لو نجح السيسي رئيسا
للجمهورية، فستحكم مصر ديكتاتورية عسكرية ناشئة بنفس جديد، لكنه خطير! مواطن
العالم د. محمد كشكار
قال صديقي الحبيب بن حميدة،
أستاذ الفلسفة القدير المتقاعد، نقلا عن نظرية سياسية: "لكي تنجح في السياسة،
عليك تعيين خصم سياسي واحد بصفة واضحة، ثم عليك شيطنته بحلاله وحرامه، و عليك أيضا
حشد و تجييش الناس عاطفيا ضده، و لا يهمك إن كان خطابك عقلانيا أو خشبيا، المهم في
النتيجة و ليس في الوسيلة".
هكذا فعلت الأحزاب في الدول
الديمقراطية: الجمهوري ضد الديمقراطي في الولايات المتحدة الأمريكية، و الاشتراكي
ضد اليميني في فرنسا، و العمال ضد المحافظين في بريطانيا. ثم قلدهم نداء تونس ضد
النهضة في تونس، و طبق هذه "النظرية السياسية البراقماتية غير الأخلاقية"
حزب الجمهوري (التقدمي سابقا) ضد بن علي لكنه تركها بعد الثورة ففشل و ذهبت ريحه،
و فعلتها النهضة ضد العلمانيين التونسيين دون تمييز أو فرز بين العلمانيين
المتماهين مع مجتمعهم العربي الإسلامي و العلمانيين المنبتين عن مجتمعهم العربي
الإسلامي، و الواقع التونسي الحالي يشهد أن العلمانيين الديمقراطيين و الإسلاميين الديمقراطيين
يكملون بعضهم بعضا، و كلاهم متساوون في الحقوق و الواجبات الوطنية، و كان الأحرى
بالنهضاويين و العلمانيين التقدميين أن يسلطوا غضبهم ضد الرموز القيادية الفاسدة من
الدساترة و التجمعيين، و كان الأولى بهم أن يتمسكوا بتمرير قانون الإقصاء السياسي
لهؤلاء الرموز بمنعهم من الانتخاب و الترشح للمناصب السياسية بعد الثورة لمدة 5 أو
10 سنوات و هذا أضعف الإيمان في انتظار العدالة الانتقالية و ليست الانتقامية، و
فعلها أيضا العلمانيون عندما شيطنوا كل الإسلاميين دون تفريق بين الإسلامي
الديمقراطي و الإسلامي الجهادي ضد المسلمين أنفسهم.
منذ أن أعلن السيسي نيته
للترشح للانتخابات الرئاسية، ترى الرؤوس قد هوت: أحمد شفيق و عمرو موسى عبروا عن تنازلهم أمام "البطل"، أما
حمدين صباحي زعيم التيار الشعبي و أحد قيادي الثورة فقد قال شيئا منكرا في
السياسة: "سأنتظر بيان السيسي ثم أقرر الانسحاب من عدمه"، حزب الوفد
يؤيد السيسي قبل ترشحه، و الله فكرني في حزب الديمقراطيين الاشتراكيين، حزب معارض
لبن علي، يرشح بن علي رئيسا للجمهورية في انتخابات 89 أو غيرها. لا ألوم عليهم
كثيرا، فمَن يقدر على منافسة خصم سياسي كالسيسي؟ و مَن يجرؤ على شيطنة خصم "يتمتع"
بمساندة الدنيا و الدين؟
ماذا ننتظر من رئيس محتمل
"فوضه" الجيش و الشعب و الثورة و الدولة و الأزهر و جمع كل السلط في يد
حديدية واحدة؟ ننتظر ديكتاتورية عسكرية ناشئة بنفس جديد، لكنه خطير!
خاتمة متشائمة:
لا قدر الله وحدث المكروه ضد
إرادة الشعب، سيكون النصر حليف الحكم العسكري في مصر ضد الحكم المدني. و لنا مثال
سيء في الجزائر عندما انتصر "جيش التحرير الوطني" الجزائري على الشعب
الجزائري. نصر جاء بمشاركة الجهاديين العنيفين ضد شعبهم المسلم. نصر حصد 200 ألف
مواطن جزائري دون ذنب ارتكبوه سوى أنهم جزائريون. نصر أصاب الجزائر بعد حرب أهلية
دامت أكثر من عشر سنوات. 10 سنوات، أرتُكِبت خلالها جرائم فظيعة ضد الإنسانية،
جرائم أفظع من جرائم الاستعمار، و تتجسم فظاعتها في أن القاتل جزائري و المقتول
جزائري دون تدخل جندي أجنبي واحد.
خاتمة متفائلة:
إن شاء الله و شاء الشعب
المصري، ستكون نهاية الجنرال السيسي في مصر كنهاية الجنرال بينوشيه في الشيلي، و
كلاهما انقلب على رئيس منتخب ديمقراطيا، واحد اشتراكي و الآخر إسلامي. و لو أجبِرت
على الاختيار بين حكم إسلامي مدني ديمقراطي و بين حكم عسكري ديكتاتوري، فسأختار
الأول دون تردد مع أنني أطمح إلى حكم
ديمقراطي لا تُحتكر فيه السلطة، لا من الإسلاميين و لا من العلمانيين، و إنما
يتداول كلاهما على السلطة بعد فوزه في انتخابات ديمقراطية شفافة و نزيهة.
تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الجمعة 31 جانفي 2014.
أسوق لكم أفضل مثال على شيطنة الخصم السياسي: أثناء الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي تنافس فيها المرشح الديمقراطي كارتر و المرشح الجمهوري ريغن، كان يتواجد في نفس الفترة أمريكيون محتجزون في السفارة الأمريكية بإيران، و بعد مفاوضات شاقة بين الحكومة الأمريكية و الحكومة الإيرانية، أُطلِق سراحهم و كانوا على أهبة السفر إلى أمريكا، فحدثت الصفقة السرية التالية التي انفضح أمرها بعد نهاية الانتخابات: من أجل شيطنة خصمه كارتر و بلوغ هدفه الذي يتمثل في تولي رئاسة جمهورية الولايات المتحدة الأمريكية، استعمل ريغن أحط و أرذل الوسائل و رتب صفقة مع بعض المسؤولين الإيرانيين المتنفذين و طلب منهم عدم تسليم الرهائن الأمريكيين إلى حكومة كارتر و وظف فشل كارتر في تحرير الرهائن الأمريكيين - فشل مفبرك من قبله - أحسن توظيف و هزم خصمه في الانتخابات و ظهر من بعد و كأنه هو محرر الرهائن.
RépondreSupprimer