mardi 6 juin 2017

يكفيني عطاءٌ واحدٌ أحدْ لأحبّ من أجله الواحدَ الأحدْ. مواطن العالَم

 فيما يتمثل هذا العطاء الكافِي والشافِي؟
لِي أختٌ كبرى عمرها 75 عامًا، أبقاها لي الله سندًا وذخرًا، أجرًا وثوابًا دنيا وآخرة. فقدت بصرَها وهي طفلةٌ في عمر الزهور، ست سنوات. رضيت بما قسّمَ الله لها، لا بل شكرته على نعمتِه وسبّحت بحمده عدد نجوم السماء. صلّت له وسجدت طوال نصف قرن، خمسًا في اليوم وفي مواعيدِها. صامت الشهرَ أكثر من ستين مرة وفي كل مرة تزيدُ عليه النوافلَ. زارت قبرَ النبي وعَمَرَت وطافت بالكعبة وكرّرت الشعائرَ أربع مراتٍ، الأولى لها والباقي من أجل أعزاءٍ أموات، أمها وأبيها وخالتها التي لم تُنجِبْ.
منذ 15 سنة وهي في التقاعد بعد عقودٍ ثلاثةٍ من العمل في معمل المكفوفين بسوسة. تقضي يومها وهجيعٌ من الليل في الذكرِ والتسبيحِ، سعيدةً بصحبته راضيةً مرضيةً مسلِّمةً مستسلمةً لِقضائه وقدره، حلوِهِ ومرِّهِ، سَقمِهِ وعافيتِهِ. لا تأكل إلا مِن جِرايةِ عرقِ جبينِها، ومن قليلها تُزكّي وتتصدّق، ولا تسكن إلا في بيتها، قُدَّ من حرِّ مالها، ولم تَكُ يومًا في حياتها عالةً على أحدٍ، لا الدولة ولا إخوتِها الثلاثة.
تَحفَظُ عن ظهرِ قلبٍ تواريخ ولادة كل فردٍ من أفراد سلالة أبيها الموسعة بالعشرات والمنتشرة في باريس وكندا والبرازيل والإمارات وعُمان وجبل جلود والزهراء وحمام الشط وطبرقة وڤابس ومارث وجمنة، وتُهنّئ كل فردٍ في عيدِ ميلاده، يحدثُ أن أحدَهم ينسى وهي لا تنسى.
تتمتع بحب الكبيرِ والصغيرٍ واحترامهم جميعًا دون استثناء.
مَن أسعدَ أختي ومَن أنعمَ عليها بالرضا والسكينة؟ مَن منحها أملاً في حياةٍ أخرى أبدية؟ مَن سيُعيدُ لها البصر في لَمْحِ البصر حتى ترى الجنةَ ألوانًا وتتعرف على وجوه من تحب من أقاربها وصديقاتها وجيرانها وزميلاتها؟ مَن سيُنظِّم لها لقاءً مع حبيبها ونور عينيها المصطفَي صلى الله عليه وسلّم؟
لو كان العلمُ قادرًا على كل هذا لَبَجّلتُه، لو كانت العقلانيةُ لَعشقتها، لو كانت الحداثة لَتَعصبتُ لها، لو كانت الشيوعية لَآنحَزتُ لها وحاربتُ في صفها، لو كان الإنسانُ لَقَدَّستُه ولو كان الحاكم لَكنتُ من جنده ومُناصِرِيه!
لا أحدَ قادرٌ غيره، فمَن بسواه أتغزّلُ ومَن سواه تراني أحبّ؟ أسعدَ أختي فاطمة فأسعدني وهذا غيضٌ مِن فيضٍ، يكفيني حجةً وبرهانًا ودليلاً لأحبه وأعبده.

إمضائي
وَ"إذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك فدعها إلى فجر آخر" (جبران)

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الثلاثاء 6 جوان 2017.Haut du formulaire



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire