mercredi 14 juin 2017

بفضل اليوتوب الفكري ودون مبالغة، أصبح رمضانُ في التقاعدِ شهرًا خيرُ من ألفِ شهرٍ! مواطن العالَم

 من الثامنة صباحًا إلى حدود الساعة السابعة بعد الظهر والتلفزة البلهاء بكماء، إحدى عشر ساعة في اليوم الواحد - تتخللها قيلولة بساعة أو ساعتين - أقضيها وحيدًا مع أفضلِ جليسٍ في الوجودِ، اسمه اليوتوب، أنسَى فيها شهوات الجسم الغريزية لأنهلَ من أطباقِ مُتَعِ العقل الروحية، ثلاث أو أربع محاضرات يوميًّا، كل واحدة تدوم من 60 إلى 150 دقيقة.
لذةٌ، لذةٌ والله تفوق حلاوتها كل اللذات الحسيّة. تطهيرٌ للجسم وأي تطهيرٍ! تحليقٌ روحاني عالٍ لم يبلغه المتصوفة في اعتكافاتهم. اتحادٌ مع الإبداعِ في الفلسفة والعلم والدين.
أطباقٌ تبدو شهية لمن ذاقها، ومَن لم يذقها بعدُ، "انْوِدْكمْ ولا انشهِّيكمْ، إيشِي مْحَمَّرْ وإيشِي مْجَمَّرْ وإيشِي على نار هادية يِتْحَضَّرْ": أمين معلوف (مؤلف كتاب "الهويات القاتلة"، روائي ومفكر لبناني-فرنسي وعضو الأكاديمية الفرنسية التي تأسست عام 1634م)، هنري أتلان (طبيب وعالِم بيولوجي وفيلسوف)، ميشال سارّ (فيلسوف العلوم)، إدغار موران (فيلسوف إعادة أنسنة الإنسانية)، ألبير جاكار (عالِم وراثة وفيلسوف)، رشيد بوجدرة، يسمينة خضراء وكمال داوود (ثلاثة روائيين جزائريين)، ميشال أونفري (محطم الأصنام الثقافية من أمثال فرويد وسارتر) وغيرهم كثير.
تعلمتُ منهم أن الأمم لا تنهض بالاقتصاد وحده مثل ما تدّعي الرأسمالية والشيوعية على حَدٍّ سَواءْ، بل تنهض أساسًا بتبنِّي شريعة الفلسفة والثقافة والفن و"مِن الكتب تبدأ إعادةُ البناءِ، بناءُ العقولِ  والقلوبِ، العقولُ النيّرةُ والقلوبُ المتآلِفةُ، بناءُ الأملِ، بناءُ الثقةِ بالنفسِ، الثقةُ بأن المستقبلَ ليس فقط للآخرين بل هو  أيضًا لنا (نحنُ العرب)، المستقبل لمن يعشق الكتب، لمن يعشق الحياة (ولمن يعشق اليوتوب الفكري) والحياةُ ليست بالإمكانات المادية فحسب وإنما بثقافة السلم (La culture de la paix) التي قد تمنحنا توجهًا سليمًا وتزرعُ فينا قِيَمًا إنسانيةً تخدم التعايشَ السلمِيَّ بيننا دون داعِسٍ أو مَدْعوسٍ وتُيسّرُ قبولَ الآخرِ، مهما كان هذا الآخرُ مختلِفًا عنّا.. المشكلة ليست في الهوية في حد ذاتها، طبيعي أن تكون عربيًّا أو فرنسيًّا، سنّيًّا أو شيعيًّا، رجلاً أو امرأةً، أسودَ أو أبيضَ، وطبيعي أيضًا أن تُدافعَ عن هويتِكَ إن قُمِعت أو ظُلِمتَ، لكن ليس طبيعيًّا أن تعتبرَ نفسك من شعبِ اللهِ المُختارِ أو ترى نفسَكَ قَوّامًا على زوجتِكً أو تُفضّلَ أبيضَ على أسودِ، عندئذٍ تصبحَ عُنصريًّا في الحالاتِ الثلاث السابقة". (نقل سَمعِي عن الشخصية العَرَبِية الرائعة والمرموقة، الأديب أمين معلوف).

ملاحظة لرفع اللبس المفاهيمي: ترى نفسَكَ قَوّامًا على زوجتِكً" هي أيضًا "تراث ثقافي للمجتمعات الرجولية وليست حكرا على المجتمعات الاسلامية" بغض النظر عن تأويلها المتعدد في تفسير القرآن الكريم ومفهوم القِوامة ليس حكرا استعماله على المسلمين دون غيرهم.

إمضائي
"عَلَى كل خطابٍ سيئٍ نردّ بِخطابٍ جيدٍ، لا بِالعنفِ اللفظِي" (مواطن العالَم)
وَ"إذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك فدعها إلى فجر آخر" (جبران)

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الأربعاء 14 جوان 2017.
Haut du formulaire


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire