حتى الآن لم أكتب حرفا واحدا إلا لنفسي: أقصد لتحرير
نفسي من التراكمات التراثية التي تضغط عليَّ ومن التصورات غير العلمية التي ورثتُها
عن الطفولة والعائلة والبيئة
والجامعة والشباب والانتماء الأيديولوجي والمجتمع بأسره. هذا يعني أن الكتابة
بالنسبة لي هي بمثابة حفر أركيولوجي في الأعماق وبمثابة تحليل علمي للذات الفردية
والذات الجماعية التونسية الأمازيغية والإسلامية والعربية على حد سواء. الكتابة
بالنسبة لي هي أداة نقد ضد كل ما هو سائد، في العالم وخاصة العالم العربي
والإسلامي، من أجل تعريته وتفكيكه أو تجاوزه إذا ما استطعتُ إلى ذلك سبيلا. أما
أولئك الذين يعجبهم الوضع القائم كما هو، ويريدون ليس فقط المحافظة عليه وإنما
العودة به إلى الوراء أكثر، فعلاقتي بهم أبنيها بكل محبة على الجدل والتفاعل
الفكري غير الأيديولوجي وليس على الرفض والإقصاء لأنني لسبب بسيط لا أستطيع شطب
تاريخي التونسي الأمازيغي-الإسلامي-العربي، ولا أقدر على معاداة أهلي وأصدقائي
وأحبائي مهما اختلفتُ معهم فكريا.
لم تخدعني الأيديولوجيات اليسارية المنبتّة المنتشرة في
تونس وفي شتى أنحاء العالم العربي الإسلامي. كنت أشعر أن الأمور أعمق وأعظم من
خلاف بين اليمين واليسار. فقد كانت هذه الأيديولوجيات تتحدث عن كل شيء ما عدا
الشيء الذي ينبغي التحدث عنه
وهو حالة المستضعفين في الأرض. هذه الأيديولوجيات عجزت عن تسمية الأشياء بأسمائها وعجزت عن تحمل مسؤولية
الواقع ومشاكله الملتهبة لأنها تريد أن تغيره دون أن تفهمه وعجزت عن الحفر
الأركيولوجي حتى تصل إلى أعماق وجذور تراث المجتمع التونسي الأمازيغي-الإسلامي-العربي.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire