في اجتماع عقده
مؤسِّسو شركة "ڤوڤل" سنة 2001، قال السيد لاري ما يلي: "لو كان لنا
تصنيفٌ، فقد يكون جَمعُ وسَلعنَة المعلومات الشخصية حول مستعملي "ڤوڤل" (...) الأماكن التي مرّوا بها،
اتصالاتهم الرقمية (...) لاقطات المعلومات لا تكلّف شيئًا (...) كذلك تخزينها
وتصويرها.
المستعملون،
وعن طواعية، سيمدّوننا بكميات كبيرة من المعطيات (...) وكل ما قد يسمعوه، يروه أو
يدركوه سوف نجمعه في بنك معلومات (Un big data).
مجموعة من المعلومات
الشخصية، نضعها تحت المجهر، نحصيها، نصنفها، نحللها، ثم نسلعنها ونبيعها بالتفصيل.
كل حياتكم سوف تصبح مِلكًا لنا".
فكرته هذه
تعطينا صورة مطابقة للأصل عن تاريخ الرأسمالية. تاريخٌ يلتقط الأشياء الخارجية
ليحوّلها إلى سلعة تُباع وتُشترى.
في كتابه
"التحوّل الكبير" (La Grande Transformation) الصادر سنة 1944، كَتَبَ عالِم الاقتصاد كارل بولاني
مُعرِّفًا الرأسمالية: "نشأ اقتصاد السوق الرأسمالية المنظم ذاتيًّا (économie autorégulatrice) عبر اختراع ثلاث سِلَعٍ مختلَقة (marchandises
fictives):
-
أولاً، تمّت سلعنة الحياة البشرية فبرزت من
جديد في شكل قوة عمل تُباع وتُشترى كأي سلعة أخرى.
-
ثانيًا، تمّت سلعنة الطبيعة (La nature)، وحُوِّلت إلى سوق، فبرزت من جديد في شكل ملكية
عقارية تُباع وتُشترى كأي سلعة أخرى.
-
ثالثًا، تمّت سلعنة التبادل بين البشر (Le troc)، وحُوِّل إلى تجارة، فبرز من جديد في شكل عُملةٍ
تُباع وتُشترى كأي سلعة أخرى."
رجال الأعمال الحاليون الماسكون برأس المال الرقابي (capital de
surveillance) ابتدعوا سلعة رابعة مختلقة أيضًا ومستخرجة من تجربة البشر. البشر
الذين بقيت أجسامهم، أفكارهم، وعواطفهم كاملة، سليمة وبريئة مثل ما كانت السهول
والغابات التي تعجّ بها الطبيعة قبل احتوائها من قِبل السوق الرأسمالية. وتماشيًا مع هذا المنطق الرأسمالي الأخرق، أدخِلت
التجربة الإنسانية عنوة إلى ساحة السوق فوجدت نفسها فجأة مسلعنة من قِبل الرأسمال
الرقابي لتبرز في شكل "سلوكات" (comportements). سلوكات تُرجمت إلى
معطيات وأخذت مكانها في صفٍّ طويلٍ لا نهاية له. صفٌّ مهيّأ سلفًا لتغذية ماكينات
صُمِّمت لتصنع منها تنبؤات تُباع وتُشترى (prédictions de nos
comportements).
هذا الشكل الجديد من السوق ينطلق من مبدأ يقول بأن تلبية
حاجات الأفراد الحقيقية لا تدرّ ربحًا وفيرًا مثل ما يدرّه بيع تنبؤات حول سلوكاتهم
المستقبلية الاستهلاكية والانتخابية إلى شركات الإشهار التجارية وشركات الدعاية
الانتخابية أي ماكينات صنع الرؤساء والبرلمانيين في أعتَى الدول المسماة خطأ ديمقراطية.
رأسماليو المراقبة الرقمية الناعمة السائلة (Les capitalistes de
surveillance) لم يكتفوا بجمع المعلومات
الشخصية حول مستعملي الأنترنات بل توغلوا في مراقبتهم لجمع كميات أكبر وأكثر دقة
وتنوعًا: نصبوا كاميراتهم في المدن والطرقات السيارة وقريبًا سينصبونها في شراييننا
وأوردتنا، في غرف نومنا، في حمامنا، في قلوبنا، في أدمغتنا.. سيشاركوننا فطور
صباحنا.. وربما سيجالسنني في مقهى الشيحي.. يستمعون.. يسجلون ثم يرسلون تقاريرهم إلى
بنك المعلومات في قاعدتهم الرقمية في
السفارة الأمريكية الكائنة في طريق كارفور سكرة.
هؤلاء التجار الجواسيس لم يقفوا عند هذا الحد من الجمع الكمي
والنوعي للمعلومات الشخصية حول مستعملي الأنترنات بل تخطوه إلى ما هو أعمق من أجل تحقيق غايتهم
المتمثلة في بيع تنبؤات سلوكية أدق لكسب ربح أوفر.
لم يتورعوا عن سبر أغوار خصوصياتنا الأكثر حميمية: داخليتنا،
شخصيتنا، أمزجتنا، عواطفنا، أحلامنا، أكاذيبنا، نقاط ضعفنا، تهيؤاتنا، خفقات
قلوبنا، شجاعتنا، جبننا، خوفنا...
أليس ما يفعلونه من مراقبة لصيقة للمواطنين الآمنين هي
الشمولية بعينها، لكنها شمولية ناعمة وسائلة مختلفة عن الشمولية الخشنة، شمولية هتلر
وموسولوني وستالين (Totalitarisme).
المصدر:
Le Monde diplomatique, janvier 2019, Extrait de
l`article «Votre brosse à dents vous espionne. Un capitalisme de surveillance»,
par Shoshana Zuboff, Professeure émérite à la Harvard School , pp. 1, 10 et 11
إمضاء مواطن العالَم (لوموند ديبلوماتيك، تأثيث وترجمة بقليلٍ من التصرّف
مواطن العالَم)
"النقدُ
هدّامٌ أو لا يكونْ" محمد كشكار
"المثقّفُ هو هدّامُ
القناعاتِ والبداهاتِ العموميةِ" فوكو
"وإذا كانت
كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إذنْ إلى
فجرٍ آخَرَ" جبران
تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الثلاثاء 29 جانفي
2019.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire