1.
أبدأ بِتَذَوٌّقِ الأطعِمةِ: هي صفةٌ تشتركُ في آدائها
حاسّتان بيولوجيتان اثنتان، الذوقُ والشمُّ. لو نقص الشم أو غاب، تأثرت حاسة الذوق
تأثرًا ملحوظًا. في البلدان المتقدمة يُدرّبُ الأطفال في الروضة على صقل أذواقهم. ولكي
لا أجرح أحدًا، سأسوق لكم كل الأمثلة عن شخص أعرفه جيدًا، اسمه محمد كشكار: في بداية
2000 وردًّا لِجميلٍ، دعانا مدير
أطروحاتنا إلى عشاءٍ فاخرٍ في أغلى مطعمٍ في ليون (ثلاثتنا، طلبته التوانسة).
طلبتُ روتي دجاج (أشهى طبق عندي حتى اليوم). التفتَ لي أستاذي وقال: لستَ في تونس؟
صمّتت، قرأت القائمة، وجدت اسمًا فيه الدجاج (Poulet fermière aux). أحسستُ أنني من ورطةٍ نجوتُ.
تصوروا ماذا طلعت بالضبط؟ برودو بالدجاج!
صبرت وأكلتُ (20 أورو على ما أتذكر).
2.
تَذَوُّقُ الموسيقَى: الآن، لو خيّرتني بين سهرية في
قرطاج مع سمفونيات بتهوفن وموزار وفيردي وسهرية في جمنة مع حضرة عيساوية؟ سأختارُ،
ودون تردد، الثانية! لا يعني أن الحضرة خير من بتهوفن، بل يعني أنني لم أربِّ أذني
ومخي على الاستمتاع بروائع الموسيقى العالمية، ولم أصقل ذوقي ولم أدرّبه، ومَن شبّ
على شيء شاب عليه. العلّة تكمن فيّ أنا لا في بتهوفن.
3.
تَذَوُّقُ لوحات بيكاسو: أراها وأمرّ، لا تثير فيّ أي
شعورٍ بالجمالِ. طبعًا العيبُ فيّ وليس في بيكاسو، لكن "هانا عايشين"
دون لوحات فنية معلّقة على جدراننا!
4.
تَذَوُّقُ الشعرِ: أطربُ لنزار ولا أستسيغُ درويش، وفي
مرة من المرات، نابَ عليّ ربي بأستاذ عربية متمكن (علية عبودة)، شرح لي بيتًا
لدرويش فبُهت الذين جهلوا اللغةَ العربيةَ وإعجازَها! أقرُّ أنني لا أملك آليات
تذوق الشعر الرفيع. شاعر روسي قال: لماذا نطلب تكوينًا في الهندسة لكي نفهم رسمًا
هندسيًّا، ولا نطلب تكوينًا شعريّا لكي نتذوّقَ قصيدةً؟
5.
تَذَوُّقُ الترحالِ والسفرِ والسياحةِ: الآن، لو خيّرتني
بين قضاء عطلة في كندا وزيارة شلالات نياغارا، وسهرية في الصيف في جمنة فوق عِرڤْ
رملة في كُشّادة مع كأس تاي أحمر عاڤِدْ؟ سأختارُ، ودون تردد، الثانية! في المطلق
كندا خِيرْ طبعًا، لكن عند كل جمني جمنة خِيرْ. "حَوِّسْ تَفْهَمْ، إڤول
الدزيري"!
خاتمة:
أجازفُ، أعمّمُ وأقولُ: صدّقونا يا أعاجم عندما نقول دومًا الحمد لله على كل حال،
فنحن نقول الصدق ولا شيء غير الصدق. في المقابل، أنا أصدّقكم عندما لا تقولوا
مثلنا الحمد لله. كل إناءٍ بما فيه يرشحُ، ولا حضارة خِيرْ من حضارة، ولا أحدٌ أحسنَ
من أحدٍ، وكل واحدٍ "واشَعْطاهْ" ربي في الدنيا الدنيا.
خلاصةُ
القولِ: لا يولدُ
الإنسانُ من رَحِمِ أمِّهِ ذوّاقًا، بل يُصبحُ ذواقًا بالممارسةِ والتهذيبِ
والصقلِ.
إمضاء مواطن العالَم، تطوّعي-تضامني-اجتماعي، نسبة إلى تجربة في
الاقتصاد الاجتماعي-التضامني، تجربة لا شرقية ولا غربية، تجربة أصيلة نوعية
ومبتكرة في جمنة مسقط رأسي:
الناقدُ لا يُطالَبُ ببديلٍ. البديلُ ليس جاهزًا.
البديلُ يُصنَعُ ولا يُهدَى. وعلى كل مقال سيء
نرد بمقال جيد، لا بالعنف اللفظي. كشكار
"المثقّفُ هو
هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العمومية" فوكو
و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران
تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الخميس 3 جانفي 2019.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire