vendredi 31 janvier 2025

أعرّفُ نفسي ؟ مواطن العالَم

 

 

محمد كشكار, أستاذ تعليم ثانوي في مادة علوم الحياة والأرض، متقاعد بعد 38 سنة تدريس، متفرّغ كليًّا للمطالعة والكتابة، دكتور في تعلّميّة البيولوجيا، متخرج سنة 2007 تحت إشراف مشترك من جامعة تونس وجامعة كلود برنار-ليون 1-فرنسا.

       مواطن العالَم تونسي الجنسية، أمازيغي-مسلم-عربي حسب التسلسل التاريخي: أمازيغي الجذور، ترومنت، تقرطجت، تأسلمت، تعرّبت، وتعولمت فتتونست وتونسيتي هي انبثاق من تفاعل كل هذه الحضارات المذكورة جميعا. يساري ديمقراطي، عَلماني مائة بالمائة، لكن على الطريقة الأنجلوساكسونية المتصالحة مع الدين وليس على الطريقة الفرنسية المعادية للدين. مؤمن بالعلم مائة بالمائة. مُعجب بالنمط الأسكندنافي: قال شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة (الحسبة): "الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة". متماهٍ مع مجتمعي التونسي الأمازيغي-الإسلامي-العربي. أممي، معادٍ للإدارة الأمريكية الحالية وملوك وأمراء الخليج العربي وحلف الناتو الاستعماري الجديد. هذا تعريفٌ أراه لوحده مُبِينًا، أتبناه حيطة وحذرا علميا، لا هروبا وتقية من التعريفات السائدة كاليسارية والعَلمانية والحداثة، هذه المفاهيم الثلاثة الأخيرة التي شُوِّهت عن قصد سياسي وغير علمي من قِبل أعدائها وغير المطلعين على تراثها العالمي الرحب والغني. شوّهها اليمينيون المثقفون وغير المثقفين الذين حمّلوها ما لا تتحمل ونسبوا إليها -جهلا وظلما وبهتانا- مفاهيم غريبة عنها كالميوعة و"قلة الرجولية" والكفر والإنبتات والخيانة الوطنية. لكن في المقابل -وللأسف الشديد- لم يحاول الشيوعيون والقوميون والاشتراكيون تطويرَ العلمانية، ولم يخلّصوها من بعض المفاهيم الشوائب التي ألصِقَت بها منذ ثلاثة قرون تقريبا،  ولم يسلّطوا نقدهم الذاتي العلني على بعض مفاهيمها المتكلّسة كشيطنة الإسلام، التي أفهمها فقط كرد فعل شرعي منهم للدفاع عن أنفسهم ضد تهديدات المتطرفين من الإسلاميين، الداعين لقتلهم ونفيهم أو صَلبهم وتقطيع أيديهم وأرجلهم من خلاف، لا لشيء سوى معارضة هؤلاء الفكرية لتيار "لإسلام السياسي"، معارضةٌ سياسيةٌ وسلميةٌ بالمظاهرات والاعتصامات التي لا تعطل مرفقا عاما. أقفُ ضد دكتاتورية الحزب الطلائعي الأوحد باسم دكتاتورية البروليتاريا وعبادة الشخصيات التاريخية السياسية، وتقديس الحكام الدكتاتوريين، كَـلينين وستالين وماو وكاسترو وڤيفارا وعبد الناصر وصدام والأسد، مع احتفاظي باحترامي التام للتابعين لهؤلاء من الرفاق المعاصرين المناضلين التونسيين النقابيين القاعديين اليساريين الصادقين النزهاء، الذين تربيتُ في بيئتهم وناضلت معهم وأعترف وأشهد لهم بالوطنية والشجاعة أيام معارضتهم لبورقيبة وبن علي والحكومات المتعاقبة بعد الثورة.

 

كبعض المفكرين المسلمين، أتأرجح في موقفي الكشكاري الشخصي من الحرية بين مناصرة الحركة الاشتراكية فيما يتعلق بالحقوق الاجتماعية وبين مناصرة الليبرالية فيما يتعلق بالحريات الفردية.

أنهي إمضائي بمقولتين توفيقيتين جميلتين من مصدرين، يبدوان ظاهريا مختلفتَين بل متناقضتَين، لكنهما تنتميان إلى التراث الإنساني العالمي المتسامح مع حِفظ المقام العالي لرسولنا الكريم، ولا يستطيع أن ينكرهما أي من الخصمَيْن الفكريَّيْن، اليساريين والإسلاميين: 1. حديث للرسول صلى الله عليه وسلم: "لن يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". 2. مقولة ماركسية، آيةٌ في نكران الذات: "مِن كل حسب جهده ولكل حسب حاجته"، والسلام على اليسار واليمين المطبوعَين تونسيًّا رغم أنفَيْهما.

 

يبدو لي أنه علينا أن نغربل تراثنا العربي-الإسلامي حتى نعرف كيف نتصل بماضينا لننفصل عنه، أو كيف ننفصل عنه لنتصل به.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire