samedi 7 mars 2015

لماذا يحرص بعض الأولياء على الجانب الجَزائي في تعليم أبنائهم المتمثل في التقييم و الامتحانات أكثر من حرصهم على مضمون تربيتهم المتمثل في العلوم و القيم؟ مواطن العالَم د. محمد كشكار، المنسّق البيداغوجي العام بمدرسة مونتيسوري الدولية بتونس-حمام الأنف

لماذا يحرص بعض الأولياء على الجانب الجَزائي في تعليم أبنائهم المتمثل في التقييم و الامتحانات أكثر من حرصهم على مضمون تربيتهم المتمثل في العلوم و القيم؟  مواطن العالَم د. محمد كشكار، المنسّق البيداغوجي العام بمدرسة مونتيسوري الدولية بتونس-حمام الأنف

أسوق لكم مثالين فقط حول الحلول العلمية التي ابتكرتها بعض الدول الغربية المتقدمة لحل معضلة الامتحانات، المثال الأول مأخوذ من النظام التربوي الفنلندي المتفوق عالميا و  الثاني من النظام التربوي الفرنسي المتوسط عالميا:
1.     النظام التربوي الفنلندي المتفوق عالميا:
لا يُسمح قانونياً بوضع درجات للتلامذة الفنلنديين، ولا يُسمح بالمقارنة بينهم.
عندما يحضر التلميذ الفنلندي لاجتياز امتحان و يجد نفسه عاجزا عن الإجابة لسبب ما، يُعيَّن له تاريخ آخر خاص به دون أي عقوبة، لأن هدف التعليم الأول هو التكوين العلمي و ليس التقييم الجَزائي أو اصطياد هفوات التلميذ أو فضح نقاط ضعفه كما هو معمول به حاليا في نظامنا التربوي التونسي الذي يستعمل طريقة  بيداغوجية واحدة. هي المدرسة السلوكية (Le béhaviorisme de Watson et Skinner) التي يتعامل بموجبها المدرّس مع التلميذ كما تعامَل العالِم افلوف مع كلبه التجريبي. يعني بالترويض عن طريق الإثارة و الجواب (Stimulus\Réponse) أو العصا و الجزرة أو العقوبة و الجزاء. علميا لا أستطيع أن أقول إنها أسوأ طريقة أو هي ناجعة أكثر مع الحيوانات و إنما أقول قد لا تكفي لو استعملناها وحدها لتربية الطفل. من حسن حظ المتعلم أن علوم التربية اكتشفت طرقا مجدية أخرى مثل المدرسة البنائية لــبياجي (Le constructivisme de Piaget) أو البنائية الاجتماعية لــفيقوتسكي (Le socio-constructivisme de Vygotsy) أو البناء\الهدم لــجيوردان (le modèle allostérique de Giordan ou construction\déconstruction). و الدليل القاطع على أن المدرسة السلوكية غير مجدية لو استُعملت وحدها، أن النظام التربوي التونسي و منذ نصف قرن لم يخرّج و لو عالِما واحدا معترف به عالميا رغم تخرّج مئات الآلاف من الأساتذة و الأطباء و المهندسين، إلا عدد قليل من العلماء تونسي الأصل اللذين يشتغلون في المخابر و الجامعات العالمية.

2.     النظام التربوي الفرنسي المتوسط عالميا:
حكاية قاهر وزارة التربية الفرنسية هو أستاذ ثانوي يسند لكل تلامذته دوما 20 على 20
الزمان: العشرية الأولى من القرن 21.
المكان: معهد ثانوي عمومي بباريس.
البطل: أستاذ ثانوي مختص في تدريس التاريخ.
Pascal Diard
Lycée Suger à Saint Denis

الخبر كما وصلني بالسماع و ليس بالمعاينة :
أستاذ أقام وزارة التربية الفرنسية منذ سنوات و لم يقعدها حتى الآن لأنه قرر فجأة أن يسند لكل تلامذته دوما 20 على 20 في كل الامتحانات الرسمية و غير الرسمية داخل المعهد الذي يدرس فيه بباريس.
حجته في ذلك أن الأعداد الجزائية المسندة إلى التلامذة هي بالأساس أعداد تقييميه اعتباطية و قد تصدم أو تؤلم أو تحبط أو تخيف أو تفزع التلميذ (Les notes sont traumatisantes pour l`élève)، لذلك رأى بطل قصتنا و ارتأى أن واجبه يحتّم عليه عدم إرباك أحبته التلاميذ.
تجدر الإشارة إلى أن هذا الأستاذ المتنطع و الثائر على قوانين وزارة التربية الفرنسية يرى أن لا وصاية على الأستاذ في المسائل البيداغوجية و من بين هذه الأخيرة حرية إسناد الأعداد كما يشاء هو، لا كما يشاء وزير التربية. أما أنا و حتى لو لم أجرؤ طوال حياتي المهنية على فعل ما فعل زميلي الفرنسي لكنني تمنيت في داخلي أن أفعل ما فعل، فأنا متعاطف مبدئيا مع زميلي الفرنسي و أؤيد تبريره المنطقي دفاعا عن سيادة و حرية الأستاذ داخل قسمه و اقتناعا مني باعتباطية الأعداد  (تظهر هذا الاعتباطية أساسا في أن مَن يسند الأعداد و يقيّم التلاميذ لم يدرس أكاديميا و لو شهرا واحدا "علم التقييم" فمدرّسنا إذن مثَلُه كمَثَلِ "تاجر يقدّر وزن سلعة دون ميزان"، أتوجد اعتباطية أكثر من هذه الاعتباطية؟
حاولت الوزارة ثنيه عن صنيعه هذا فلم تفلح في ردعه، لا بالجزرة و لا بالعصا. قاموا بتفقده قصد إرهابه 8 مرات خلال 11 عاما تدريس. عرضت عليه الوزارة القيام بعمل إداري و الاستقالة من التدريس فرفض. "تجري الرياح بما لا تشتهي السفن"، أرادت الوزارة إسكاته و إخماد صوته فذاع على العكس صيته في كامل التراب الفرنسي و تأسست من أجل حمايته و مساندته لجنة قومية و تكوّن حول هذه الأخيرة حزام نقابي يضم الآلاف من المتعاطفين الفرنسيين و غير الفرنسيين  و حصل لي الشرف أن أكون واحدا منهم و لو بالإيمان بقضيته فقط و قد بلّغته فعلا تحياتي عن طريق ابن أختي، زميله في نفس المعهد. عن ابن أختي قال: أن زميله تنازل أخيرا قليلا لصالح الوزارة و أصبح يسند لتلامذته أعدادا أقل من 20 لكن تفوق 17 على 20.
مع العلم أن بطل قصتنا الواقعية هذه، هو أستاذ تاريخ كفء و قدير و من تجلياته أنه عندما يدرّس تاريخ حركة المقاومة الفرنسية خلال الحرب العالمية الثانية، يستدعي إلى القسم بطلا من أبطالها الناجين و من إنجازاته أيضا أنه يؤطر و يحث تلامذة الباكلوريا على البحث العلمي و بواسطة علاقاته الثقافية و الصحفية و الجمعياتية يسهّل لهم نشر إنتاجهم الفكري في مجلات مختصة و يساعدهم على إخراج أقراص رقمية مضغوطة تروي التاريخ بأسلوب بيداغوجي و طريقة تعلّمية إلى تلامذة المعهد و تلامذة المعاهد الأخرى.

خلاصة القول
أنا تربيت و درست في الستينات و السبعينات بطريقة الجزاء و العقاب و درّست بها في الثمانينات و التسعينات و ربما لذلك لم نستطع أن نربي و ندرّس أولادنا إلا بهذه الطريقة لأن فاقد الشيء لا يعطيه في هذه الحالة. لم نكن قدوة لأبنائنا و هم نسخة منّا و علينا أن نلوم أنفسنا و لا نتنصل من مسؤوليتنا في فشلهم قبل أن نحاسبهم. قد أجد عذرا لأولياء و مربي الستينات في جهلهم للطرق التربوية الحديثة و هذا ما كان سائدا حتى في الدول الغربية آنذاك، لكن ما عذرهم اليوم و قد أقلعت جل البلدان المتقدمة عن اعتماد المدرسة السلوكية نموذجا أوحدا، أقلعت فأقلعت!

إمضاء م. ع. د. م. ك.
سُئل مرة مؤرّخ فرنسي: "ما هي أول مرحلة في السياسة؟ فأجاب: التربية. وما هي الثانية؟ فأضاف: التربية. وما هي الثالثة؟ فأردف: التربية". (جول ميشلي 1798-1814)، مختص في الثورة الفرنسية و مؤسس التاريخ العلمي الفرنسي.
يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه و يثقوا في خطابه أما أنا - اقتداء بالمنهج العلمي - أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات و أنتظر منهم النقد الهدام المفيد.
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى، و على كل مقال قد يبدو لكم ناقصا أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي.

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الأحد 8  مارس 2015.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire