mercredi 9 janvier 2019

هل أصبحنا سجناءَ شهواتِنا؟ فكرة الفيلسوف ميشيل أونفري، تأثيث مواطن العالَم



 (Nos désirs sont-ils nos faiblesses?, sujet du bac philo fr)
من المفارقات الكبرى أننا أصبحنا نعيش في عصر انقلبت فيه المفاهيم، وأصبح كبحُ الشهوات رذيلةً وتلبيتُها فضيلةً! لو أردنا الاستمتاع بحياتنا - دون إلحاق أي ضررٍ، لا بغيرنا ولا بأنفسنا - وجب علينا تدريب أنفسنا وتربية أولادنا على الإعلاء من قيمة كبح الشهوات، نلجمها عوض أن نطلق لها العِنانَ.

1.     كيف نفعل مع أنفسنا؟
الشهوات لا تنتهي.. شهوة تنادي شهوة.. شهوة تدفعك إلى ما أشهى.. سلسلة لا نهاية لها إلا تحت اللحد: 
-         مَن رزقه الله خِلفةً بنات، يشتهي صبيانًا!
-         مَن كان له طابقًا سكنًا، يشتهي طابقًا ثانيًا وثالثًا!
-         مَن كان يملك سيارة "نصف لْباس"، يريد سيارة " لْباس ونصف"!
-         مَن كان له دخل حلال، يطمع في دخل حرام (ساعات خصوصية بأثمان مشطة، مهنة ثانية، 17 شهرية، إلخ.).
-         مَن كان له تلفزة واحدة، "يطمح" إلى امتلاك اثنتان أو ثلاث!
-         مَن كان له زوجة واحدة أو أربع، يرغب في عشيقة!

كل هذه الشهوات المذكورة أعلاه، شهوات غير طبيعية (لا توجد عند الحيوانات) وغير ضرورية (نستطيع أن نعيش دونها مثل السيارة الفاخرة، الجاه والسلطة، إلخ.)، هي رغبات لا تضيف شيئًا كثيرًا إلى حياتنا، لكنها تضيف الكثير الكثير لصاحب الكثير على حساب الأجير الفقير، تضيف المال الوفير إلى جيوبِ مَن ولّدها فينا، وهل يوجد مفسد أكثر منه فسادًا وإفسادًا، أعنيه ولا أعني أحدًا غيره، الرأسمالي الجشع، الطفيلي الذي لا يشبع أبدًا، الله يهدّه. رغبات لا تزيدنا بهجة ولا سعادة، بل تزيدنا أرقًا وقلقًا لاستحالة تلبيتها جميعًا. رغبات تزيد  الفقير فقرًا والثري ثراءً.

لسائلٍ أن يسأل وهو محق في سؤاله: وهل بدأتَ بنفسك وطبقت عليها هذا المبدأ عوض التشدّق بمثاليات فارغة؟ طبعًا لا، وإلا لَما تكلمتُ عنها بهذه الحُرقة. تقدُّمُ العمر وقلة ذات اليد أجبراني على محاولة توخّي الحكمة تحت ضغط الإكراهات المادية اتقاءً لشرور الشهوات وذلك بالحد من بعضها وتجنب ما يمكن التجنب فيها:
-         بعت السيارة فربحت زيادة في ميزانيتي الشهرية لا تقل عن مئتي دينار، تحسنَ مستوى معيشتي وارتفعت قدرتي الشرائية دون زيادة في المرتب.
-         لم ألحّ على اجتياز مناظرة الانتداب في الجامعة، جرّبت مرة واحدة وفشلت فلم أكرر التجربة واكتفيت بأستاذ ثانوي رغم إغراءات الجامعة مالاً وجاهًا.
-         تحصلت مرتين على خطة مدير إعدادية وقدمت استقالتي مرتين رغم إغراءات المنصب مالاً وجاهًا.
-         دفنت الرغبة في متعة السفر إلى الخارج رغم أن لي بنتًا في كندا تفرح لقدومي وأختًا في باريس.
-         قدمت عشرات المحاضرات مجانًا ولو طلبت لأخذت وأنا المحتاج، مع العلم أن الرغبة في طلب مقابل ليست عيبًا، كبحت هذه الرغبة الطبيعية في نفسي ترفّعًا. للأمانة أعطوني مرتين دون أن أطلب، 60د من صديق و100د من الاتحاد.
-         ألفت كتابًا "جمنة وفخ العولمة" تطوعًا لفائدة جمعية تضم عشرة متطوعين، جمعية حماية واحات جمنة هي التي دفعت تكاليف طباعة ألف نسخة، هي أخذتْ منها 900، أنا احتفظتُ بـ100، بعت نصفها وأهديت النصف الآخر. لم يصلني من الجمنين، حول محتوى هذا الكتاب، إلا النقد الجارح، ومن التشجيع لم أسمع إلا ما ندر. ملاحظة، نشرتها وأعيد نشرها لأنني مستاء وكما قال طرفة بن العبد في معلّقته "وظلم ذوي القربى أشد غضاضة على النفس من وقع الحسام المهند"!
-         تعلمت عادة جميلة من صديقي الكاتب التروتسكي بشير حامدي بشير: خلال محاضراتي، وعندما أعرض للبيع كتبي الأربعة، أضع أمامها لافتة كُتِبَ عليها "من صفر دينار إلى 25د"، الغريب نفرًا قليلاً جدًّا مَن يشتري، ولا أحدَ يأخذ مجانًا، وكأنهم لا يصدّقون ما كتبتُ. لا ألوم عليهم، ومَن أنا حتى يضيّعون وقتهم في قراءة كتبي؟
-         رفضت الاقتراض من أجل بناء طابق ثان طمعًا في كرائه.
-       منذ 20 سنة تقريبًا، اشتريتُ جوّالا بـ40د، صندوقُه لم يُفتَح أبدًا، "ربّيتْ عليه الكبدة" ولا تغريني النسخَ المتطورةَ التي أراها يوميًّا في المقهى عند الأصحاب، ولو عبّرتُ عن رغبةٍ في الجديدِ، لَجاءني على الفورِ هديةً من ابنتي في كندا أو من ابنة أختي في عُمان أو من ابنة أخي في الإمارات أو من أولاد أختي بباريس. لا أحتاجُه إذن لا أشترِيه، ولا أطلبُه ولو مجانًا.  
- بعد التقاعد، دخلت "ببوشتي"، انزويت، تنسكت، تصوفت، ومكرها أخاكم لا بطل تقشفت. عشقت روتيني اليومي: س 6، فرحٌ مسرورٌ مهرولاً إلى مقهى الشيحي في حمام الشط الغربية الشعبية، المقهى التعيسة التي لم تعد تعيسة، (مطالعة، أطوي الكتاب عند قدوم أول الأصحاب، جلسة درجة 1 و2 معرفة، حس عام وعلوم، ولا أستثني نفسي، مع العلم أنني ومنذ مدة لم أشتر كتابًا واحدًا لأن الكتابَ هو السلعة الوحيدة المتوفرة بالمجان في المكتبات العمومية أو عند الأصدقاء والأحباب). س 10، فرحٌ مسرورٌ مهرولاً إلى الدار، كتابة مقال أو الاستماع والاستمتاع بمحاضرات شيقة لفلاسفة فرنسيين من أمثال أونفري، سارّ، موران، الشابي، معلوف، جاكار، فنسان، أتلان، وغيرهم، سبع ساعات من التسبيح والمتعة الجدية تتخللها قيلولة بساعة أو ساعتين. س 17، فرحٌ مسرورٌ مهرولاً إلى مقهى الأمازونيا في حمام الشط الشرقية البورجوازية (حوار متنوع ومتجدد مع فيلسوف حمام الشط، جلسة درجة 3 معرفة، فلسفة فوق العلوم). س 20، فرحٌ مسرورٌ مهرولاً إلى الدار، زوجتي المصون، تاج رأسي وبيدها العصمة والحكمة ومسؤولية القضية والمصروف داخل الدار وخارجها، خففتْ عليّ الحِمل فتفرّغت للقراءة والكتابة، الله يخفف ذنوبها يوم القيامة، أرضخ صاغرًا إلى ذوقها، أتقطع، على وزن أتمتع، مع نوفل النزِقْ ولطفي المرتزقْ وبوغلاب الغبي اللبقْ. كل يوم على هذا الحال وربي يدوّم هذه النعمة ويحميها من الزوال، نعمة، صدّقوني، حاشا أن أكذب عليكم أو أبالغ، والله نعمة. بجاه ربي، قولولي، "ناسِكْ ولّ موش ناسِكْ"؟
-         سياسة كبح الشهوات أعطت نتيجةً إيجابيةً جدًّا على المستوى الشخصي: مرتب متواضع لأستاذ ثانوي متقاعد قبل الترقيات الاستثنائية، العائل الوحيد دون دخلٍ ثانٍ، استطعتُ أن أدخر شهريًّا ثلثه لمجابهة الطوارئ الاجتماعية والصحية خاصة في غياب كنام ناجع، ووفرت مالاً لطباعة كتابَين على نفقتي الخاصة دون اللجوء إلى الاقتراض البنكي أو "الروجْ"، ولا إلى "كارطة بنكية" أو  دفتر شيكات، والحمد والشكر لله.

كيف نفعل مع أولادنا؟
من باب البيداغوجيا وعلم النفس التربوي، يجب علينا كبح شهوات أولادنا، ففي الحرمان تهذيب للنفس وتدريب وفائدة وتعليم، وفي تلبية كل شهواتهم سوء تربية على حد قول عالم البيداغوجيا (L`absence d`autorité chez les enfants est une sorte de maltraitance, je pense que c`est Philippe Perrenoud). ليس كل شهوة مشروعة، وليس كل رغبة تُشبع، ولا كل طلب يُلَبَّى، وليس كل متعة متاحة هي أوتوماتيكيًّا مباحة. علينا أن نعلّم أولادَنا الصبرَ والإحساسَ بالحرمان (La frustration) وإيثار الغير (L`altruisme) والتضامن والتكافل والعيش المشترك، فليس الإنسان كائنًا منعزلاً في جزيرة غير مأهولة، وليس كل إشهارٍ فيه صدقٌ ومنفعةٌ.
في هذا المضمار سأكون صادقًا معكم كما عهدتموني: نجحت نسبيًّا في كبح شهواتي الشخصية وفشلت في تعليم ابني الصغير (16 سنة) كبح شهواته إراديًّا، جوّال بمليون وحاسوب بمليونين و"موش عاجبُو". نفس الأب الضعيفة لم تطاوعني على فرض سلطتي عليه خاصة وأنه "ڤريد العِشْ" والوحيد الذي ما زال يؤنسني في الدار.


Conclusion: « Les choses qu`on possède finissent par nous posséder

خاتمة: لا أحدَ وصيًّا على أحدٍ، ولا أحدَ يقدر على إقناعِ أحدٍ، ما لم يرغب المتلقّي في تغييرِ نفسه بنفسه والله يهدي الجميع لِما فيه خير الجميع.
"شايخ ديما شايخ"، عنّت في رأسي فكرة، أكتبها عن نفسي الأمّارة بالسوء حتى أكسر كبرياءها وأربّيها وأدربها على كبح شهواتها، لستُ ناصحًا ولا إمامًا ولا معلما ولا عالِمًا ولا باحثًا، أنا مواطن يفكر بصوت عالٍ و"يشيخ" أكثر لو شاركتموه همومَه الفكرية، لا أكثر ولا أقل.

ملاحظة: مقال مستوحَى من محاضرة لفيلسوف فرنسي معاصر، يساري تحرري ما قبل ماركس، ملحد مسيحي كما يعرّف هو نفسه، عنوانها (La frustration dans la société de consommation). تصوّروا لو أصّلت الفكرة 
(L`indigénisation)
وبرهنت على وجودها في ثقافتنا الإسلامية وعنونت مقالي كالتالي "الجهاد الأكبر، الجهاد ضد النفس"، لو فعلتها لنعتني بعض رفاقي بالرجعي المتودد لأصدقائه النهضاويين.

إمضاء مواطن العالَم، شعبوي-تطوّعي-تضامني-اجتماعي، نسبة إلى تجربة في الاقتصاد الاجتماعي-التضامني، تجربة لا شرقية ولا غربية، تجربة أصيلة نوعية ومبتكرة في جمنة مسقط رأسي:
الناقدُ لا يُطالَبُ ببديلٍ. البديلُ ليس جاهزًا. البديلُ يُصنَعُ ولا يُهدَى.  وعلى كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف اللفظي. كشكار
"المثقّفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العمومية" فوكو
و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الخميس 10 جانفي 2019.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire