طوفان... ولا سفينة في الأفق!
مواطن العالَم د. محمد كشكار
ملاحظة:
هذه الصرخة أسفله، صرختي أنا،
صرخة مستوحاة من مقال "الطوفان والسفينة" لــنجيب محفوظ في الأهرام بتاريخ 14 ماي 1987، ص 31 من كتاب
"حول العلم والعمل"، أعده للنشر فتحي العشري، الدار المصرية اللبنانية،
الطبعة الأولى، 1996، 223 صفحة.
خطاب من مثقف فقير مغمور مهمش
إلى ممثلي السلطة، قبل وبعد الثورة:
إنكم تحثوني على تصديق وعودكم
وأقوالكم التي تنفثونها صباحا مساءً في قنواتكم التي تملكونها في القطاع العام والخاص،
يا مَن صممتم آذانكم على صرخة المظلوم وترتعدون جزعا لصرخة الظالم، يا مَن لم
يردعكم دينٌ أو قانون، يا تجار الأوهام الدينية والديمقراطية، يا أعداءَ العدالة
الاجتماعية، يا أحطَّ من دود الأرض، يا طفيليات الجسم الإجبارية، يا أمرّ من
الانتظار، يا قدرًا مُقدّرا علينا من البشر، يا شؤمًا في الغداة والرواح، يا ظلما
لم يكتبه الله لنا، يا سنّة لم يفرضها الرسول علينا، يا قمرا أكمد لا يضيء، يا شمسا
حارقة لا تنير، يا بلاءً لا ثواب يتلوه، يا وطنًا نفرّ منه، يا زارعي الإرهاب في
ربوعنا، يا مَن قتلتم الحلم في أعين صغارنا وسرقتم اللقمة والبسمة من أفواهنا، يا
مَن تحالفتم مع أعدائنا وقزّمتم رموزنا ودجّنتم ثم أجّرتم مثقفينا. إني والله يائس
تماما منكم، متشائم حتى الثمالة، لا ثقة لي البتة في قول أو فعل يصدر عنكم ولا في
رجل أو امرأة تنطق باسمكم ولا في تاريخ أو حاضر أو مستقبل، أسلافكم أو أنتم أو
نسلكم أبطاله. أحقِد عليكم حقدا وجوديا، والله العظيم لو لم يحتسب الله حسنة لي
غيره لدخلت فيه الجنة! تعلمتُ واجتهدتُ ونلتُ أعلى الشهادات في أرقى الجامعات
الفرنسية، ولم ألحَق بالجامعة بسبب محسوبيتكم فحولتموني من أستاذ ناجح محتمل إلى
جليس مقاهي كسول مبتذل، الله لا يسامحكم! كتبتُ
ثلاثة عشر كتابا، لم يُنشَر واحد منها بسبب عدم تشجيعكم للمثقفين الأحرار. عملتُ
ثماني وثلاثين سنة في مؤسساتكم وتقاعدتُ بمرتب لا يشبع ولا يُغني، ولا يحقق لي
العيش الكريم، عشتُ محروما من مطالب الحياة الأساسية كالصحة المجانية والسفر وشراء
الكتب والمشاركة في بناء غد أفضل لي ولأبناء وطني والتضحية مثل جيراني في العيد
الكبير. اقتلعتم من قلبي الأمل وسجنتموني في بلد كئيب، محاصرا بالزبالة والتلوث
واللصوص والانتهازيين من جهة، وبأصحاب المليارات العابثين والمسؤولين الفاسدين من
جهة أخرى، في مجتمع متدين حتى النخاع لكنه في أغلبه ضعيف الإيمان عديم الضمير،
مجتمع أرضعتموه الخداع والنفاق ومَن تربّى على شيء فلن يكتسب غيره، مجتمع ينادي
بلسان كاذب بسيادة العدل والقانون، مجتمع يمارس المنكر والصلاة في نفس اليوم دون
حياء، مجتمع يقول ما لا يفعل. هذا هو حالنا نحن التونسيون اليوم ولا يُستثنى منه
إلا مَن سانده الحظ بأب غني أو أم غنية أو قريب إطار عالٍ في وزارة من وزاراتكم أو
مَن وجد في دول الإنسان أو دول الخليج فرصة عمل تغير موازينه، فلا تحدثوني بعد
اليوم عن ديمقراطيتكم أو انتخاباتكم أو وعودكم بالأمل والفلاح فلم ولن أصدقكم واتركوني
أقصّر مدة انتظار الأجل المحتوم بالسجائر الرخيصة المهرّبة، وإذا لم تستحوا
فافعلوا ما شئتم!
إمضائي
يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه و يثقوا في
خطابه أما أنا -اقتداء بالمنهج العلمي- أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من
إشكاليات و أنتظر منهم النقد المفيد ولا أقصد فرض رأيي
عليكم بالأمثلة والبراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى،
وعلى كل مقال قد يبدو لكم ناقصا
أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي.
قال أنشتاين: "لا
تُحَلّ المشاكل باستعمال نفس أنماط التفكير التي أنتجتها".
تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الجمعة 18 سبتمبر 2015.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire