samedi 16 septembre 2017

الدينُ يَصنعُ المجتمعَ والمجتمعُ يَصنعُ دِينَه. مواطن العالَم

 العنوانُ هو قولةٌ شهيرةٌ استقيتُها من كتاب "الهويات القاتلة" للكاتب أمين معلوف، فرنسي الجنسية، لبناني الأصل، حاصل على جائزة "ڤنكور" للآداب وعضو الأكاديمية الفرنسية.
... ونحن قديمًا صنعنا من فجرِ الإسلام (النصُّ ثابتٌ والتأويلُ متحركٌ) إسلامًا عقلانيًّا في عصرِ "المأمون" - رضي الله عنه - وبعده قليلاً، عصرُ الجدلِ المُثمِرِ بين النقلِ والعقلِ. صنعنا حضارةً، كان دينُها الإسلام وعقلُها الفلسفة الإغريقية ولغتُها العربية (لغةٌ تخطت حدود العِرق العربي لتصبح في ذلك العصر كالأنڤليزية اليوم).

واليوم ماذا صنعنا بإسلامنا الأول والثاني؟
قِلة مِنّا - والحمد لله الذي لا يُحمدُ على مكروهٍ سواه - صنعت منهما دينًا إقصائيًّا عنيفًا إرهابيًّا متطرفًا لا يمت للأول ولا للثاني بأي صلةٍ على مستوى القِيمِ السَّمْحَةِ المحفوظةِ في القرآن الكريم ولا علاقة له بِفكر المعتزلة المتنور، ولكنه "إسلامٌ" شئنا أم أبَينا. إنه للأسفِ الشديدِ دينُ "داعش" وأخواتها الشقيقات وغير الشقيقات.

أما الأكثرية مِنّا فقد صنعت "إسلامًا" خالٍ من الفلسفة الإغريقية، عقلانيةٌ طلقها المسلمون مذ أحرقوا كتب ابن رشد في نهاية القرن 12م ولم يرُدونها بعدُ، ولم يحتفظوا من الدين إلا بِطقوسٍ مُفرَغةٍ من القِيم مثل صلاتهم وصيامهم، وأصبحوا اليوم يتباهون بما ليس فيهم (مبادئ الإسلام الأول والثاني): 
Des rites cultuels sans valeurs 
-         تقول للمسلمِ المتزمتِ: جل الدول الإسلامية دولٌ متخلفة تسود فيها الرشوة والفساد وانعدام الضمير المهني والكذب والجشع؟
-         يجيبك: الصلاة تنهى عن الفحشاءِ والمنكرِ.
-         لو نجحت صلاتُنا في نهيِنا عن الفحشاءِ والمنكرِ، لَكُنا خيرَ أمة أخرِجت للناس كالأمة الأسكندنافية اليوم (قال شيخ الإسلام ابن تيمية والله أعلَم: "إن الله لَينصر الدولة الكافرة العادلة ولا ينصر الظالمة وإن كانت مسلمة"). 
-         أضيفُ: المسلمون لا يعترفون بالآخر كذاتٍ مستقلةٍ لها حق وحرية التعبير عن كيانها المختلف بوسائلها الخاصة؟
-         قال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".
-         وهل طبقتَ أنتَ وغيرك نصيحتَه أم طبقها مواطنون أسكندنافيون عَلمانيون عِلميون "كافرون" صالحون متنورون لا علاقة لهم البتة بِدينِ محمدٍ؟

يبدو لي أن جل مسلمي اليوم، وخاصة العرب منهم، أصبحوا يُنكرون مساوئ ظاهرةً في واقعهم المعيش (Négationnistes)، لا بل يُسقِطون على واقعهم البائس محاسن إسلامٍ لا وجود له إلا في القرآن وفي كتب السيرة النبوية والتاريخ الوسيط.
جَدُّنا محمد صَنَعَ إسلامًا أوليًّا وحّد به العرب قاطبة، وجَدُّنا المأمون صَنَعَ إسلامًا ثانيًا أسس لنهضةٍ علميةٍ وفكريةٍ. ومَن جاؤوا بعدهما ماذا صَنَعوا؟
صَنَعوا بِجهلهم إسلامًا ثالثًا أسس لعصرِ الانحطاط، عصرٌ دام ثمانية قرون، إسلامٌ ورثناه نحن عنهم ولا زال إلى اليوم يسود العالَم الإسلامي وخاصة الدول العربية الـ22.


خاتمة: كيفما كنتم يكون إسلامكم، واللهُ غيرُ مسؤولٍ عن أفعالكم، لا بل سيحاسبكم على كسلكم وتهاونكم ولا "قانون مصالحة" في انتظاركم!

إمضائي
"المثقفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العمومية" فوكو
"إذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" (جبران)

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، السبت 16 سبتمبر 2017.
Haut du formulaire



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire