العِلم لم ولا ولن يأتي من نصٍّ
ثابتٍ سبقه في الزمنِ بقرونٍ مهما كانت قُدُسِيّةُ هذا النص ومهما حاول المتدينون النصوصيون
المتعصبون المتزمتون المشعوذون والذين هم على اللغة العربية متطفلون ومتعسفون.
العلمُ يسبق دائما الخطابَ وليس العكس. العلمُ بناءٌ جديدٌ وليس اكتشافًا لشيءٍ
مُخبَّئٍ في نصوصٍ قديمةٍ مخلوقةٍ أو أزليةٍ، بشريةٍ أو ربانيةٍ.
النصوصُ المقدسةُ تنزلُ من
السماء، ندخلها مؤمنين غير مشكّكِين، أولُها يقينٌ وآخرُها يقينٌ، حقيقةٌ أبديةٌ لا
تحتاجُ إلى برهانٍ أو دليلْ من أي عقلٍ بشري مهما بلغ من العلم كثير أو قليلْ،
حقيقةٌ غير قابلةٍ للدحضِ أو المراجعةِ أو التكذيبِ. أليس الإيمان نورٌ قذفه الله
في القلب؟
أما العلمُ فهو يسبقُ النصَّ
بل يخلقُه، ندخله مشكّكِين غير مؤمنين، أوله شك وآخره حقيقةٌ نسبيةٌ وقتيةٌ تَعرِضُ
نفسَها في المجلات العلمية للدحضِ والمراجعةِ والتكذيبِ. أليس العلم شكٌّ قذفه
الله في العقل؟
بالوسائل العقلانية وحدها (La physique)
لا نستطيع حل المسائل اللاعقلانية (La métaphysique) فلنترك إذن ما لقيصر لقيصر وما
لله لله.
العلم ينتجُ عن سيرورةٍ بشريةٍ
متعثرةٍ ترتكزُ على التجربة والخطأ، أما النص المقدس فهو خالٍ من الخطأ ومنزَّلٌ كاملٌ
من السماء.
الإيمانُ غنيٌّ عن العلمِ وأقدَمُ
منه في تاريخ البشرية العاقلة (Homo sapiens depuis environ 100 mille ans)،
أما العلم فهو محتاجٌ إلى أخلاقٍ تنظمهُ (Les comités d`éthique)، وإلى قوانينَ تحمينا من شرِّه وتَشْكُمُهُ.
النصوص المقدسة جُلُّها مَجاز
والنصوص العلمية عدوها المَجاز.
لا تتعسفوا إذن على النصوص
المقدسة لتُولِّدوها ما ليس في رحمها، ولو أرادها الله علميةً لفعل وهو القادرُ
على كُنْ فيكونْ. ألا تَكُفّون عن مقارنة ذكاء الله المثالي المجرد بالذكاءِ الحِسّي
الناقص لدى خلقه العلماءْ؟ أليس هو سبحانه مَن علَّم أباهم آدمَ الأسماءْ؟ أأنتم
أكثر إيمانًا من الصحابة والأنبياءْ؟ أكانوا يعلمون مثلنا اليوم قوانين الطبيعة
والفيزياءْ؟ وهل مَنَعَهم ذلك من الإيمانِ المطلقِ برب السماءْ؟ وهل يُستدلُّ على
الخالِقِ بأفعال عباده الضعفاءْ؟ وهل تنتظر علم الأرض حتى تؤمن بعلم السماءْ؟
وأخيرًا بربك قُل لي مَن خلق العلماءْ، مسلمين كرماءْ أو غير مسلمين أجِلاَّءْ؟
ومَن فضّلهم على الجهلاءْ، مسلمين أغبياءْ أو غير مسلمين بُلَهاءْ؟ أوَ تتباهون
بما لا تملكون على مَن يملك، أكان المالكُ عالِمًا مسيحيًّا أو يهوديًّا أو بهاءْ؟
أتُدارون جهلكم خلف قدرة الله؟ أليسوا هم أجدرَ منكم بالتباهي بما صممت عقولُهم
وصنعت أيديهم من الماء كهرباءْ؟ أليس من الأفضل لكم أن تقتدوا بهم في عِلمهم كما
اقتدوا هم بأسلافكم علماء الأندلس وعلى رأسهم ابن رشد أحد بُناةِ نهضتهم الغرّاءْ؟
ألسنا، مسلمين وغير مسلمين، في إعجاز القرآن شُرَكاءْ؟ أم خَصَّكُم الله برحمته
دون عباده جمعاءْ؟ "وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى
اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ"، ولم يقل اسرقوا عملَ غيركم وانسبوه لأنفسكم
زورًا وبهتانَا.
القرآن ليس كتابَ علمٍ ولا
كتابَ تاريخٍ أو جغرافيا، إنه كتابُ إيمان ويكفيه ذلك شرفًا وقيمةً، والإيمان
أرقَى وأسمَى من العلم لو كنتم تعقلون! العلمُ منحازٌ وغير موضوعي وسبق له وأن تسبب
في كوارث من صُنعِ البشر، أكبرها قنبلة هيروشيما، أما القرآن فهو رحمةٌ للعالمين،
سكينةٌ للمؤمنين، بابُه واسعٌ مفتوحٌ للتائبين، وعفوُه متاحٌ حتى للمشركين
والملحدين. لا تقرُنوه بالعلم فهو أكبر منه وأرحب بكثير فلا تلوِّثوه بالعلم
أرجوكم، وما أبعد الثرَى على الثرَيّا، وما أبعد عِلم المخلوقِ العاجز على إعجاز العالِم
الخالق!
خاتمة
وفي النهاية العِلمُ لا
يُجيبُ إلا على الأسئلة العلمية وهو وحده لا غيره الذي يُجيبُ بإذن الله، فلا تُضيِّعوا
وقتكم في البحث في القرآن عن أجوبةٍ لأسئلةٍ علميةٍ، فلن تجدوا "Midi" في "14h"
ولو حرصتُم كما يقول المثل الفرنسي.
أجوبةُ العلم كونية أو لا
تكون وأجوبتكم إسلاموية لا يعترف بها الكون، والإعجازُ العلمي في القرآن لا
يُدرَّسُ إلا في الجامعات السعودية.
"لو تعلقت همة المرء بما وراء العرش لناله"، أما العلم فهو سهلُ المنالِ لو عملنا
وتوكلنا على الله وتركنا التواكل والتعويل على التأويل الوهمي للقرآن اعتمادًا على
حيل لغوية شبه منطقية، حيلٌ ما أنزل الله بها من سلطان.
إمضائي
"عَلَى كل
خطابٍ سيئٍ نردّ بِخطابٍ جيدٍ، لا بِالعنفِ اللفظِي" (مواطن العالَم)
وَ"إذا كانت كلماتي لا
تبلغ فهمك فدعها إلى فجر آخر" (جبران)
تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، السبت 24 جوان 2017.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire