mercredi 21 juin 2017

هل أنتَ من جمنة أو من حمام الشط؟ إسلامي أو يساري؟ قومي أو أممي؟ تحرري أو محافظ؟ عَرَبوفون أو فرنكوفون؟ أدبي أو علمي؟ عَلماني أو ديني؟ مواطن العالَم، للأمانة العلمية الإجابة مستوحاة من كتاب "الهُويات القاتلة" للروائي الفرنسي-اللبناني وعضو الأكاديمية الفرنسية، الأديب أمين معلوف

 أسئلة طرحها عليّ بعض الأصدقاء؟
أجيبُ بما علِمتُ من تراثي الإسلامي العربوفوني وبما تعلّمتُ من التراث العالَمي الفرنكفوني:
يرثُ الجنينُ من أمه نصف جيناته ومن أبيه النصف الآخر، فيولدُ الرضيعُ لايشبه أمه مائة بالمائة ولا يشبه أباه مائة بالمائة، هو إذن انبثاقٌ لا نعلم مسبّقًا شكلَه ولا لُبَّه (Émergence)، هو كائنٌ جديدٌ فريدٌ من نوعه بين البشرِ مُذْ خُلِق فوق الأرضِ بشرٌ، ولن يُخلقَ مثله بشرٌ حتى يرثَ الله الأرضَ ومَن عليها، وحتى علماء الاستنساخ البشرِي لن يستطيعوا ولو أرادوا أن يخلقوا من فردٍ واحدٍ نسختين اثنتين متطابقتَين مائة بالمائة جسمًا وروحًا، لأن الإنسان هو حصيلةُ تفاعلاتٍ مستمرةٍ بين الوراثي الطبيعي والمكتسب الحضاري. 

كذلك هويةُ الفردِ، هي هويةٌ متجوِّلةٌ متحوِّلةٌ متطورةٌ، غير ثابتةٍ وغير جامدةٍ، وغير قابلةٍ للتجزئة أو الصندَقَة (Le compartimentage ou la compartimentation)، فأنا لستُ قوميًّا خمسين بالمائة وأمميًّا خمسين بالمائة، أنا قومي مائة بالمائة وأممي مائة بالمائة. يُلحّ السائلُ ويضيفُ: لكن في قرارةِ نفسك تبقى عروبي. أوسِّعُ بالِي وأواصلُ: قرارةُ نفسي هي موروثٌ حضارِيٌّ، أما أنا فأعتبرُ نفسي انبثاقًا نابعًا من تفاعُلِ موروثاتِي الحضارية (العائلة، التقاليد، الدين، الأخلاق، إلخ) مع مكتسباتي الثقافية (التعليم، المطالعة، الصداقة، الحب، الزواج، السفر، إلخ). وهل تطلبُ منّي أن أرتدّ عن هويتي الثرية الموروثة والمكتسبة في آن، وأكتفي بالموروثِ دون المكتسبِ، وإلا أصبحتُ كمَثلِ الابنِ الكسولِ المدللِ الذي يعيش طول حياته على كنزٍ ورثه عن أبيه أو أمه، كنزٌ لا يُنمّيه حتى ينضبُ وفقرٌ آتٍ لا محالة ولو بعد حين.

هويةُ الفردِ ستبقى واحدةً موحّدةً ولو تعددت روافدُها، أنا لا أستطيعُ أن أكون في باريس وفي جمنة في نفس اللحظة، ولا أستطيع أن أندد بقتل مدنيينَ فلسطينيينَ عزّلٍ خارجين من دارِ عبادةٍ لو كان القاتلُ إسرائيليًّا وفي نفس الوقت أسكت عن نفس الجريمة لو كان المجرمُ فلسطينيًّا والضحيةُ يهوديًّا. العدلُ يُكالُ بمكيالٍ واحدٍ لا بِمكيالَين والظلمُ ظلمٌ والقهرُ قهرٌ بغض النظرِ عن هويةِ الظالمِ وهويةِ المظلومِ.
 
متى يلجأ الحيوانُ إلى جُحرِهِ ليختبئ فيه ويحتمي خلف جدرانه؟ عندما يحس بالخطر يداهمه من كل جانِب، خطرٌ لا يرى له رادًّا ولا يخلد على باله البتة أنه قادرٌ على مواجهته بمفرده ويتصور أن جحره الضيق من العدو سيحميه. الإنسانُ ليس حيوانًا ولكن للأسفِ أنا أرى أنه كذلك يفعل المتزمتُ المتطرّفُ يهوديًّا كان أو مسلمًا، أكان جحره إسرائل أو داعش، أكانت إيديولوجيته الصهيونية أو السلفية الإسلامية ولذلك سُمّيت الاثنتان هوياتٌ قاتلةٌ.
 فرنكفونيتي لم تُلغِ ولم تَضعِفْ عَرَبوفونيتي بل تفاعلت معها في تناغمٍ وانسجامٍ ووئامٍ، وأثْرَتْ كل واحدة منهما الأخرى دون تنافسٍ أو تصادمٍ، فانبثق من تفاعلهما والحمد لله أسلوبُ كتاباتي.

إمضائي
"
عَلَى كل خطابٍ سيئٍ نردّ بِخطابٍ جيدٍ، لا بِالعنفِ اللفظِي" (مواطن العالَم)
 وَ"إذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك فدعها إلى فجر آخر" (جبران)

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الأربعاء 21 جوان 2017.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire