لماذا نركِّز في تعليمنا على
تنمية الذكاء المرتبط بالمخ (رياضيات، آداب، هندسة، تاريخ، إلخ) و نُهمل أنواع
الذكاء الأخرى المرتبطة بباقي أعضاء الجسم (الحِرف اليدوية، الرسم، الرقص، الموسيقى،
الفلاحة، التمريض، المسرح، الطبخ، التعلم من اللعب بكل حرية مع الأقران، إلخ) و
كأن ”الجسم لا يعدو أن يكون إلا مجرد وسيلة نقل للمخ“.مواطن العالَم د. محمد كشكار
علمتني البيئة الريفية في
الخمسينات والستينات من القرن الماضي ما يلي في قرية جمنة تحديدا:
-
تعلّم نطق اللغة العربية الفصحى عن طريق حفظ جزء عَمَّ من
القرآن الكريم في الكُتّاب الوحيد بالقرية.
-
التعلّم عن طريق الانغماس الكامل في اللعب مع الأقران
دون رقيب كهل. كنا نصنع لعبنا بأنفسنا. كنا نمسرح عاداتنا على شكل جمل عاشوراء.
كنا نسهر ليلا على الحكايات الخيالية من التراث وكانت تستهوينا وكنا نصدقها. كنا
ننوّع وسائل لهونا حسب الفصول (خُوطَة، غُمِّيضَة، بِيسْ، مَشَّاية عند نزول
المطر، دِرْڤِيلة، كَرُّوسة، بالُّون ابرِيزُونييه، إلخ).
-
تعلّم فلاحة الأرض و أنا تلميذ في سن 14 من قلب وسقي
وزرع وتسلق النخيل للتلقيح أو قطع العراجين أو جني التمر الرطب.
-
تعلّم تربية الماعز من تشييع وحلب وتغذية.
-
تعلّم الرقص دون خجل على نغمات الحضرة العيساوية.
-
تعلّم صيد العصافير و الجرابيع بواسطة مصيدة من صنع
أناملنا الصغيرة (أعترف أنني لم أكن بارعا في هذا المجال المعادي لحرية الحيوانات
البرية).
-
تعلّم الاعتماد على النفس والسفر بعيدا للدراسة دون
مرافقة الأولياء.
-
تعلّم تحمّل مشاقّ العمل اليدوي 12 ساعة "مرمّة" في اليوم من قبل
تلميذ في سن 14 تحت شمس الجنوب التونسي الحارقة في عطلة الصيف.
-
تعلّم التكفل بمصاريف عائلتك أثناء عطلتك المدرسية وأنت
في سن 14 عوض اللجوء إلى الراحة واللهو مثل أترابك.
ماذا تعلم البيئة الحضرية في
مدينة القرن الواحد و العشرين (مدينة حمام الشط تحديدا):
-
الذهاب يوميا إلى الروضة أو المدرسة أو إلى حصص المراجعة
الخاصة حيث يُستهان بالذكاء التجريبي و الجسماني و تُقمع المبادرة الفردية و
يُركّز على الذكاء الذهني وكأن لا وجود لذكاء غيره. لا أعمال يدوية ولا رقص ولا
نحت ولا رسم ولا مسرح ولا موسيقى ولا طبخ ولا خياطة، باختصار لا حياة طبيعية حرة
في الروضة ولا في المدرسة.
-
لا تسلية في الدار سوى تسلية المخ بالألعاب الافتراضية
أما الجسم فلا عمل له سوى نقل سيده المخ من البيت إلى المدرسة أو في بعض الأحيان
إلى مدينة ألعاب جامدة رغم حركتها الأوتوماتيكية المبرمجة سلفا لك و لغيرك.
إمضاء م. ع. د. م. ك.
لا أقصد فرض رأيي عليكم
بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى،
و على كل مقال قد يبدو لكم ناقصا
أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي.
ملاحظة هامة:
جميع حقوق التأليف و النشر
لجميع مقالاتي الألف إنتاجا و ترجمة
أصبحت أخيرا و الحمد لله مسجلة و محفوظة لدى "اتحاد المدوّنين" و "شركة ڤوڤل العالمية". (سري للغاية و
معترف بشهادتهما لدى المحاكم التونسية و الدولية).
تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الأربعاء 29 أفريل 2015.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire