مقالٌ غير علميٍّ ولا يستندُ
لأي تحليلٍ سياسيٍّ،
و"لغة لو" لا مكانَ لها في التاريخ، لكن وفي نفس الوقت هو مقالٌ خالٍ من
الفنتازيا والتهيؤات، مقالٌ لا يخلو من الواقعية والمنطق، مقالٌ يذكّرني بشبابي
الماركسي-اللينيني كما تُذكّرُ السلفيةُ-الجهادية راشد الغنوشي بشبابه، ولا فرق عندي
بين الفريقين في مرجعيّتَيهِما الموغلتَين في الانضباط الحزبي القطيعي، وفي
الإقصاء والتكلس والانغلاق الفكري، وفي عدم الإدانة صراحةً لاستعمال العنف المسلّح
كوسيلةٍ محتملةٍ للانقضاضِ على السلطة متى سنحت الفرصة لذلك، سيناريو هو عبارة عن
أحلام كانت تعشش في دماغي الفتي غير الناضج، مقالٌ أنسبُ فحواه إلى ما كان يدورُ
في خَلدي وبالي ونفسي قبل الردّة الجزئية عن الماركسية، وهي في نظر أصدقائي
القدامي الماركسيين تُعتبَرُ كفرًا والعياذ بالله، داءٌ فَتَكَ بعبدكم النكرة، مصيبةٌ
أصابتني، ولا رادَّ لقضاء الله عافكم الله - أنسبُ فحوى المقال لنفسي لا لغيري حتى
لا أتَّهمَ بنقل ما يدور في الجلسات اليسارية الحميمة، يكفيني تهمًا باطلةً.
اربطوا حزامَ الأمان وامتطوا
بُراقَ كشكار ولن تندموا
على الرحلة في عالَم الخيال وكل تشابه في الأسماء اعتبِروه من فضلكم غير مقصودٍ،
حتى ولو كان تطابقًا وليس تشابهًا. لا تقلقوا ورافقوني إلى نهاية الفيلم المجاني،
وهذا بـ"اختصار شديدٍ" وصفٌ للأحداثِ كما تَصوّرَها ماركسيٌّ سابقٌ مرتد جزئيًّا،
اسمه محمد كشكار:
-
لنفرِضْ جدلاً أن اليسار الشيوعي
اللينيني-الستاليني-الماوي (Stalinien pur et dur) بقي في أوجِ عطائِه وقوّتِه اللذان
سادا في ساحات جامعة الستينيات والسبعينيات (برسبكتيف والعامل التونسي) دون منافسٍ
أو منازعٍ، وبقيَ المعارض الوحيد خلال عهد بورڤيبة وعهد بن علي. أعني به بالضبط،
الحزب الشيوعي بقيادة محمد حرمل (PCT)، وحزب العمال الشيوعي بقيادة حمة
الهمّامي (POCT)
وحزب الوطد بقيادة محمد منصف العياري الملقب بالطبيب (شخصٌ محترمٌ، مؤسس حزب الوطنيين
الديمقرطيين - عن أي ديمقراطية تتحدّثون أيها الستالينيون؟ - لُقِّبَ بالطبيب لأنه
يتصرّفُ كالطبيب، يعمل كشفًا دقيقًا على كل مرشح جديد لعضوية الحزب السرّي، وهو
الوحيد - على ما أظن - الذي يُقيِّم نضالية المرشح، يقبله أو يرفضه أو يتركه تحت
التمرين في انتظار كشف طبي ثانٍ)، و"حزب" الوطج (الوطنيون بالجامعة)
بقيادة شكري بلعيد. ما دمنا في عالَم الخيال فكل شيء ممكن، اعتبروا الأمواتَ
أحياءَا في الدنيا يُرزقون، واعتبروا شكري والبراهمي ما زالا عائشَين، وأن "الجهاز
السري للنهضة" لم يَغتلْهما، خلافًا لاتهام "الجبهة".
-
لنفرِضْ جدلاً أن النهضاويين قلّة في المجتمع التونسي،
صفر فاصل كاليساريين في الواقع، وأن تأثيرهم لم يخرج عن نطاق العاصمة وأحوازها
(سُئِلَ بورڤيبة في 1981: لماذا منحتَ ترخيصًا للحزب الشيوعي التونسي (PCT)؟ أجاب: لأنني أعرفُ مسبقًا أنه
لن يفوتَ باب عليوة! في هذه صَدَقَتْ نبوّتُك أيها "الزعيم"!).
-
لنفرِضْ جدلاً أن لليسار 30 ألف سجين سياسي وعشرات
الشهداء وآلاف المهجّرين قسرًا ومئات المعذبين بدنيًّا وآلاف المفروزين أمنيًّا
المطرودين من شغلهم.
-
لنفرِضْ جدلاً أن كل هذه الفرضيات حدثت لليسارِيين فعلاً
وليس خيالاً، وفاجأتهم الثورة فماذا عساهم فاعلون بالسلطة وكيف سيتصرّفون حيال
خصومهم الليبراليين الحداثيين كالدساترة والتجمعيين وحيال خصومهم الليبراليين
المحافظين كالنهضاويين والسلفيين والتحريريين (نسبةً إلى حزب التحرير الإسلامي التونسي)؟
الجواب
في السيناريو التالي
الغني بالقوانين التشريعية والإجراءات الحكومية، ولكي لا أطيلَ عليكم أكثر مما
أطلتُ، سأكتفي دون ترتيب تفاضلي بتعداد خمسة إجراءات وعشرة قوانين:
أ.
الفقرة الأولى: الإجراءات الثورية الخمسة الصادرة عن المجلس الشيوعي
الثوري الحاكم خلال الفترة الانتقالية في انتظار إجراء انتخابات ديمقراطية،
و"استنِّي يا دجاجة حتى إجيكْ الڤمحْ من باجة"، و"يا طامعْ بالعسلْ
من طبْلة بوفِرْزِزّو":
1.
بعد هروب بن علي انقضّ الشيوعيون مباشرة على السلطة
التنفيذية والجيش والداخلية وكل وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية، وأعلنوا
في البيان رقم 1: حمة الهمّامي رئيسًا للجمهورية الشيوعية التونسية. شكري بلعيد
وزيرًا أولاً. محمد منصف العياري رئيسًا للمجلس التأسيسي للثورة المنصّب دون إجراء
انتخابات ولو صورية.
2. عينوا
ثوريًّا وفوريًّا: عمّار عمروسية ناطقًا رسميًّا للحكومة
لسلاسة سلاطة لسانه وحسن فضاضة بيانه. عبيد البريكي وزيرًا للتربية لماضيه النضالي
المشرِّف في المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل، المؤسسة غير التجمعية
الوحيدة، هذه المؤسسة الصامدة التي زكّت
ترشح بن علي للرئاسة مرّتين. محمد البراهمي وزيرًا للخارجية لتلطيفِ وَقْعِ
الشيوعية على العرب والغرب، أول زيارة قام بها للخارج، كانت للشقيقة كينيا
استجابةً للعلاقة التاريخية التي تربط بين البوكت والحزب الشيوعي الكيني، ثاني
زيارة لدمشق من أجل مساندة أسد العروبة ضد الظلاميين إخوان وسلفيين، ووعد بشّار
بالمدد من المجاهدين العلمانيين المتطوعين أسوةً بأسلافهم الشيوعيين
مثل كاسترو الذي أرسل 100 ألف جندي غير متطوّع لتحرير أنڤولا وناميبيا من براثن
الاستعمار الأبيض الجنوب الإفريقي، وفعلا حررهما من الاستعمار لكنه سلمهما لقمة
سائغة لديكتاتورية الأحزاب الشيوعية في البلدين. مختار الطريفي، وزيرًا لحقوق
الإنسان - أي إنسان تقصدون أيها الستالينيون، أنتم وحلفاؤكم القوميون؟ - جزاءًا له على بلائه الحسن عند حضوره المتميّز
في الحصة التلفزية للمنشط البارع سامي الفهري مساء يوم 13 جانفي 2011، 24 ساعة قبل
هروب بن علي. منجي الرحوي، وزيرًا للمالية، لن تغريه الميزانية فهو في
"البانكة" متعود على 17 شهرية، يذهب ليتفاوض مع صندوق النقد الدولي حول
الديون القذرة (Les dettes odieuses) التي سرقها بن علي و40 حرامي طرابلسي
والتي يحق لتونس الثورة أن تتملص من تسديدها حسب قانون في الأمم المتحدة (المفارقة
الكبرى أن هذا القانون العادل أوعزت بإنشائه قديمًا أمريكا من أجل مساندة حليفتها
كوبا ما قبل كاسترو ضد غريمتها إسبانيا)، رجع من المفاوضات خائبًا وصرّح قائلاً :
"أهانونا الكلاب"، كما صرح من قبله زميله وزير مالية حكومة اليسار
اليونانية عند رجوعه من المفاوضات حول ديون بلاده مع الاتحاد الأوروبي، لم يرحموا
اليونان مهد حضارتهم الإغريقية فكيف تنتظر منهم أن يرحموا حضارتك الإسلامية المنافسة حتى ولو أنكرت أنتَ
انتماءك لها فأنت حضاريًّا مسلم حتى ولو كنتَ عقائديًّا ملحدًا. سمير بالطيّب وزيرًا للإعلام الشيوعي الوحيد الأوحد الموحّد
(في الثورات الشيوعية لا تُلغَى وزارة الإعلام، بل تُضاعَف ميزانيتُها لأن نتائجَها
"التربوية" التعبوية أسرع بكثير من وزارة التربية). الكزدغلي وزيرًا
للتعليم العالي. راضية النصراوي حرم الرئيس وزيرة للعدل. بسمة بلعيد حرم الوزير
الأول وزيرة للمرأة. يوسف الصدّيق وزيرًا للشؤون الدينية. وختامُها مِسْكٌ، محمد
الطالبي مفتِيًا للجمهورية.
3.
أعفوا ثوريًّا وفوريًّا من العمل جميع المسؤولين
الموروثين من العهد البائد: عُمد، رؤساء مراكز الأمن، معتمدين، ولاّة، كل ر. م. ع.
المؤسسات العمومية، مديري المؤسسات التربوية العمومية والخاصة. عيّنوا ثوريًّا وفوريًّا مسؤولين شيوعيين صافين موالين
مطيعين. سمعتُ واحدًا من التجمعيّينَ يحتج؟ أجابوه بكل حزمٍ ستالينيٍّ: احمدوا
ربكم أننا لم نفعل بكم ما فعل أسلافُنا بخصومهم: لينين قتل كل أفراد عائلة قيصر
روسيا سنة 1917، تاريخ اندلاع الثورة
الشيوعية، قتلهم بنسائهم ورجالهم، بكبيرهم وصغيرهم ولم ينجُ منهم صدفةً إلا رضيعٌ واحدٌ. ماو كان يشنق البورجوازي
الصيني ويقول رائع جدّا وكنت في العشرين
من عمري أردد وراءه وأنا في جمنة: يا للروعة. بول بوت حَكَمَ في كمبوديا أربع
سنوات (1975-1979)، قتل فيها مليون بشر، ربع شعبه حينذاك. هَمْهَمَ التجمعيُّ المسكينُ؟
أجابوه ثانيةً: ألا تعرف أن أوباما، عند استلامه للحكم، نَصّبَ 15 ألف مسؤول جديد من
حزبه الديمقراطي مكان مسؤولين من الحزب المنافس المغادر للسلطة. ميترّان فعل مثله
في فرنسا وأردوڤان أيضًا في تركيا. "فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا
تُكَذِّبَانِ" (قرآن).
4.
غَضّوا الطرف عن الخيام الدعوية لليساريين الفوضويّين
(Les anarchistes : ni Dieu ni Maître)،
لكن هؤلاء تمادوا، تسلّحوا،
نفذوا اغتيالَين (كمال لطيف وبرهان بسيّس، الله يرحمهما)، صنّفهم الوزير الأول
شكري بلعيد منظمة إرهابية كما فعل علي لعريض مع أنصار الشريعة. التحق الفوضويّون بجبل بوڤرنين، القريب من المترو، لمواصلة الكفاح
اليساري المسلح. غَضّوا الطرف أيضًا
عن نضال التروتسكيين الخصوم التاريخيين للستالينين، وأنا خائف على اثنين منهم،
صديقين عزيزين على قلبي خائفٌ
عليهما بِصِدقٍ من تغوّل الستالينيين الذي لا يَرحَم، خاصة ذوي القربَى،
الإخوة-الأعداء.
سمعتُ أخيرًا أن أيقونةَ اليسار، المناضل جيلبير النقاش، مهددٌ بالهجرة القسرية
مجددًا لتجرُّئه على نقد التجربة اليسارية التونسية، وقد يتجرّؤون على هامته
العالية ويُلصقون به تهمة الصهيونية لكونه من أصل تونسي يهودي. أما أنا، اليساري
غير الماركسي، المؤمن بيسار ما قبل ماركس، اليساري المتخلي عن بعض المبادئ
الماركسية والمحتفظ بالأجمل فيها، فلا خوف عليّ منهم ولا هم يحزنون، لا لأنهم
متسامحون بل لأنهم يعون جيدًا حجم إشعاعي المتواضع مقارنة بِجيلبير والتروسكيين، الستالينيون
يعتبرونني نكرةً معزولةً، لم يخطئوا فأنا فعلا كذلك، لا حزبَ يسندني ولا جمعية،
مقطوعٌ من شجرة غالطٌ في روحِي، ساذجُ مسكينُ درويشُ. الله يشفيني مما أصابني من
عقوقٍ للشيوعية الأمّ.
5.
سمحوا بإقامة الأفراح والليالي الملاح بالبيرّة والشراب
في كامل مدن وقرى الجمهورية ولمدة شهرٍ كاملٍ من كل سنة بدايةً من 17 ديسمبر إلى
14 جانفي بدخول الغاية، إحياءًا لذكرى الثورة المجيدة، ودَعَوْا الفنانين
الملتزمين بالستالينية ورؤساء الأحزاب الستالينية (التي غيرت اسمها تقية كما فعل
البوكت بنفسه وأصبح البوت)، ضيوفًا مبجّلين قدِموا من كل أنحاء العالم الثالث (في
العالم الغربي انقرضت الستالينية). سمحوا أيضًا بفتح المقاهي والمطاعم في كامل شهر
رمضان وفي كل مدن وقرى تونس الحبيبة.
ب.
الفقرة الثانية: القوانين الثورية العشرة التي سَنها خلال شهرٍ واحدٍ فقط
المجلس التأسيسي الثوري المنَصَّب وطبقتها
بسرعة فور صدورها السلطة التنفيذية مستعينة بالقضاء التابع والقوات العامة من جيش
وحرس وشرطة وديوانة ورجال المطافئ وميليشيات أشبال الشبيبة الشيوعية والكشافة
الشيوعية وكوادر الأحزاب الشيوعية والقومية الأكثر التزامًا وانضباطًا وبهامة:
1.
منعوا من التنظم والنشاط العلني كل الأحزاب والجمعيات ذات المرجعية الدينية مثل
النهضة وحزب التحرير والأحزاب السلفية والصوفية والشيعية واليهودية. منعوا
السلفيين من نصبِ خيامهم الدعوية. منعوا فتح مدارس قرآنية وغضوا الطرف عن الكتاتيب
التقليدية. عيّنوا أئمة جوامع مسلمين غير إسلاميين وراقبوا خُطب الجمعة قبل
إلقائها. تمردت النهضة ورجعت إلى السرية كما كانت في عهد بورڤيبة وبن علي، اتهموها
بالإرهاب والتخابر مع حركات الإخوان المسلمين في العالَم العربي والغربي ورموا
قيادييها في السجون وطردوا أبرز إطاراتها من شغلهم كما فعل بعدهم أردوڤان بخصومه السياسيين
بعد محاولة الانقلاب عليه، وكما فعل السيسي في مصر بخصومه الإخوان المسلمين بالذات.
2.
جرّموا التطبيع ومعه المثلية الجنسية.
3.
حَلُّوا التجمع وزجّوا بكل كوادره العليا وأبواقه
الإعلامية المرتزقة في السجون دون محاكمة، مثل عبير موسِي، الغنوشي، المبزع،
فريعة، بن سالم، لعماري، بسيس، بوغلاب، معز، سامي، بن عثمان وغيرهم بالمئات.
4.
زجّوا في السجن ودون محاكمة بكل أفراد عائلة بن علي
وأفراد عائلة ليلى الطرابلسية.
5.
طَرَدُوا جميع المستثمرين من الأراضي الدولية وسيّروها
بأنفسِهم، ولهذا السبب قُمِعَ أهالي جمنة ومُنِعوا من مواصلة اعتصامهم الذي بدأوه
يوم 12 جانفي أي قبل تسلم الشيوعيين للسلطة، وحرموهم من استرجاع ضيعتهم المغتصبة
من قِبل الاستعمار منذ 1912.
6.
دجّنوا جميع المنظمات النقابية العمالية والفلاحية وخاصة
منظمة الاتحاد العام التونسي للشغل، أكثر مما كانت تقريبًا مدجّنةً في عهدَي
الاستبداد البورڤيبي والبنعلي، أخضعوها تمامًا لخدمة السلطة وجعلوا منها نقابة
ذابلة صفراء مثلما هو حال جميع النقابات في الدول الشيوعية والدول العربية القومية
والمَلكية والدول الإسلامية (مصر ناصر، عراق صدام، سوريا الأسد، سودان البشير،
إيران الخميني، تركيا أردوڤان، مغرب محمد السادس، قطر حمد، إمارات الشيخ زائد،
بحرين شيخ من الشيوخة، جزائر بومدين، كوبا كاسترو، روسيا ستالين، ألمانيا الشرقية،
إلخ.)، نقابة صفراء دون قضية نضالية وبلا رائحة ولا لون. منعوا الإضرابات في شركات
القطاع العام كالفوسفاط والستاڤ والسوناد وتونس الجوية وميناء رادس وغيرها.
7.
سَوّوا في الإرث بين المرأة والرجل وأحلّوا زواج المسلمة
من غير المسلم، لكنهم واصلوا ممارسةَ
التعذيبِ المُمَنهجِ في المراكزَ والسجون ولم يُلغوا الحكمَ
بالإعدام.
8.
حرَموا الوزراء والمديرين من السكن الوظيفي والسيارة
الوظيفية، وحرَموا الموظفين العموميين من الامتيازات العينية (الضو بلاش لعمال
وموظفي الستاڤ)، وحرَموا موظفي البنوك الحكومية والكنام من الشهريات الزائدة على 12 في العام. باعوا
نصف أسطول السيارات الحكومية.
9.
أصلَحوا التعليم العمومي: خصّصوا ثلث الميزانية للتعليم،
الحصة الأكبر للابتدائي ثم الثانوي ثم العالي. جرّموا الساعات الخصوصية خارج
المؤسسات التربوية. حذفوا المعاهد النموذجية وسلك القيمين والمتفقدين البيداغوجين
ومستشاري التوجيه، وأعادوا فرنَسة تدريس العلوم في الابتدائي والإعدادي. منعوا
تدريس التربية الإسلامية في الابتدائي والإعدادي، والتفكير الإسلامي في الثانوي،
والفقه في جامع الزيتونة، وذلك استنادًا لللائكية الفرنسية وفصل الدين عن الدولة.
منعوا مَعارضَ الكتب الدينية. حرّموا الترابَ التونسي على تجار الدين الدعاة
الإسلاميين مثل وجدي غنيم وعمرو خالد وزغلول النجار وأمثالهم.
10.
فَرَضوا ضريبةً تصاعديةً على الثروات التي تفوق
المليار، ضريبة قد تصل إلى 90%
من الأرباح السنوية.
الحصيلة: بعد أربع سنوات متتاليات، تحسّن الإنتاج الفلاحي
والصناعي والسياحي كثيرًا، تفرهد الفقراء قليلاً، تذمّر الأغنياء كثيرًا، وغابت
الحرية الفردية تمامًا ومعها الكرامة البشرية. ضربتْ الدوائر المالية علينا حصارًا
اقتصاديًّا أشد من حصارَي كوبا والعراق، فانهارَ البُنيان وكأنه نمرٌ من ورقٍ أو
قصرٌ شُيِّدَ على الشاطئِ بِرمالِ
الشاطئِ. سَقَطَ الشيوعيون واسترجَعَ التجمعيون الحكمَ واستلَموه على طبقٍ من ذهب،
كما استرجعَ الليبراليون الغربيون الحكمَ في التسعينيات في الاتحاد السوفياتي وفي
كل الدول الشيوعية بأوروبا الشرقية، هؤلاء الأخيرين استلموا بلدانًا بُنيت على
أرضيةٍ صلبةٍ، بلدانًا مجهّزةً بِبُنى
تحتية وفوقية متقدمة. ولو كانت كرامةُ الإنسانِ مربوطةً بمصالحِه الماديةِ دون
حريةٍ فرديةٍ لَمَا لُعِنَ ستالين ولا هتلر من قِبل مواطنيهم الأصليين الروس
والألمان أنفسهم، وهم أكبر المستفيدين من الإنجازات المادية العظيمة للنازية
والستالينية.
تعليق: إصلاحاتٌ جذريةٌ لم تفعلها النهضة وهي في السلطة ولو
بلونٍ إسلاميٍّ، لا لأنها أقل وطنية والتزامًا وانضباطًا، بل لأنها موضوعةٌ تحت
المِجهرِ الغربيِّ من قَبل أن تبدأ في التنفيذ. النهضةُ محاصرَةٌ خارجيًّا أكثرَ
من اليسارِ التونسيِّ. اليسارُ لا يتمتّعُ بقبولٍ شعبيٍّ خلافًا للنهضة
المتجذِّرةِ في هويتِنا العربيةِ-الإسلاميةِ.
خاتمة: مع الشيوعيين التونسيين
الافتراضيين خسرنا الحرية الفردية وربحنا عدالة اجتماعية ظرفية ووقتية، ومع النهضة
الواقعية ربحنا الحرية الفردية وخسرنا العدالة الاجتماعية. الظاهر
أن القِيمتَين (الحرية والعدالة الاجتماعية) لا ترومان الاجتماعَ سويًّا في المكانِ
الواحدِ والزمانِ الواحدِ العربيَّين. يبدو أننا، وفي القريبِ العاجلِ، سنخسرهما
الاثنتين مع عودة التجمع للحكمِ منفردًا. أنا متشائلٌ!
إمضاء مواطن
العالَم
"النقدُ
هدّامٌ أو لا يكونْ"،
"المثقّفُ هو
هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العموميةِ" فوكو،
و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران.
تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الأربعاء 16 جانفي 2019.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire