقتلاعها قبل أن تتفرع جذورها لأنك كلما ارتقيت نقابيا أكثر كلما أصبحت قدرتك على إدارة النفاق أكبر، أنت منافق بالاحتمال وبالقوة (philosophiquement, hypocrite en puissance)، منافق لم يرث النفاق في جيناته بل اكتسبه في حياته.
وإن كنت الثاني فأنت بذرة طيبة وجب على العمال رعايتها دون شطط حتى لا تكبر كثيرا فيستحيل عليهم قطف ثمارها، ولو كنت أمينا صادقا فثق أنك لن تتجاوز حتما عضوية نقابة أساسية أو رئاستها.
للأسف الشديد فإن الأولَ سائدٌ في مجتمعنا التونسي والثاني مهمّشٌ!

أأنت مُصلي، يتردد على الجامع خمس مرات في اليوم، وخارج الجامع تاجر يحتكر الضروريات ليبيع بعشرة دنانير ما ابتاعه بدينار، أو مدرّس يعطي دروسا خصوصية أسبوعية لخمسين أو مائة تلميذ من تلامذته وغير تلامذته خارج المؤسسة التربوية العمومية أو الخاصة في ظروف غير صحية وغير بيداغوجية ويمتص عرق أوليائهم باسم العلم، أو موظف متقاعس، أو حِرَفي غشاش، أو طبيب تاجرٍ، أو قاض مرتشٍ أو محام متحيّل؟ أم أنت مصلي تقي يخاف ربه داخل الجامع وخارجه، تاجر يُسهِّل التبادل بين المنتِج والمستهلِك، أو مدرّس يقوم بواجبه على أحسن وجه داخل المؤسسة التربوية العمومية أو الخاصة وإن أعطي دروسا خصوصية فبمقابل مادي معقول ولِعدد قليل من غير تلامذته، أو موظف صاحب ضمير نقي حي، أو حِرَفي كفء أمين، أو طبيب مؤمن برسالته الإنسانية، أو قاض عادل أو محام عاشق للعدل؟
إن كنت الأول فأنت خطرٌ على المجتمع ترددت على الجامع أو الحانة. ألا تعرف أن الله يراك داخل الجامع وخارجه وإن كنت أنت لا تراه داخل الجامع وخارجه ؟ ألا تعرف أن الله ربما يسامح في حقه ولا يسامح في حق عبده؟ ألا تعلم أن أفضل طريقة للتقرّب من ربّك هي الإحسان لعبده؟ ألا تعي أن الله غنيٌّ عن خيرك ولا يضرّه شرّك؟ أتنافِق مَن يستحيل نفاقه؟ أتداهِن مَن لا يمكن أن يُداهَن؟ ألا تعرف أنك مكروه من الخالق قبل المخلوق؟ ربما نجحت في التحايل على الثاني فهل تتصور ولو للحظة أنك ستنجح مع الأول؟
وإن كنت الثاني فأنت في الطريق المستقيم شَكَرَكَ الناس أو جحدوك.
للأسف الشديد فإن الأول متواجدٌ أكثر من الثاني في مجتمعنا التونسي وإلا لَكُنا عدَونا وسبقنا ظلنا ولَكُنا من أوائل الدول المتقدمة ولَصَلُحَ أمرُنا وكُنا عن جدارة "خير أمة أخرِجت للناس" ولَكُنا قدوة ورحمة للعالمين ولَما كان حالنا  اليوم كما هو عليه!

أأنت معارض ، يتخذ المعارضة زينة وخطابا مفرغا من الصدق والإيمان، معارض ناقد متحمس للسلطة، في الاتحاد والمقاهي والملتقيات، وهو في واقعه مدرس يتأخر عن الالتحاق بقسمه 25 دقيقة في فترة الراحة أو موظف لا تجده إلا نادرا في مكتبه أو طبيب يجدد لك عطلة طويلة الأمد دون أن يرى وجهك أو متقاعد يتمتع بجراية وهو لم يعمل بإخلاص يوما واحدا في حياته المهنية؟ أم أنت معارض يقوم بواجبه في عمله ويلوم المتقاعسين عن القيام بواجبهم، مسؤولين كانوا أو عمالا أو موظفين؟
إن كنت الأول فأنت كالحرباء ذو لونين ولا يحق لك نقد الآخرين على فعلٍ تأتي أنت بمثله أو أشنع منه.
وإن كنت الثاني فأنت متماهٍ مع نقدك صادقٌ في لومك ويحق لك أن تقسو على الأول وأمثاله كما يحلو لك وكما تشاء.
للأسف الشديد فإن الأولَ يتكاثر في مجتمعنا التونسي بسرعة أكبر من الثاني وإلا لَما احتجنا للوم أصلا!

في تونس اليوم سياسيان غير متصارعان لكنهما لا يصمتان أبدا ولا يسمعان تماما: واحد في السلطة والآخر في المعارضة.
إن كنت الأول فالله لا يسامحك على ما فعلت بنا.
وإن كنت الثاني فلا خير يُرجَى منك إن وصلت إليها.
للأسف الشديد فإن الاثنان قد وجدا في برِّ تونس أرضا خصبة ينمِّيان فيها مواهِبِهِما الفتاكة!

إمضائي المحيّن:
قال أنشتاين: "لا تُحَلّ المشاكل باستعمال نفس أنماط التفكير التي أنتجتها".
قال جبران خليل جبران: "وعظتني نفسي فعلمتني أن لا أطرب لمديح ولا أجزع لمذمّة".
قال مواطن العالَم د. محمد كشكار: "يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه ويثقوا في خطابه أما أنا -اقتداء بالمنهج العلمي- أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات وأنتظر منهم النقد المفيد"، "لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة والبراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى"، "على كل مقال يصدر عَنِّي قد يبدو لكم ناقصا أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي"، "عندما تنقد إيديولوجية في حضور صديقك تُطلعه على جزء من فكرك. فإن كانت غير إيديولوجيته شجعك وشكرك. وإن كانت إيديولوجيته تجاهلك واحتقرك"، "ألا ليتني كنت ذاتا لا تنشر، ولا تكتب، فألَمُ التغريد خارج السرب أمرّ من ألَمِ الصمت"، "نفسي مثقلة بالأحلام فهل بين القُرّاء مَن يشاركني حلما ويخفّف عني حملي؟".

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الأربعاء 23 سبتمبر 2015.



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire