jeudi 22 février 2018

في النصف الثاني من السبعينيات، كنتُ أظن أن جميع مُنْتَسِبِي "حركة الاتجاه الإسلامي" يتحلّون بمثلِ هذا السلوك الإسلامي المثالي! ترجمة مواطن العالَم


نص أمين معلوف: "المكان: مدينة فاس المغربية. الزمان: أواخر القرن الخامس عشر ميلادي، سنوات قليلة بعد سقوط غرناطة الأندلس (1492م). كان يعيش بها "جماعة الحمّالين"، مجتمع صغير منظم يتكون من 300 رجل مع عائلاتهم، كلهم بسطاء، كلهم فقراء، جلهم أمّيين، ولكن رغم ذلك نجحوا في تكوين منظمة اجتماعية (Corporation-"نقابة")، الأكثر احترامًا، الأكثر تضامنًا، والأحْكَم تنظيمًا. كل سنة ينتخبون رئيسَا يدير نشاطهم بدقة متناهية. في أول كل أسبوعٍ، هو مَن يعيّنُ مَن مِن رجالِه سيشتغلُ، ومَن منهم سيرتاحُ حسب حالة نشاط السوق، توافد القوافل، وتَوفُّر المرافقين لها. ما يكسبُه الحمّالُ خلال يومِ عملٍ، لا يحملُه إلى منزلِه بل يضعه كله في صندوقٍ مشتركٍ. وفي آخرِ الأسبوعِ يُوزَّعُ المالُ المتجمِّعُ بالتساوي بين مَن اشتغلوا، باستثناء حصةٍ صغيرةٍ تصرَف بكرمٍ في الأعمالِ الاجتماعيةِ المتعددةِ، مثلا: عند موتِ عاملٍ، تتكفلُ المجموعةُ بالمصاريفِ الكاملةِ لعائلتِه، يساعدونَ زوجتَه على البحثِ على زوجٍ جديدٍ، يرعَوْن أطفالَه الصغارَ حتى يبلغوا أشدَّهم ويتعلموا مهنةً شريفةً. ابنُ أحدِهم هو ابنُ الجميعِ. أموالُ الصندوقِ تُصرفُ أيضًا في الأفراحِ: كلهم يساهمونَ في توفيرِ مبلغٍ محترمٍ للزوجينِ، يمكِّنهما من بناءِ عُشِّ الزوجيةِ بأريَحيةٍ مريحةٍ.  يراقبونَ كل ما يُعرضُ في السوق، يضمنونَ سلامتَه، ويَشهِرون في السوقِ بالصوتِ محاسنَه بمقابل. المستهلكون والتجار يثقونَ في شهادتِهم ونزاهتِهم.

لا يتجرأ على أحدهم أحدٌ لأن هذا الأخير يعرف مسبقًا، إن أصرّ وتمادَى، أنه سيواجه 300 رجلٍ وليس رجلاً واحدًا معزولاً. شعارُهم حديثٌ للرسول: "انصرْ أخاكَ ظالمًا ومظلومًا": نادرًا ما يتسبب أحدهم في شجارٍ، ولو حصلَ فسيجدُ دائمًا بين إخوته عاقلاً يرده عن غِيِّهِ.
هكذا كانوا، متواضعين جدًّا لكنهم فخورون جدًّا بمهنتهم, محتاجين جدًّا، لكنهم كرماء جدًّا، بعيدين جدًّا عن سرايا السلاطين لكنهم حاذقون جدًّ في حكم أنفسهم بأنفسهم.".

تعليق م. ع: مرّ نصفُ قرنٍ، كَبُرْتُ في السن، فخابَ ظني فيهم جزئيًّا للأسف، وعرفتُ أن إسلاميينا مثلهم مثل كل التونسيين، هُم أبناءُ مجتمعِهم وبيئتِهم ونشأتهم، وليسوا أبناءَ إيديولوجيتِهم، فيهم الصالحُ وفيهم الطالحُ،  كإخوانِهم السلفيين واليساريين والقوميين والليبراليين، كلنا، في الأنانيةِ والخبثِ والطمعِ والجشعِ والكسلِ، تونسيون والحمد لله الذي لا يُحمَدُ على مكروهٍ سواهُ!

Référence: Amin Maalouf, Léon l`Africain, Ed. 34 J-C Lattès, 2012, p.p. 111-112

 



إمضائي
"المثقفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العمومية" فوكو
"إذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران
"لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة والبراهين، بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى، وعلى كل مقال سيء نرد بمقال جيد" مواطن العالَم
"وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا" (قرآن)

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الخميس 22 فيفري 2018.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire