dimanche 21 avril 2019

الغرائب والعجائب دائماً تأتينا من الصين: مجتمعُ "نا"، مجتمعٌ "دون أب ودون زوج"! ترجمة مواطن العالَم



باسكال-ماري ميلان، عالِمة أنتروبولوجيا، تصنف المجتمعات الأمومية إلى ثلاثة:
1.     المجتمع الأمومي (Une société matriarcale) تكون فيه السلطة العائلية للأم على عكس مجتمعاتنا الأبوية الحالية في العالَم أجمع (Des sociétés patriarcales).
2.     المجتمع الأمومي-الخطّي 
(Une société matrilinéaire)
 حيث اللقب والإرث ينتقلان من الأم إلى أبنائها ذكوراً وإناثاً على السواء.
3.     المجتمع أمومي-السكن (Une société matrilocale)، رجالهم يعيشون في بيوت أمهاتهم ويعاشرون زوجاتهم في بيوت أمهاتهن، ولو أقاما الزوجان مع بعضهما فعادة ما يكون السكن في بيت عائلة الزوجة.

 مجتمع "نا" الصيني (Na):
مجتمعٌ يضم 30 ألف نسمة (سنة 2007)، يعيشون في الجنوب الغربي الصيني على تخوم (حدود) جبال الهيملايا. مجتمعٌ أمومي-خطّي وأمومي-السكن، لكنه ليس أمومي-السلطة. وحسب عالِم الأجناس الصيني 
(ethnologue, 1960)
 هو مجتمعٌ "دون أب ودون زوج" 
(Une société sans père ni mari ).
 الإخوة والأخوات (frères et sœurs) يعيشون كامل حياتهم تحت سقفٍ واحدٍ مع أمهم وأولاد النساء. الأبناء يُرَبون من قِبل الجدة من الأم والأخوال والأم والعمّات. لقب العائلة يورَثُ من الأم إلى الأبناء وليس من الأب. يُجِلون ويُبجِّلون الأجدادَ من الأم. يَعبُدون الطبيعة كالجبل والبحيرة، ككائنات أنثوية. السلطة في العائلة تكون موزعةً بصفة متوازنةٍ نسبيّاً بين الإخوة والأخوات. النساء يهتممن بالدار والأبناء، والرجال يشتغلون خارج المنزل.
النساء (17-18 عام) يستقبلن عشاقهن ليلاً دون علم باقي أعضاء الأسرة الموسعة. يأتي الزائر مع أصدقاء والمرأة تختار واحداً غير صديقها لو رغبت في التغييرِ والتجديدِ. العشيق الزائر يأتي علناً لو أصبح رسميّاً وعليه عندئذٍ أن يجلب معه هدايا لكل أعضاء الأسرة الموسعة حتى يشتري وِدَّهم وينال الرضا والقبول، لكن هذا لا يمنع المرأة من مواصلة استقبال العشاقِ ليلاً وخُفيةً وتغييرهم أيضاً إذا أرادت. يصبح من الصعب إذن معرفة الأب البيولوجي لأبناء الزوجة أو العشيقة. بالنسبة لإخوة العروسة، المهم عندهم أن الأبناء هم من صلب أختهم، لا يهم تحديد أبيهم الحقيقي، خاصة وأن الأب الرسمي يعيش هو أيضاً مع أسرته الموسعة من أمه وليس مع زوجته أو أسرتها من الأم.
مع التطور السياحي وللأسف الشديد، بعض نساء "نا" شيّؤوا تقاليدهم الجنسية الحرة، سلعنوها وحوّلوها إلى دعارةٍ مُقنّعةٍ وسبيلاً للكسبِ من السياحةِ الجنسيةِ (Malheureusement, les femmes Na instrumentalisent leurs coutumes pour s`enrichir).

خاتمة مواطن العالَم: علماء الأنتروبولوجيا قالوا حكمةً من ذهبٍ: "لا حضارة أفضل من حضارة" (الأنتروبولوجيا أو علم الإنسان أو العلم الحكيم كما يحلو لي أن أسمّيه، علمٌ لم أتعلمه في الجامعة لكنني أعشقه لله في وجه الله، وَوَدَدْتُ لو كان يُدَرِّسُ في معاهدنا كمادةٍ مستقلةٍ عن الفلسفةِ).

Référence: On a fait des Na de grandes féministes, ce qu`elles ne sont pas, article de Pascale-Marie Milan, Le Point, mai-juin 2018, pp. 30-31

إمضائي: و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إذنْ إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الاثنين 22 أفريل 2019.


samedi 20 avril 2019

النبي هجر قومه في مكة وهاجر إلى قومه في المدينة. فلماذا لا نقتدي به ونهجر ذاتنا الحيوانية ونهاجر إلى ذاتنا الإنسانية؟ مواطن العالَم



مقدمة منهجية: قبل الغوص والحفر، لنتفق أولاً على التشخيص و"الأوّلُو شرطْ آخرُو نورْ"!
التشخيص: نحن، العرب المسلمون، نِعاجٌ أمام الأعداء أسودٌ على الأشقاء وأشهرنا بشار النعجة والسيسي جزار رابعة والسبسي مدلّس الانتخابات والشاهد على الفساد وسلمان المنشار وحفتر نيرون طرابلس وڤايد صالح الطالح ومحمد السادس ملك الزطلة والمنقلِب على أبيه وابن البريطانية الاستعمارية والعجوز الساكت على الحق في بلد الحق. هذه حقيقتنا، هذه ذواتنا، هؤلاء حكامنا وكيفما كنتم يُولَّى عليكم! هل تنكرون تشخيصي؟ إذا أنكرتموه فلا تواصلوا قراءة هذياني.

ماذا نهجر ولمَن نهاجر؟
-         نهجر النفاق ونهاجر إلى الصدق.
-         نهجر الكسل ونهاجر إلى العمل.
-         نهجر الغش ونهاجر إلى الإتقان.
-         نهجر الشعوذة ونهاجر إلى العلم.
-         نهجر الفوضى ونهاجر إلى النظام.
-         نهجر الحرب ونهاجر إلى السلم.
-         نهجر النقل ونهاجر إلى العقل.
-         نهجر لباس السلف ونهاجر إلى عبقرية السلف.
-         نهجر الطقوسية ونهاجر إلى الروحانية.
-         نهجر التقليد ونهاجر إلى التجديد.
-         نهجر الانبتات ونهاجر إلى التأصّل.
-         نهجر الكره ونهاجر إلى الحب.
-         نهجر الأنانية ونهاجر إلى الإيثار.
-         نهجر الوطنية ونهاجر إلى الأممية.
-         نهجر الجشع ونهاجر إلى القناعة.
-         نهجر الاستيراد ونهاجر إلى الإنتاج.
-         نهجر التسوّل ونهاجر إلى التعفف.
-         نهجر التكبّر ونهاجر إلى التواضع.
-         نهجر التطرف ونهاجر إلى الوسطية أمنا وأصلنا.
-         نهجر التعصب ونهاجر إلى آخر الآخر.
-         نهجر القبح ونهاجر إلى الجمال.
-         نهجر التحريم ونهاجر إلى الفنون.
-         نهجر التكفير ونهاجر إلى حرية المعتقد.
-         نهجر التمييز الجندري ونهاجر إلى المساواة.
-         نهجر الإقتصاد الرأسمالي الاستغلالي ونهاجر إلى الاقتصاد الاجتماعي-التضامني.
-         نهجر كورشيد ونهاجر إلى جمنة.
-  نهجر إطلاق العَنان للغرائز الحيوانية (L`ADN)  ونهاجر إلى كبحِ الغرائز ونُعيدُ أنسنتِها (L`épigenèse).

-         الخلاصة: نهجر غزو السم الفكري في الدسم الثقافي ونهاجر إلى مكارم الأخلاق في الأصالة. نهجر "غرق الحضارات" ونهاجر إلى بعث الحضارات. وإذا لم نهجر ونهاجر، غرقنا وانقرضنا ولسنا أفضل ممن سبقنا، حضارات سادت ثم بادت، البابليون والفراعنة والإغريق والفينيقيون والرومان والبيزنطيون والهنود الحمر والأنكا وأقربهم إلينا الأندلسيون.

إمضاء مواطن العالَم
الاستقامةِ الأخلاقيةِ التي أتبنّاها تتجاوز الاستقامةِ الأخلاقيةِ الدينية لكنها لا تنفيها، لا تناقضها ولا تعاديها بل تكمّلها وتحميها: الأولى تُمارَس على المستوى الفردِيِّ (La spiritualité à l`échelle individuelle)، وهي فردية أو لا تكون، وقد تتوفّر عند المتدين (Le croyant) وعند غير المتدين (Le non-croyant)، وقد يكتسبها الفرد من الدين (الجهاد الأكبر) أو من الفلسفة أو من الاثنين معاً كحالتي. أما الثانية فلا تُكتسَبُ إلا من الإيمان بِدينٍ معيّنٍ، ولا تهم غير المتدينين، وهي كالدين اجتماعية أو لا تكون (La spiritualité d`une société ou d`un état).
الهُوية هُويّات، أنا مواطن العالَم، كشكاري، ڤَصْرِي-شِتْوِي، حَمَادِي، جمني، حمّام-شطي، تونسي، شمال إفريقي، أمازيغي، عربي، وطني، قومي، أُمَمِي، مسلم، عَلماني، يساري غير ماركسي، عربي اللسان، فرنكفوني، محافظ، حداثي. كل هُوية تُضافُ إليّ هي لشخصيتي إغناءُ، وكل هُوية تُقمَعُ فيّ هي إفقارُ.

و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إذنْ إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الأحد 21 أفريل 2019.


vendredi 19 avril 2019

برنامجٌ سُرياليٌّ لأستاذٍ نكرةٍ مُرّشحٍ للرئاسةِ، أستاذٌ متقاعدٌ "مُڤَرْبَعٌ"؟ مواطن العالَم



تنبيه ضروري أوجهه للمنزعجين دوماً من مقالات كشكار:
أيها الأحبة، لا تنزعجوا وهدّؤوا من روعكم. أنصحكم بأن تقرؤوا مقالي التالي قراءةً أدبيةً ترفيهيةً وليس قراءةً سياسيةً جديةً. ماذا أقصد بِنعت سُريالي؟ أي غير واقعي، خياليّ مُبْرِزٌ للأحوال اللاّشعورية، مشهدٌ سُرياليٌّ يدعو للدهشة (Qui évoque le surréalisme par son caractère bizarre)، والدليل أن المرشحَ هو عبدُكم الفقيرُ لله، "شايِبْ كَحْيانْ"، يجلسُ يوميّاً في مقهى الشيحي التعيسة من الساعة السادسة إلى الثامنة صباحاً، وحيداً ومعه كتابٌ.

مقدمة:
في برنامجي الرئاسي هذا، لا أعِدُكم بأي إنجازٍ جديدٍ، على العكس أعِدُكم بِهدمِ عديد الإنجازات القائمة في تونس. لو فزتُ سأهدم كل المؤسسات الطفيلية (Les institutions parasites)، أي المؤسسات التي نصرفُ عليها سنويّاً آلاف المليارات من الدنانير ولا نكسبُ من ورائهاً شيئاً يُذكَرُ، لا ماديّاً ولا معنويّاً!

أقدّمُ لكم في عشرِ نقاطٍ "خفاف ظراف" برنامجيَ الرئاسيَّ الواعدَ بكل خيرٍ:
1.     أبدأ بحذفِ مؤسسة الرئاسة نفسها، لا تحلموا كثيراً، أحذفُها بعد نهاية فترتي طبعاً، وإلا "ما نِتْسَمّاشْ تونسي"! قدوتي دولة ألمانيا، عندها رئيسٌ شرفيٌّ. وهل شرّفنا الرؤساء الخمسة الذين مرّوا علينا خلال 63 سنة حتى نُبقِي على مؤسسة الرئاسة؟ خذلونا، مرّروا "عيشتنا"  ومرّوا على أجسامنا مجازيّاً وفعليّاً!
2.     أحذفُ مؤسسة الجيش بجنودها وضباطها. قدوتي بعض الدول التي لا تملك جيشاً مثل دولة كوستاريكا.
3.     أحذفُ المساكن الوظيفية والسيارات الوظيفية و"بونوات" البنزين التي يتمتع بها المسؤولون السياسيون والرَّمَعَ (PDG).  قدوتي دولة السويد وما أدراك!
4.     أحذفُ مؤسسة التفقد البيداغوجي في وزارة التربية. قدوتي دولة فنلندا.
5.     أحذفُ الامتحانات الجزائية الثلاثية والسنوية (Évaluation sommative) في الابتدائي والثانوي ولا أترك منها إلا ثلاثة: السيزيام والنوفيام والباكلوريا تتخللها تقييمات تكوينية (Évaluation formative).قدوتي دولة فنلندا.
6.     أحذفُ سلك القيمين في الإعدادي والثانوي. قدوتي دولة أمريكا الشمالية.
7.     أحذف جميع الإعداديات والمعاهد النموذجية لأن جل خرّيجيها يهاجرون طمعاً في المال بعدما صرفنا عليهم من قوت عيالنا. قدوتي دولة فنلندا.
8.     أحذفُ مركّب الصناعات الكيميائية بڤابس لأن مضارَّه على سكّان مدينة ڤابس وأحوازها أكثر من منافعِه. قدوتي دولة النورفاج التي ألغت استغلال حقل نفطي، بقيمة 65 مليار أورو، حمايةً لصحة مواطنيها وحِفاظاً على جمالية بيئتِها.
9.     أحذفُ الإضراب عن العمل في القطاع العمومي من جميع القوانين الداخلية لكل النقابات التونسية لأن مضارَّه على العمال والموظفين أنفسِهم أكثر من منافعِه. قدوتي فِكرُ المفكر الحر، محمد كشكار.
10.                        أحذفُ ديوان الأراضي الدولية الذي يتصرّفُ في 500 ألف هكتار من أخصب الأراضي التونسية، مؤسسةٌ عموميةٌ خاسرةٌ منذ سنة 1975، أسلبُه جميع أملاكه وأسلِّمها للفلاحين دون أرض لِكي يُقيموا عليها تعاونيات اقتصاد اجتماعي-تضامني. قدوتي التجربة الناجحة بمسقط رأسي جمنة الحبيبة.

خاتمة: يحقّ لقارئٍ أن يسأل: لماذا لا تحذفُ مؤسسة الفساد؟ أجيبه: أولاً، مؤسسة الفساد في تونس هي أكبر مؤسسة منتِجة.. منتِجة للفُسّاد البَنّائين.. الفُسّاد الذين يحتكرون السلع الغذائية ويرفعون أسعارَها متى شاؤوا، ويبنون لنا القناطر المغشوشة، ويشيّدون لنا الطرقات المحفورة ومطبات البهائم، ويستوردون لنا المستلزمات الطبية الفاسدة، ويوفّرون للمدخنين سجائر "البِينْ" الرخيصة كرُخصنا، ولا يعقدون الصفقات العمومية إلا بالرشوة، ولا يُشغِّلون "البَطّالة" إلا بالمحسوبية، إلخ. ثانياً وأخيراً، مِن أين ستقتاتُ حكوماتنا المتعاقبة لو حذفتُ مؤسسة الفساد؟

إمضاء مواطن العالَم
الاستقامةِ الأخلاقيةِ التي أتبنّاها تتجاوز الاستقامةِ الأخلاقيةِ الدينية لكنها لا تنفيها، لا تناقضها ولا تعاديها بل تكمّلها وتحميها: الأولى تُمارَس على المستوى الفردِيِّ (La spiritualité à l`échelle individuelle)، وهي فردية أو لا تكون، وقد تتوفّر عند المتدين (Le croyant) وعند غير المتدين (Le non-croyant)، وقد يكتسبها الفرد من الدين (الجهاد الأكبر) أو من الفلسفة أو من الاثنين معاً كحالتي. أما الثانية فلا تُكتسَبُ إلا من الإيمان بِدينٍ معيّنٍ، ولا تهم غير المتدينين، وهي كالدين اجتماعية أو لا تكون (La spiritualité d`une société ou d`un état).
الهُوية هُويّات، أنا مواطن العالَم، كشكاري، ڤَصْرِي-شِتْوِي، حَمَادِي، جمني، حمّام-شطي، تونسي، شمال إفريقي، أمازيغي، عربي، وطني، قومي، أُمَمِي، مسلم، عَلماني، يساري غير ماركسي، عربي اللسان، فرنكفوني، محافظ، حداثي. كل هُوية تُضافُ إليّ هي لشخصيتي إغناءُ، وكل هُوية تُقمَعُ فيّ هي إفقارُ.
و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إذنْ إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، السبت 20 أفريل 2019.


الهُوية هُويّات؟ مواطن العالَم



أنا مواطن العالَم، كشكاري، ڤَصْرِي-شِتْوِي، حَمَادِي، جمني، حمّام-شطي، تونسي، شمال إفريقي، أمازيغي، عربي، وطني، قومي، أُمَمِي، مسلم، عَلماني، يساري غير ماركسي، عربي اللسان، فرنكفوني، محافظ، حداثي. كل هُوية تُضافُ إليّ هي لشخصيتي إغناءٌ، وكل هُوية تُقمَعُ فيّ هي إفقارٌ.

إمضائي: و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إذنْ إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الجمعة 19 أفريل 2019.



الاستقامةِ الأخلاقيةِ التي أتبنّاها؟ مواطن العالَم



الاستقامةِ الأخلاقيةِ التي أتبنّاها تتجاوز الاستقامةِ الأخلاقيةِ الدينية لكنها لا تنفيها، لا تناقضها ولا تعاديها بل تكمّلها وتحميها: الأولى تُمارَس على المستوى الفردِيِّ (La spiritualité à l`échelle individuelle)، وهي فردية أو لا تكون، وقد تتوفّر عند المتدين (Le croyant) وعند غير المتدين (Le non-croyant)، وقد يكتسبها الفرد من الدين (الجهاد الأكبر) أو من الفلسفة أو من الاثنين معاً كحالتي. أما الثانية فلا تُكتسَبُ إلا من الإيمان بِدينٍ معيّنٍ، ولا تهم غير المتدينين، وهي كالدين اجتماعية أو لا تكون (La spiritualité d`une société ou d`un état). 
إمضاء مواطن العالَم
و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إذنْ إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الجمعة 19 أفريل 2019.



jeudi 18 avril 2019

هذه بعض أسباب نفور الجماهير العربية من الفكر اليساري. مواطن العالم



يبدو لي أن هذا النفور الطاغي بين الجماهير مردّه اجتماعي بحت، لا علاقة له بنباهة اليساريين أو حدّة ذكائهم. يبدو لي أن الأنظمة السياسية العربية الحاكمة في الستينيات والسبعينيات كانت في حاجة إلى نشر وهم الاشتراكية أكثر مما كانت في حاجة إلى تطبيق مبادئها. من هنا نشأت خصوصية علاقة الأنظمة السياسية العربية بالاشتراكية: من جهة استعملوها كشمّاعة للعدالة الاجتماعية والمساواة الطبقية ولم يتجاوزوا الشعار إلى التمثل الفكري والتطبيق المادي، ومن جهة ثانية تأثر بها المفكرون العرب إلى حد أحيوا مذاهب إسلامية قديمة ووأوّلوها تأويلا اشتراكيا، وهكذا أصبح "أبو ذر الغفاري" من أبطال الاشتراكية وتحوّل "القرامطة" إلى ثوار اشتراكيين.

جل الأنظمة السياسية العربية الحاكمة استغلت الاشتراكية كشعار لأن هذه الأخيرة كانت حلما شرعيّاً يستجيب إلى طموحات العرب وتوقهم إلى التحرر والعدل والتقدم والمساواة. هذه الوضعية دامت تقريبا عقدين أو ثلاثة من الزمن (50-79). يبدو لي أن انضمامَ العرب إلى المنظومة الاشتراكية أثناء هذه الفترة كان في المتناول، وكانت الاشتراكية تمثل النظام الأكثر ملاءمة للوضعية العربية في ظل الحرب الباردة بين القطب الاشتراكي "التقدمي" والقطب الرأسمالي الامبريالي، وفي بعض الأحيان كان الفكر الاشتراكي الأكثر انتشارا في الأوساط الثقافية العالمية. لكن الفكر الاشتراكي لم يكن يوماً في الساحة وحده ولم يلبث أن واجه منظومات رأسمالية ثورية محافظة ومنافسة قوية خلال سنتَي 78-79 (ثورة دينغ شياوبينغ في الصين وثورة تاتشر في بريطانيا وثورة الخميني في إيران، أمين معلوف، غرق الحضارات، 2019)، وكثيرا ما استغل اليمين العربي هذه المنظومات الأخيرة لنشر دعوة الليبرالية الاقتصادية دون الأخذ بالديمقراطية.

يجب التمييز إذن بين العهد الاشتراكي الذي مر به الفكر العربي وبين المدة القصيرة جدا التي تبنت فيها بعض الدول العربية نظاما اشتراكيا مشوّها نظريا وتطبيقيا. إن الاشتراكية الرسمية العربية لم تكن أبدا وفية لأصولها الماركسية، لكن الكتّاب والمفكرين والمثقفين والطلبة والمناضلين والمعارضين العرب قد اعتنقوا الاشتراكية في صورتها الماركسية وعاشوا عهدا اشتراكيا فكريا افتراضيّا زاهرا رغم تعسفهم على بعض المفاهيم العربية الإسلامية غير الاشتراكية وتأويلها تأويلاً اشتراكيا خاطئاً. كان الشيوعيون والاشتراكيون الديمقراطيون والقوميون واليساريون الإسلاميون  العرب يوظفون فكرة الاشتراكية توظيفا سياسيا كمادة للدعاية التحررية بغض النظر عن أصولها ومراميها الفلسفية. كان المهم عندهم آنذاك هو توظيف شعار العدالة الاجتماعية ولا يهمهم من أي إيديولوجية تيسر، ورَفْعِ الشعارات هو بمثابة التغني بشيء مفقود ومستحيل.

رُفعت الاشتراكية كشعار ليس إلا في العهد الاشتراكي الذي عاشته بعض الدول العربية. وبالفعل نلاحظ أن مؤلفات الاشتراكيين العرب في ذلك الوقت لا تتميز بالتجذر والتكيّف والتأقلم والتماهي الجدلي  (Indigénisation) وأن مؤلفيهم يُتهمون دائما بالميوعة والزندقة والكفر والإلحاد وفي أفضل الأحوال بالتقليد والانبتات عن مجتمعاتهم العربية الإسلامية، والحقيقة أن جل هذه التهم لم تكن من فراغ. لكن إذا تفهمنا بعمق الظروف الاجتماعية التي كانت سائدة آنذاك أدركنا أن هذا الفقر في الإبداع وإنتاج المعرفة في بيئتها لا يعني عجزا في أذهان اليساريين ولا قصورا في همتهم  وإنما يعني نتيجة طبيعية للتفاعل الذي حدث بين عنصرين اثنين أساسيين: الأول يتمثل في عدم اطلاع فظيع من قبل عَلمانيي ويساريي ذلك الوقت وهذا الوقت أيضاً على قاموس اللغة العربية وقاموس الرموز وتراث الفقه وتاريخ الحضارة الإسلامية (بالرغم من وجود جهابذة عرب مسلمين أنتجوا بغزارة في هذا الميدان أمثال عبد الله العروي وحسين مروة وصادق جلال العظم وعلي حرب وهشام جعيط وعبد المجيد الشرفي ومحمد حداد وآمال ڤرامي ومحمد الشريف الفرجاني ومحمد الطالبي ونصر حامد أبو زيد وجمال البنّا وألفة يوسف وأبو يعرب المرزوقي وعياض بن عاشور ويوسف الصديق ومحمد أركون وهاشم صالح وغيرهم - أكيد الكثير - مما لم أطلع على إنتاجاتهم)، أما العنصر الثاني فيتمثل في صعوبة وتعقّد الفكر الاشتراكي مما نفّر منه الجماهير الأمية أو المتعلمة غير المثقفة وخاصة أصحاب الاختصاصات في التكنولوجيا أو العلوم الصحيحة والتجريبية كالرياضيات والهندسة والطب والبيولوجيا.

أثناء المد الاشتراكي العالمي، لاحظ المختصون شيئاً من الانفصال بين النظرية والتطبيق، ولم تسترجع النظرية الاشتراكية حقها من اهتمام المؤلفين إلا بعد انتهاء العهد الاشتراكي، بعد أن أفضت التجربة الاشتراكية إلى فشل عالمي (عام 89 في الاتحاد السوفياتي والدول الأوروبية الشرقية وكمبودج وألبانيا وكوريا الشمالية)، وفشل عربي (عام 70 في مصر وسوريا والعراق والجزائر واليمن وتونس)، أثبت أن الاشتراكية متناقضة في ذاتها وليست أفضل من نقيضها النظري المتمثل في الليبرالية الرأسمالية ولكن بقى شعارُ الاشتراكية مرفوعا لأن الحاجة إلى العدالة الاجتماعية تدعو إليه، شعارٌ لم يعد من مسلمات هذا المجتمع. وسيكون نقد هذا الشعار منطلقا لطرح مسائل جوهرية حول الاشتراكية وعلاقتها بالحرية والديمقراطية.

ويبدو لي أن الأفكار التالية غير صحيحة:  
-         مثل القول بأن الاشتراكية العربية هي اشتراكيةٌ متولدة من رحم الاشتراكية العالمية تولدا آليا، وأن الدعوة إلى الاشتراكية في العالم العربي الإسلامي ترجمة صرفة للدعوة العالمية، وأن كلمة اشتراكية ذاتها ترجمة للكلمة الأجنبية "سوسياليزم".
-         أو أن الدعوة إلى الاشتراكية في العالم العربي الإسلامي قد نتجت قبل كل شيء عن حاجة متولدة في المجتمع العربي الإسلامي نفسه، شعر بها عدد من الناس المثقفين والمفكرين والمبدعين والفنانين والطلبة والمعارضين السياسيين. على العكس، الدعوة إلى الاشتراكية لم تنبثق من الصراع الطبقي (الوعيُ بالصراع الطبقي في العالم العربي مفقود لغياب مفهوم الطبقة نفسه، تُعرّفُ الطبقة بوعي العمال بالانتماء إلى طبقة البروليتاريا وليس بوجودهم المادي كعمال في السوق الرأسمالية)، وهذا الانبثاق المرتقب نظريا من قِبل ماركس نفسه لم يحدث حتى في الاتحاد السوفياتي أو الصين. قد يكون حكام العرب، مثل عبد الناصر وصدام والأسد والقذافي، قد تهافتوا على المنظومة الاشتراكية لأنهم رأوا فيها المنقذ الوهمي الوحيد من براثن الرأسمالية الغربية الاستعمارية الامبريالية ووجدوا فيها ملاذا وقتيا آمنا وتجسيما لما يحسون به في داخلهم من استفراد بالرأي والحكم، فنهلوا من تنظيماتها الاستبدادية المتعددة الأشكال كالحزب الواحد والزعيم الأوحد المعصوم ورأسمالية الدولة والانتخابات المزيفة واستلاب الشعب والدكتاتورية على الشعب باسم الشعب. كل هذا يؤكد أن الدافع الأول عند حكام العرب كان دافعا ذاتيا محليا انتهازيّاً وليس تأثيرا خارجيا. والدليل على ذلك هو أن حكام العرب في تلك الفترة، ما بعد الاستعمار الغربي، لم ينقلوا بأمانة مبادئ الاشتراكية الغربية التي رغم كثرة هناتها، لا ينكر أحدٌ أنها حققت في العالم الشيوعي نهضة مادية في البنى التحتية والعلم والتعليم والتكنولوجيا والتصنيع. تعامى مثقفو العرب عما كانت تحمله الاشتراكية من وعي بتناقضاتها الداخلية البنيوية الذاتية. تعاميهم هذا، غير المقصود وغير الواعي، نتج عن حلم بتحقيق العدالة الاجتماعية في أسرع وقت ممكن كأنهم يسابقون الزمن، إنهم في حاجة إلى اشتراكية متفائلة حازمة واثقة بذاتها فأوّلوا اشتراكية عصرهم حسب أوهامهم.

لذلك يمكن القول أن نظرية الاشتراكية الديمقراطية الحديثة 
(Social-démocratie)
 نشأت في الغرب في ألمانيا والدول الأسكندنافية بعد أن عرفت الاشتراكية الشيوعية الأرتدوكسية إخفاقا في ظرف تاريخي معيّن. وهذا ما برز فعلا بعد تلاحق الثورات الديمقراطية في الاتحاد السوفياتي والدول الأوروبية الشرقية.

يبدو لي أن مفهوم الاشتراكية عند الاشتراكيين أنفسهم بقي مفهوما  سطحيا وأن تلك السطحية كانت الحاجز الذي منع الثوار الاشتراكيين، أمثال لينين وستالين وماو وكاسترو من تجسيد الاشتراكية في تنظيمات سياسية تتصف بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ونبذ الامبريالية. إن أخطاء الثوار الاشتراكيين نشأت عن خلط بين الاشتراكية والدكتاتورية. ولتدارك تلك الأخطاء لا بد من نقد ذاتي وتطوير في التنظيمات والاستفادة من تجارب التنظيمات الليبرالية الرأسمالية وتوظيف المبادرة الفردية أفضل توظيفٍ، أما بالنسبة للاشتراكيين العرب، فهم مطالبون زيادة على رفاقهم الغربيين بالتعمّق في دراسة تراث وواقع  مجتمعاتهم العربية الإسلامية. قال ماركس بما معناه: "على الفلاسفة تغيير العالم وليس فهمه"، وأنا أقول بعد حفظ المقامات: "على اليساريين العرب فهم ماضيهم واستشراف مستقبلهم قبل تغيير واقعهم، ولا يوجد في الأفق أمامهم سوى التماهي الجدلي مع هويتهم العربية-الإسلامية 
(C`est ce qu`on appelle en Français l`indigénisation comme ils ont fait les chinois)"
 والسلام

إمضائي
و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إذنْ إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 14 فيفري 2012 (تحيين 2019).