موقف طريف مسانِد للإضراب الإداري
الذي نفذه أساتذة الإعدادي و الثانوي. أستاذ ثانوي متقاعد مواطن العالَم د. محمد
كشكار
رغم أنني عبّرت عن موقف قد
يبدو للكثير متناقضا مقارنة بموقفي النوعي أسفله حول الإضرابات في الوظيفة
العمومية و بالمناسبة أذكّر بفحوى موقفي السابق: بعد التقاعد أصبحت أؤمن إيمانا
جازما بضرورة تحييد التلميذ في الصراع النقابي الدائر بين المدرّسين التونسيين و
وزارة التربية التونسية.
أنا مع الأستاذ ما دام
الأستاذ مع التلميذ، يعني ما دام الأستاذ يقوم بواجبه التعليمي و التربوي في القسم
و التلميذ يتعلم و يتكون و يستفيد من أقرانه و تجاربه بمساعدة أستاذه. أما التقييم
فمسألة أخرى: نحن في تونس ما زلنا متمسكين بالتقييم الكلاسيكي الذي أرفضه و أطالب
بتحديثه و تطويره أو إخراجه تماما من المدارس الابتدائية و الإعداديات و الثانويات.
يتمثل التقييم الكلاسيكي في إجراء الامتحانات في الأسبوع المغلق في زمن محدد مسبقا.
لقد تخلت الأنظمة التربوية الحديثة عن هذه الطريقة الجامدة و توقّت المرونة في
امتحان التلاميذ فمثلا في فنلندا لو حضر التلميذ الامتحان و عبّر عن عدم استعداده
لإجرائه لأسباب خاصة، يُعيّن له موعد آخر دون لوم أو مساءلة. جل الجامعات المرموقة
لا تثق في الباكلوريا التونسية و لا تقبل تسجيل المتحصل عليها إلا بعد إجراء تقييم
جديد. جل المشغلين الأجانب و بعض الشركات التونسية الخاصة لا يثقون في الشهائد
العلمية التونسية و لا ينتدبون المتخرج التونسي إلا بعد اختباره و تجريبه في
العمل. بعض الأنظمة التربوية الرائدة التي أطمح إليها و أحبذها تخلت تماما عن إجراء
الامتحانات في المؤسسات التربوية من قِبل الأساتذة في صورتها الكلاسيكية مثل
امتحاناتنا في تونس و أوكلت مهمة التقييم إلى مُقيِّمِين مختصين في مؤسسات مختصة
في التقييم لأنها تعتبر الأستاذ مكوِّنا و ليس ممتحِنا، حجتها العلمية في ذلك أن
المدرّس التقليدي لم يسبق له أن درَس علم التقييم في الجامعة. و الدليل أن مهمة
التقييم لا تندرج في كراس شروط انتداب المدرسين في تونس و أن وزارة التربية
التونسية تسند منذ سنوات منحة خاصة خارجة عن المرتب لكل مدرس يراقب أو يصلح
الامتحانات الوطنية في السيزيام (الامتحان الوطني لتلاميذ السنة السادسة أساسي
الفاصل بين مرحلتي التعليم الأساسي الأولى و الثانية، يعني الابتدائي و الإعدادي)
و النوفيام (الامتحان الوطني لتلاميذ السنة التاسعة و النهائية أساسي الفاصل بين
مرحلتي التعليم الأساسي و الثانوي، يعني الإعدادي و الثانوي) و الباكلوريا
(الامتحان الوطني لتلاميذ السنة الرابعة و النهائية ثانوي الفاصل بين مرحلتي
التعليم الثانوي و الجامعي، يعني المعهد و الجامعة).
بناءً على ما سبق: أعتبر الأساتذة التونسيين المضربين حاليا عن القيام
بمهمة التقييم ليسوا مضربين عن العمل و لا على القيام بواجبهم، فهم يباشرون عملهم
الذي انتُدِبوا من أجله و لا لوم عليهم و لا هم يحزنون. لو تشبث الأساتذة بحقهم في
مرتب يضمن لهم كرامتهم و تمسكوا بشعار "500 و الرَّخْ لا" لَساندتهم في
مطلبهم هذا الذي لا أرى فيه شططا و الدليل أن الحكومة مَنَحت زيادات في المرتب لمن
هم أقل منهم علما و شهائد. فلماذا التمييز و المحاباة و الانحياز لشق من موظفي
الدولة كالقضاة و الأمنيين و موظفي البنوك على حساب شق آخر من نظرائهم في الشهائد
العلمية كالمعلمين و الأساتذة؟ لذلك يبدو لي و ضميري مرتاح أن عدم القيام بمهمة التقييم
التي لم يُنتَدَب الأساتذة من أجلها و لن يتقاضوا أجرا في حال عدم إجراء امتحانات ليسوا مأهلين
لإجرائها و إصلاحها و حتى إن كانوا مأهلين لها فلن يستطيعوا أن يعدِلوا بين
تلامذتهم المباشرين و يقيّموهم بموضوعية فقد تغلبهم عاطفتهم و يغفروا لهم بعض أخطائهم
و هذا تصرّف إنساني و لا جنحة عليهم إن فعلوا ذلك و لذلك تُنظَّم الامتحانات
الوطنية التي يُوكَلُ تقييمها تحت أرقام سرية لأساتذة غير الأساتذة المباشرين في
نفس المؤسسة التربوية فمثلا باكلوريا بنزرت يصلحها أساتذة صفاقس، و هذا الإضراب
الإداري لا يجب أن يُعدَّ في المنطق و القانون إضرابا عن العمل و إنما هي طريقة
جديدة ابتكرها الأساتذة للمطالبة بحقوقهم القانونية و الشرعية كما فعل من قبلهم
الممرضون عندما اشتغلوا في المستشفيات و المستوصفات دون قبض معاليم التسجيل من
المرضى أو كما فعل سُوَّاقُ حافلات باريس عندما عبّروا عن احتجاجهم و غضبهم بطريقة
طريفة و ذكية فاشتغلوا و لم يضرِبوا عن العمل و قادوا حافلاتهم و نقلوا الركاب دون
قطع التذاكر.
خلاصة القول:
ما دام الأستاذ التونسي
الأبِيّ مُضرِب عن إجراء الامتحانات فقط و ليس عن العمل و التدريس و التلميذ يتعلم
في القسم بمساعدة أستاذه فلن يتضرر المتعلم علميا في تكوينه. لو أرادت الوزارة أن
تُجري امتحانات رغم أنف الأساتذة فعليها إذن أن تنتدب مختصين في التقييم يقومون
بإجراء الامتحانات، و لو فعلتها لأراحت الأساتذة من مهمة ليسوا مؤهلين للقيام بها
و أطالبها أنا بعد ذلك بدسترة هذا الإجراء الجديد القيّم حتى لا تبقى الوزارة تحت
رحمة الأساتذة و كفى المؤمنين من الجهتين شر القتال، لكن هذا لا يمنع الأساتذة من
حقهم النقابي في المطالبة بالزيادة المحترمة في المرتب و لا يعفي وزارة التربية من
واجبها الذي يتمثل في الاستجابة السريعة لمطالب موظفيها دون لف أو دوران.
إمضاء م. ع. د. م. ك.
لا أقصد فرض رأيي عليكم
بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى،
و على كل مقال قد يبدو لكم ناقصا
أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي.
تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الاثنين 30
مارس 2015.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire