dimanche 10 septembre 2017

وضعية "مجانين" جمنة الأحرار غير المحتجزين (الساسي بنحمد نموذجًا) ومكانها التاريخي في تحليل الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو لظاهرة الجنون في تاريخ البشرية. مواطن العالَم

(L`Universel dépasse de loin le Culturel, mais ne le nie pas)

أبدأ بالخطأ الذي ارتكبته عن جهلٍ - قبل قراءة فوكو (عمر بن بوجليدة، 2013) - وهو التالي:
كنتُ أقول بتعالٍ شوفيني: "يا علماء الغرب، زوروا جمنة لتتعلّموا منها وتطّلِعوا على وضعية "مجانين" جمنة الأحرار غير المحتجزين (الساسي بنحمد نموذجًا)".

أين يضع فوكو تاريخيًّا ظاهرة ترك "المجانين" أحرارًا مثلما حصل في جمنة وفي كل القرى التونسية؟
معاملتُنا لـ"مجانينِنا" هي معاملةٌ اجتماعيةٌ أفضل من حجزهم في معتقلات تُسمَّى تعسفًا "مستشفيات عقلية" (إجراءٌ كان قانونيًّا وسائدًا ومبارَكًا في كل الدول الغربية). معاملتُنا لـ"مجانينِنا"هي معاملةٌ كانت سائدة في أوروبا قبل أوائل القرن 16م وليست حكرًا على  جمنة أو باقي قُرَى تونس. كانت سائدة في عصر النهضة (العصر الكائن زمنيًّا في الحِقبة التاريخية التي تبدأ بعد العصور الوسطى وتنتهي قبل "كوجيتو" ديكارت -  Je pense donc je suis - هذا الكوجيتو المتهم بعزل الجنون - أو اللاعقل - فلسفيا قبل عزله فعليًّا واجتماعيًّا وليس طبيًّا كما يتوهم غيرُ دارِسي تاريخ الجنون). عصرٌ سابقٌ لعصر العقلانية والحداثة (بعد "كوجيتو" ديكارت وقبل عصر الرأسمالية). "عصرُ النهضة التي سُمِحَ فيها للعقل بالهذيان".

أنهِي بتصويب الخطأ الذي وقعتُ فيه عند تقييمي لتجربة جمنة مع "مجانينِها": نحن لم نكن متفوقين على الغرب في كيفية التعامل مع "مجانينِنا"، لكن يبدو لي أنه توجد محاسن في عدم تطبيق بعضِ قِيمِ عصر العقلانية والحداثة ولو دون وعيٍ مِنّا. عصرٌ لم ندخُله بعدُ، لذلك بقينا نسمح بهذيان العقل ويظهر أن للتخلّف - عن تطبيق بعضِ قيم الغرب - أحيانًا مزايا، مزايا قد لا ندركها إلا بَعدِيًّا (a posteriori) وقد لا نعي بها، لكن هذا لا يُفقِدها نجاعتَها، والدليل أن الغربَ نفسَه تفطّن لخطئه المتمثل في اعتقال "مجانينِه" فأغلق كل "مستشفياته العقلية".

دعاءٌ: بارك الله في الفيلسوف الفرنسي "فوكو" و بارك الله في أستاذ الفلسفة التونسي "عمر بوجليدة" الذي شرح لي فلسفة فوكو ولولا الثاني ما كنتُ لأفهم الأول!

المصدر: الحداثة واستبعاد الآخر، عمر بن بوجليدة، الطبعة الأولى، ابن النديم للنشر والتوزيع، وهران، دار الروافد الثقافية - ناشرون، بيروت، 2013، 158 ص (هدية من أعز الناس، أحبه وأقدّره واسمه بلڤاسم عـ...).
إمضائي
"الفلسفةُ هي الحوارُ" فيلسوف حمام الشط حبيب بن حميدة
"المثقفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العمومية" فوكو
"نَحْنُ نسأل مَن نكون في هذا الحاضر؟ لا لنكتشف مَن نَحْنُ فقط بل لنرفض مَن نَحْنُ، أي أن نتخيل كيفية وجود مُغايِرة، تأكيدًا لحق الاختلاف، حق الآخر...". فوكو (عمر بوجليدة، 2013)
"لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة والبراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى وعلى كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف الرمزي أو اللفظي أو المادي" (مواطن العالَم)
وَ"إذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك فدعها إلى فجر آخر" (جبران)

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الأحد 10 سبتمبر 2017.
Haut du formulaire



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire