dimanche 4 décembre 2022

بعض الحِكم الدينية العالمية الإنسانية السامية في الديانات التوحيدية وغير التوحيدية

 

 

حكمة هندوسية:

جلس كاهن هندوسي على ضفة نهر وراح يتأمل في الجَمال المحيط به ويتمتم صلواته. لمح عقربا وقع في الماء وأخذ يتخبط محاولا أن ينقذ نفسه من الغرق. قرر الكاهن أن ينقذه، مدّ له يده فلسعه العقرب. سحب الكاهن يده صارخا من شدّة الألم، ولكن لم تمض سوى دقيقة واحدة حتى مدّ يده ثانية لينقذه فلسعه ثانية. سحب يده مرة أخرى صارخا من شدة الألم وبعد دقيقة راح يحاول للمرة الثالثة.. على مقربة منه كان يجلس رجل يراقب ما يحدث، فصرخ بالكاهن: أيها الغبي، لم تتعظ من المرة الأولى ولا من المرة الثانية، وها أنت تحاول إنقاذه للمرة الثالثة. لم يأبه الكاهن لتوبيخ الرجل وظل يحاول حتى نجح في إنقاذ العقرب، ثم مشى باتجاه ذلك الرجل وربت على كتفه وقال: "يا بني، من طبع العقرب أن يلسع ومن طبعي أن أحب، فلماذا تريدني أن أسمح لطبعه أن يتغلب على طبعي ؟".

حِكم مسيحية: 

-         قال قسّ قِبْطي: من عادة سيدنا إبراهيم الخليل أنه كان يسهر ولا يتعشى في انتظار عابر سبيل يتقاسم معه لقمته. جاءه مرة ضيفٌ في الستين من عمره، أكرمه، أطعمه وأشربه فطلب منه الضيفُ نارًا. أشعل له سيدنا إبراهيم نارًا ظنا منه أنه يريد أن يتدفأ. قام الضيف وبدأ يسجد ويصلي للنار. طرده سيدنا إبراهيم وقال له: أتُعْبَدُ النار في بيت الخليل ؟ خرج الضيف هائما على وجهه. هتف هاتف من السماء، كلّم الله أبا أنبيائه إبراهيم معاتبا ومربيا وقال له: تحمّلتُه ستين سنة ولم تتحمله أنت ليلة واحدة ! يا لروعة الحكمة ويا لحكمة الخالق، هو خلقنا مختلفين ولو شاء لخلقنا متماثلين متجانسين (هذه الحكمة بالذات موجودة أيضًا في تراث الحضارة العربية-الإسلامية وسبق لي أن سمعتُها من فَمِ داعيةٍ إسلاميٍّ وبِنفسِ الروايةِ تقريبًا).

حِكمة يهودية:

"إن لدغنا الجحر مرة فتبّا له وإن لدغنا مرتين فتبّا لنا". حكمة تحتوي على نقد ذاتي لاذع وتقرّ وتعترف  بمسؤولية الفرد كاملة وتحثه على عدم التنصل من تبعات ذنبه عند ارتكابه نفس الخطأ مرتين.

حِكم بهائية:

-         البهائيّون يؤمنون بالمساواة التامّة بين الرجل والمرأة ويقولون عنهما "جناحَا البشرية" ولا يمكن للإنسانية أن تنهض بجناح سليم والآخر معطوب.

-         لو كان لِـعائلة بهائية بنتًا وولدًا في سِن الدراسة والعائلة فقيرة ولا تقدر إلا على تعليم نفرٍ واحدٍ فقط، فهي تُقدّم البنتَ على الولدِ. ألمْ يقل شاعرنا الكبير حافظ إبراهيم: "الأُمُّ مَدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها أَعدَدتَ شَعباً طَيِّبَ الأَعراقِ".

حِكم إسلامية:

-         وقال محمد صلى الله عليه وسلّم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه" وقال: "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا" (حديث محل خلاف في صحته حسب علماء الحديث). حكمتان من ذهب لو اعتمدناهما كدستور لكفى المؤمنين شر القتال. الحكمة الأولى تأمرنا أن نحب أخانا كما نحب أنفسنا وقد قال "أخيه" أي الإنسان بصفة عامة ولم يحدد مذهبه أو دينه أو عرقه أو لونه أو جنسه. أما الحكمة الثانية فهي أعمق بكثير حسب رأيي المتوضع لأنها لا تفرّق بين العمل للدنيا والعمل للآخرة لأن العملَين متشابكان ومتفاعلان ولا نستطيع أن نفصل بينهما إطلاقًا ومن يعمل لدنياه مائة بالمائة فكأنما يعمل لآخرته مائة بالمائة ومن يعمل لآخرته مائة بالمائة فكأنما يعمل لدنياه مائة بالمائة.

-         رأيٌ حول سلوك بعض المسلمين الذين يردّون بمظاهرات عنيفة على تجاوزات بعض المسيئين لصورة محمد صلى الله عليه وسلّم: أنا أؤمن بما قال الله سبحانه وتعالى في قرآنه الكريم: "أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض"، وعلى كل سلوك همجي نرد بسلوك حضاري راقٍ متعقل ورصين كما علّمنا رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلّم عندما واجه أذى كفّار قريش المتمثل في رميهم الفضلات أمام بيته وصبر عليهم وصابر سنينا وسنينا وعندما انتصر واستلم السلطة في مكة، لم ينتقم منهم عند المقدرة وعفا عن جلهم وسامحهم، ونتيجة لحكمته وسعة أفقه، أسلم منهم الكثيرون.

-         لم نولِ اهتماما لأروع ما في ديننا الحنيف من قيم إنسانية مجردة سامية ونبيلة تتمثل في العلاقة العمودية والمباشرة بين الخالق والمخلوق حيث لا وصاية لمخلوق على مخلوق مثله، صفات أخصّ بها الله نفسه وحده ولم يمنحها حتى لعباده من الرسل والأنبياء، قال تعالى مخاطبا رسوله الكريم وخاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلّم: "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء". بعد ثمانية قرون، أخذ المصلح الألماني العظيم مارتن لوثر هذه المفاهيم الإسلامية المجردة أو قد يكون استوحاها دون قراءتها مباشرة، تبناها ونفض عنها الغبار وجمّلها وأدلجها وأقلمها وكيّفها ومسّحها (من المسيحية) وأضافها إلى المبادئ الأساسية لمذهب البروتستانتية المسيحية وقام بثورة دينية ضد سلطة بابا الكاثوليكية ونزع عنه قداسته ووساطته بين الله وعباده المؤمنين وألغى صكوك غفرانه المزيفة وأباح الزواج لرجال الدين المسيحيين (وهو مباح لكل المسلمين بما فيهم علماء الدين منذ القرن السابع ميلادي).

-         بناءً على مقولات "لورنزو ﭬالا"، أحد النهضويين والإنسانيين (humanistes) في القرن الخامس عشر (1407 م - 1457 م) وأكبر شعراء إيطاليا بالعامية (كانت اللغة الإيطالية تُعتبر في ذلك العهد عامية أما الفصحى فهي اللغة اللاتينية، لغة أوروبا المشتركة مثل ما هي العربية الفصحى عندنا اليوم مشتركة في العالم العربي). في كتابه "المُتع والملذات"، وعلى لسان أحد شخصيات الكتاب، دعا للتمتع بملذات الدنيا في انتظار ملذات الجنة، حتى الحسية منها والجنسية وبشّر بوجود مثلها في الجنة بمعية الملذات الروحية. يبدو لي أنه يحق لنا  أن نقارن بين فكر نهضة الأوروبيين في القرون الوسطى وفكر نهضة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم الذي أباح قبل "لورنز ﭬالا" بسبعة قرون في قرآنه الكريم وفي سنّته الحميدة كل متع وملذات الدنيا الحسية (سوى الخمر ولحم الخنزير) والجنسية على شرط أن تُمارس داخل العلاقات الشرعية كالزواج وما ملكت أيمانكم. يبدو لي أنه يحق لنا في الأخير أن نستنتج من هذه المقارنة أن مفهوم النهضوي ينطبق علي الرسول أكثر مما ينطبق على النهضويين الأوروبيين في القرون الوسطي  وللأسف الشديد لا يمكن أن ينطبق هذا المفهوم تماما على بعض إسلامِيِّ اليوم الذين لم يستنبطوا شيئا ولم يطوّروا شيئا بل يريدون تحريم الاجتهاد الذي ساد في عهد عمر بن الخطاب، الخليفة الراشد الثاني، رضي الله عنه، بل يسعون بكل جهد إلى تكفير الإبداع في جميع المجالات، الدينية والفنية والفلسفية والاجتماعية وحتى في بعض الحقول العلمية كاستنساخ الأعضاء لزرعها أو الإنجاب بمساعدة طبية وأما السلفيون، فهم أكثر رجعية لأنهم لم يأخذوا عن الرسول إلا عاداته في الملبس والمأكل وإرسال اللحي وتركوا الأهم في سيرته الذاتية والذي يتمثل في عبقريته الفذة ومنهجيته الثورية وعقليته التحديثية والتنويرية والنهضوية بالنسبة لعصره.

حِكم أبي بكر الصديق، رضي الله عنه:

-         لما استلم الخلافة، قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه عندما وقف في الناس خطيبا وقال: "أيها الناس، محمد كان له ملاك يهديه أما أنا فلي شيطان يغويني، إن عدلت فأطيعوني ما أطعت الله فيكم وإن أخطأت فقوّموني". حسب رأيي المتواضع وغير المختص في تفسير أقوال الصحابة، رضوان الله عليهم، أرى أن هذه الخطبة تدشّن لإجراء عَلماني في تسيير دواليب الحكم والدولة بإعلانها الحكم باسم الشعب وليس باسم الله وبِـفصلها بين الوحي الذي ينزل على محمد من السماء وهي أوامر لا تحتمل النقاش وبين اجتهاد بشر قد يخطئ ويصيب حتى ولو كان أبا بكر الصديق نفسه.

-         وصية منسوبة لأبي بكر الصديق، رضي الله عنه

ثم أوصى "أبو بكر" جيش "أسامة" فقال: "يا أيها الناس قفوا أوصيكم بعشر فاحفظوها عني: لا تخونوا، ولا تَغُلُّوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً أو شيخاً كبيراً ولا امرأة، ولا تعقروا نحلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكلة، وسوف تمرّون بأقوام قد فرغوا أنفسهم فى الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له. وسوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام فإذا أكلتم منها شيئا فاذكروا اسم اللّه عليها. وتلقون أقواما قد فحصوا أوساط رؤوسهم وتركوا حولها مثل العصائب فأخفقوهم بالسيف خفقاً. اندفعوا باسم اللّه".

حِكم عمر بن الخطاب، رضي الله عنه:

-         قال في القرن السابع ميلادي قبل البيان العالمي لحقوق الإنسان بثلاثة عشر قرنًا: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا". (مع فارق مهم: صيحته هذه تشمل الأسياد وتستثني العبيد).

-         كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "رحم الله امْرِئ  أهدى إلي عيوبي" وكان يسأل سلمان عن عيوبه، فلما قدم عليه قال: "ما الذي بلغك عني مما تكرهه ؟"

قال: "أعفني يا أمير المؤمنين فألحّ عليه، فقال: "بلغني أنك جمعت بين إدامين على مائدة وأن لك حُلّتين حُلّة بالنهار وحُلّة بالليل".

قال: "وهل بلغك غير هذا ؟". قال: "لا"، قال: "أما هذان فقد كفيتهما".

وكان يسأل حذيفة ويقول له: "أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في معرفة المنافقين فهل ترى عليّ شيئا من آثار النفاق ؟".

حِكم محمد إقبال، شاعر الإسلام وفيلسوفه الهندي العظيم:

-         يقول إقبال عن موقع نبيّ الإسلام بأنه قائم: "بين العالم القديم والعالم الحديث. فهو من العالم القديم باعتبار مصدر رسالته، وهو من العالم الحديث باعتبار الرّوح التي انطوت عليها". وهذه الروح هي روح تحريرية للعقل من كلّ وصاية خارجيّة عنه، وذلك وكما أحسن بيانه إقبال، أنّ: "مولد الإسلام هو مولد العقل الاستدلالي" و"أن النبوّة لتبلغ كمالها الأخير في إدراك الحاجة إلى إلغاء النبوّة نفسها" ولذلك يجب الكف عن اختزال الإسلام في معنى النبوة فقط، ففي ذلك هدر عظيم للمعنى البعيد الذي ينطوي عليه الإسلام.، وهو أمر ينطوي على إدراكها العميق لاستحالة بقاء الوجود معتمدا إلى الأبد على مقود يقاد منه، وأن الإنسان، لكي يحصّل كمال معرفته لنفسه ينبغي أن يُترك لنفسه حتى يعتمد في النهاية على وسائله هو. وأن إبطال الإسلام للرهبنة ووراثة الملك، ومناشدة القرآن للعقل والتجربة على الدّوام، وإصراره على أن النظر في الكون والوقوف على أخبار الأوّلين من مصادر المعرفة الإنسانية، كلّ ذلك صور مختلفة لفكرة ختم النبوّة".

حِكمٌ إسلاميةٌ رائعةٌ سمعتُهما من بكار عزوز (أستاذ قرآن، نهضاويٌّ قياديٌّ بالمهجرِ، صديقٌ منذ الشباب):

-         قال: الإسلامُ رسالةٌ للعالمينَ، مسلمينَ وغير مسلمينَ، وهو هديةٌ السماءِ لهم جميعا. والمسلمُ مطالَبٌ بأن يبلّغَ الهديةَ إلى صاحبِها غير المسلمِ. فكيف سيهدِي أغلى هديةٍ في الوجود إلى شخصٍ يَكرَهُه ؟ لذلك قدرُ المسلمِ أن يحبَّ الناسَ جميعًا، يحبَّ المسيحيَّ واليهوديَّ والبهائيَّ والهندوسيَّ والبوذيَّ واللاأدريَّ والملحدَ والإرهابيَّ والمجرمَ والمِثليَّ والسليمَ والسقيمَ، يحبهم جميعًا لكي يستطيعَ أن يَدعوَ لهم بالهدايةِ والتوبةِ النصوح دون تمييزٍ دينيٍّ أو مذهبيٍّ أو قوميٍّ أو عرقيٍّ أو طبقيٍّ، ولو خالفَ ذلك، خانَ عقيدتَه وكرَّهَ الناسَ فيها.

-         جوابان جميلان على سؤالين دينيين ظننتهما محرجين: سألته بكل لطف وأدب: إذا سلّمنا بحرية الضمير وحرية المعتقد فلن يبقى موجب للجهاد بالسيف لإكراه الكفار للدخول في الدين الإسلامي ؟

أجابني مبتسما كعادته: أولا، إكراه الكفار للدخول في الإسلام مُنافٍ للعقيدة الإسلامية نفسها. ثانيا، واجب على كل مسلم الجهاد بالسيف من أجل الدفاع عن مبدأ حرية العقيدة وحرية الضمير ومن أجل نشر الديمقراطية ورفع الظلم عن المظلومين. قلتُ: مثلما تفعل أمريكا اليوم ! أجاب: الحكومة الأمريكية ترفعه شعارا، زورًا وبهتانًا، وتخالفه عملاً جهارًا في العراق وأفغانستان.

ثم ثنّيت بالسؤال التالي: وهل المواطن المسيحي مطالَبٌ بدفع الجزية في الدولة الإسلامية ؟

قال: لا، ليس مطالبا بها البتة، هو مطالب فقط بدفع الضرائب إلى الدولة. أما المسلم، أخوه في المواطنة، فهو كمواطن مطالب كالمسيحي بدفع الضرائب إلى الدولة، ولكن كمسلم هو مجبر على دفع الزكاة إلى الدولة أيضا، لأن الزكاة هي عبادة نتقرّب بها إلى الله ونتمّم بها أركان الإسلام الخمسة، ولا يعفينا منها القيام بالواجب المدني المقتصر على دفع الضرائب. قد يسهو  المسلم عن صلاته أو صيامه ولا يحق للدولة إكراهه على القيام بواجباته الدينية نحو ربه، لكن من أشدّ وأوكد واجبات  الدولة الإسلامية إكراهه على القيام بواجباته الدينية نحو أخيه المسلم لضمان التكافل الاجتماعي ولأن الله قد يتسامح في حقه   لكنه لا يتسامح في حق عباده.

-         مواصلة للنقاش، قلت لصديقي النهضاوي: عندما تفرض الدولة الإسلامية على المواطن المسلم دفع الضرائب ودفع الزكاة، ألا تثقل كاهله ؟ قال: لا، والدليل أن في فرنسا تُفرَض ضريبة على أصحاب الثروات الكبرى زيادة على دفعهم للضرائب العادية وهي بمثابة زكاة مدنية غير عقائدية لتحقيق نفس الهدف وهو التكافل الاجتماعي في دولة إسلامية أو غير إسلامية.

samedi 3 décembre 2022

العِلمُ الغربيُّ الحديثُ تراكُمٌ وبِناءْ وليس نصًّا نازلاً من السماءْ !

 



العِلمُ نورٌ، لكنه ليس كنورِ الإيمانِ يقذفه الله في القلب على حد تعبير الإمام الفيلسوف أبو حامد الغزالي (1058-1111).

العلم جهدٌ بشريٌّ بحتٌ وتراكم تجارب ومعارف عبر قرونٍ من الزمن من تاريخ البشرية جمعاء.

العلم خلقٌ إنسانيٌّ. فكيف إذن نستدل بِخلقِ المخلوقِ على خلقِ الخالقِ ؟ الله خلق السماوات والأرض والإنسان خلق العلم وشتان بين خلقٍ وخلقٍ ! ما أصغر ما أبدعه الإنسان جنب ما أبدعه الخالق ! فكيف نستدل إذن على الإعجاز القرآني الرباني بالإنجازات العلمية البشرية.

ولو قبلنا جدلا بوجود حقائق علمية مكتوبة بلغة علمية حديثة في القرآن وهو القادر على كل شيء، فما دخلكم أنتم أيها المسلمون الكسلاء -دون تعميم- وما هي مساهماتكم في هكذا إعجاز رباني ؟ وهل القرآن مِلككم ؟ وهل الله ربكم وحدكم ؟ وهل رسالة الإسلام تخصكم وحدكم ؟ وهل أنتم في حاجة إلى إبداعات العلماء غير المسلمين حتى تُرسّخوا إيمانكم بالله الواحد الأحد ؟ ألم تجدوا في القرآن ما يكفيكم حتى تؤمنوا وتتيقنوا من أن الله قادرٌ ؟ وهل مر الصحابة بهذا الطريق غير المستقيم الذي تسلكونه أنتم اليوم ؟

القرآن يغزو القلوب قبل أن يدخل العقول. تدخله وأنت مؤمن وتتمّه وأنت أكثر إيمانًا، يقينٌ في أوله ويقينٌ في آخره، صوابٌ في صوابٍ لا يمسه الخطأ. أليس كلام الله أو ما زال في قلوبكم بقية شِركٍ ؟ أما العلم فالعكس تمامًا، العلم يغزو العقول فقط ولا علاقة له بالقلوب. تدخله وأنت شاكّ وتخرج منه وأنت أكثر شكًّا، شك في أوله وشك في آخره، خطأ يتلوه خطأ قد يتخللهما صواب (القانون العلمي). فكيف نستدل إذن على كلام الله بكلام البشر؟

يُعرّف العلم بقابليته للتكذيب وهو دومًا يعرِض نفسه للدحضِ على صفحات المجلات العلمية المختصة، أما القرآن فيُعرّف بقابليته للتصديق لا غير. العلم يتطور ويتغير والقرآن نص ثابتٌ لا يتزحزح. القرآن والعلم خطان متوازيان غير متناقضين وغير متنافرين لكنهما لا يلتقيان وإنما يشتركان في تحقيق ما ينفع الناس، الأول بالحث على الفعل والثاني بالفعل نتيجة الحث.

العلماء ورثة الأنبياء والأنبياء خاتمهم مات منذ خمسة عشر قرنًا فلم يبق لنا نحن المسلمون مِن منقذٍ سوى العلم والعلماء ! بربكم كُفوا إذن عن التواكل، وتوكلوا على الله الذي قال لكم بصريح العبارة "إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ". محمد -صلى الله عليه وسلم- كان له ملاكٌ يهديه ويوحى إليه أما العالِم فله كدّه وجده وتجاربه ومخه ومخبره. محمدٌ واحدٌ وقد مات أما العلماء فكُثرٌ وفي كل عصرٍ يتجددون.

أكثر العلماء المعاصرون لم يقرؤوا القرآن ولم يمنعهم ذلك من الإبداع العلمي. لماذا إذن نستكثر عليهم ذكاءهم ؟ أليسوا من عيال الله مثلنا ؟ جل المسلمين قرؤوا القرآن ولم تسعفهم قراءاتهم لاكتشاف أي شيء فلا نجد فيهم إلا نسبة قليلة جدا من العلماء. الذنبُ ذنبهم وليس ذنبَ القرآن فالله في كتابه الكريم يدعو للعلم والعمل وأغلبهم لا يعلمون ولا يعملون، لكنهم من جهد العلماء غير المسلمين يستفيدون ولاستحقاقات هؤلاء الأخيرين ناكرون. يعتقدون خطأ أن العلم الحديث مُفصّلٌ في القرآن تفصيلا لذلك تراهم على لغة القرآن يتعسفون والكهرباء والذرة لها ينسبون. إنهم لَواهمون !

لو أراده كتابَ علمٍ لَفَعَلْ، أراده كتابَ إيمانٍ وعلى رسوله أنزلْ. والإيمان أعلى منزلة من العلم لو كنتم تتفكرون وتفقهون. أنزل القرآن لحل مشكلات الإنسان الماورائية (Métaphysique) وخلق العلماء لحل مشكلات الإنسان الطبيعية (Physique) وقال سبحانه وتعالَى: "وأمرهم شورَى بينهم"، ولم يقل بيني وبينهم، هم البشر الأحرار القادرون عل حل مشاكلهم الدنيوية فيما بينهم دون انتظار نبي بعد النبي. فلا تتعلقوا بحبالٍ واهيةٍ لا توجد إلا في عقولكم المعطلة، والقرآن بريء من جهلكم وكسلكم. شمّروا إذن على سواعدكم وطوّروا واقعكم، ولا تنتظروا حلا لن يأتيكم من السماء، واتركوا الغيبيات للخالق وأنا واثقٌ جدا من عدله فسوف يجازي البحاثة العلماء مسلمين وغير مسلمين الذين نفعوا الناس كل الناس بإنجازاتهم، وسوف يستدعي في حضرته أساتذة "الإعجاز العلمي في القرآن" الموجودين فقط في بعض الجامعات السعودية والتركية ويسدعي أيضًا أساتذة "الإعجاز العلمي في الإنجيل" الموجودين فقط في بعض الجامعات الأمريكية، ويسألهم: ماذا صنعتم بإعجازي أيها العَجَزَة في العلم وفي فهم بَيانِي، أم ضاق أفقكم حتى حصرتم كل معجزاتي في إنجيلي وقرآني، وصغّرتم منها إلى درجة أنكم تجرأتم على مقارنتها بإبداعٍ بشرٍيٍّ غربي أو ياباني ؟

vendredi 2 décembre 2022

سيرة ذاتيّة وغير ذاتية، موضوعية وغير موضوعية. مواطن العالَم

 

 

سيرةٌ ذاتيةٌ فاشلةٌ لا يُحتذَى بها على الإطلاق وعلى كل المستويات، الدراسي والعلمي والاجتماعي والسياسي والثقافي:

-         مسارٌ دراسيٌّ متعثِّرٌ ومُمَطَّطٌ: في سن 22 تخرجتُ أستاذ إعدادي (ENPA, Tunis, 1974, CAPES sans Bac)، في سن 28 باكالوريا جزائرية (Annaba, 1980)، في سن 30 عام فلسفة في فرنسا بالمراسلة (Université de Reims, France, 1983) تُوِّجَ بالفشلِ جرّاءَ كُلفةِ التنقل المالية لإجراء الامتحانَيْنِ، الكتابي والشفاهي، المتباعدينِ زمنيًّا، والتي لم أقدر على مواجهتِها، في سن 41 الأستاذية في علوم الحياة والأرض (ISEFC, Tunis, 1993)، في سن 48 ديبلوم الدراسات المعمقة في ديداكتيك البيولوجيا (ISEFC, Tunis, 2000)، في سن 55 دكتورا في ديداكتيك البيولوجيا (UCBL1, France, 2007).

-         مسارٌ علميٌّ مَبتورٌ: لِمَن لا يعلم، أقول أن شهادة الدكتورا  لا تمثل قِمَّةَ العلمِ في الاختصاص بل هي تمثل بطاقة دخول إلى مجال البحث العلمي. أنا تحصلتُ على بطاقة دخول وكالتلميذ المتنطع خرجتُ من الجامعة ولم ألتحق بقاعة المخبر، مكره أخاكم لا بطل.

-         مسارٌ اجتماعيٌّ بدأ بالفقر، أي موظف عمومي متوسط، وانتهى بالفقر، أستاذ تعليم ثانوي متقاعد.

-         مسارٌ سياسيٌّ على هامش النضال السياسي، أعتبر نفسي معارضًا في عهد بورڤيبة وبن علي لكنني لم أنتمِ في حياتي لأي حزبٍ معارِضٍ، خوفٌ مُشرَّبٌ باستقلاليةٍ فكريةٍ صادقةٍ، وكما قال القِدّيسُ أو الروح العظيمة، المهاتما غاندي: "لو أجبِرتُ على الاختيارِ بين العُنفِ والجُبنِ، لَنصحتُ باختيارِ العُنفِ".

-         مسارٌ ثقافيٌّ: المجالات الثقافية التي أجهلها تُعدّ بالعشرات ولا أعرف إلا مجالاً واحدًا أحدًا وهو علوم التربية، وداخل هذه العلوم لا أعرف إلا علمًا واحدًا أحدًا هو علم الديداكتيك، وداخل هذا العلم لا أعرف إلا فرعًا واحدًا أحدًا هو ديداكتيك البيولوجيا. أجهل اللغة الأنڤليزية، وعدم إتقانها هو بمثابة فقر دم ثقافي. أجهل الفلسفة ما عدى فلسفة البيولوجيا. أجهل علوم الاقتصاد والجغرافيا والتاريخ والفقه، إلخ. لم أربِّ أذنِي ولا عينِي، ولم أصقل ذوقي على سماع السمفونيات أو الشعر ولا على الاستمتاع باللوحات الفنية. أنا رجلُ فكرٍ ولستُ رجلَ سياسة ولا طموحَ لي ولا رغبة إلا في القراءة والكتابة والنشر بكل متعة وحريةٍ واستقلاليةٍ وأنانيةٍ وذاتيةٍ وفرديةٍ، ولا أقدر على غير ذلك.

-         أنا صوفِي النزعة بمقياس القرن 21 ولا أرى لأفكاري أي تأثيرٍ على المجتمع إلا مَن رَحِمَ ربي. أنا أعشق الروتين الذي أعيش فيه وأسعد به في حمام الشط: صباحًا مطالعة في مقهى الشيحي، مساءً نقاشٌ فلسفي في مقهى أمازونيا مع أفضل أستاذ فلسفة صاحبته في حياتي، زميل التقاعد الجديد حبيب بن حميدة، وبين المقهَيَيْنِ كتابةٌ ونشرٌ وتمتعٌ واستمتاعٌ بأعز الناس، مثل الفلاسفة الثلاثة إدڤار موران وميشيل سارْ وميشيل أونفري والعالِمان السياسيان فرانسوا بورڤا وجورج قرم وعالِم الوراثة ألبير جاكار وغيرهم كثير في اليوتوب "الله يرحم والديه"، وفي الليل أرضخُ لذوق زوجتي المصون وألغِي عقلي وأستسلم لأتفه الناس في برامج "لباس" و"كلام الناس" و"أمور جدية" وما شابه.

-         لقد تجنبتُ قصدًا تقمّصَ دورَ الضحية (Le syndrome de victimisation) واكتفيتُ بسردِ سيرتي الذاتية دون زيادةٍ أو نقصانٍ، لأن كل ضحية ليست عادة بريئة مائة في المائة كما تدّعي هي، أو كما قد يتبادر إلى أذهانِ المتعاطفين معها، ولأن داخل كل ضحيةٍ كبيرةٍ يوجد جلادٌ صغيرٌ، أو بمعنى أوضح أنا أتحمل جزئيًّا ونسبيًّا المسؤولية في ما أحاق بي من فشلٍ طِوالَ مسيرتي في الحياة.

 

إمضائي: "وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك فدعها إلى فجر آخر" (جبران)"

 

المصدر: نَصُّ قَفَا غلاف كتابي الأخير "الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي، سَفَرٌ في الديداكتيك وعِشْرَةٌ مع التدريس (1956 - 2016)".

 

حول الإعجاز العلمي في الكتب المقدسة

 

ادّعاءُ اكتشافِ العِلمِ في نصوصِ الوَحيِ المقدسة مَثَلُهُ كمَثَلِ طعامٍ نرشُّ عليه مِلحًا ثم نقولُ عنه أنه مالِحٌ ! فكرة الفيزيائي والفيلسوف إيتيان كلاين (Etienne Klein)

العِلم لم ولا ولن يأتي من نصٍّ ثابتٍ سبقه في الزمنِ بقرونٍ مهما كانت قُدُسِيّةُ هذا النص ومهما حاول المتدينون النصوصيون المتعصبون المتزمتون والذين هم على اللغة متطفلون ومتعسفون. العلمُ يسبق دائما الخطابَ وليس العكس. العلمُ بناءٌ جديدٌ وليس اكتشافًا لشيءٍ مَخفي في نصوصٍ مقدّسة (القرآن، الأناجيل، التوراة، الأقدس، إلخ).

النصوصُ المقدسةُ تنزلُ من السماء ونتلوها مؤمنين غير مشكّكِين، أولُها يقينٌ وآخرُها يقينٌ، حقيقةٌ أبديةٌ لا تحتاجُ إلى برهانٍ أو دليل من أي عقلٍ بشري مهما بلغ من العلم كثيرًا أو قليلاً، حقيقةٌ غير قابلةٍ للدحضِ أو المراجعةِ أو التكذيبِ. أليس الإيمان نورًا قذفه الله في القلب ؟

أما العلمُ فهو يسبقُ النصَّ بل يخلقُه، ندخله مشكّكِين غير مؤمنين، أوله شك وآخره حقيقةٌ نسبيةٌ وقتيةٌ تَعرِضُ نفسَها في المجلات العلمية للدحضِ والمراجعةِ والتكذيبِ. أليس العلم شكًّا قذفه الله في العقل ؟

بالوسائل العقلانية وحدها (La physique) لا نستطيع حل المسائل اللاعقلانية 

(La métaphysique). 

قالها العالِم الفيزيائي ألبرت أينشتاين، فلنترك إذن ما لقيصر لقيصر وما لله لله.

العلم ينتجُ عن سيرورةٍ بشريةٍ متعثرةٍ ترتكزُ على التجربة والخطأ، أما النص المقدس فهو خالٍ من الخطأ ومنزَّلٌ كاملٌ من السماء.

الإيمانُ غنيٌّ عن العلمِ وأقدَمُ منه في تاريخ البشرية العاقلة (Homo sapiens depuis environ 300 mille ans)، أما العلم فهو محتاجٌ إلى أخلاقٍ تنظمهُ 

(Les comités d`éthique)، 

وإلى قوانينَ تحمينا من شرِّه وتَشْكُمُهُ.

النصوص المقدسة جُلُّها مَجاز والنصوص العلمية عدوها المَجاز.

لا تتعسفوا إذن على النصوص المقدسة لتُولِّدوها ما ليس في رحمها، ولو أرادها الله علميةً لفعل وهو القادرُ على "كُنْ فيكونْ". ألا تَكُفّون عن مقارنة ذكاء الله المثالي المجرد بالذكاءِ الحِسّي الناقص لدى خلقه العلماءْ ؟ أليس هو سبحانه مَن علَّم أباهم آدمَ الأسماءْ ؟ أأنتم أكثر إيمانًا من الصحابة والأنبياءْ ؟ أكانوا يعلمون مثلنا اليوم قوانين الطبيعة والفيزياءْ ؟ وهل مَنَعَهم ذلك من الإيمانِ المطلقِ برب السماءْ ؟ وهل يُستدلُّ على الخالِقِ بأفعال عباده الضعفاءْ ؟ وهل ننتظر علم الأرض حتى نؤمن بعلم السماءْ ؟ وأخيرًا بربك قُل لي مَن خلق العلماءْ، مسلمين كرماءْ أو غير مسلمين أجِلاَّءْ ؟ ومَن فضّلهم على الجهلاءْ، مسلمين أغبياءْ أو غير مسلمين بُلَهاءْ ؟ أوَ تتباهون بما لا تملكون من العلم على مَن يملكه، أكان المالكُ عالِمًا مسيحيًّا أو يهوديًّا أو بهائيًّا ؟ أتُدارون جهلكم خلف قدرة السماءْ ؟ أليسوا هم أجدرَ منكم بالتباهي بما صممت عقولُهم وصنعت أيديهم من الماء كهرباءْ ؟ أليس من الأفضل لكم أن تقتدوا بهم في عِلمهم كما اقتدوا هم بأسلافكم علماء الأندلس وعلى رأسهم ابن رشد أحد بُناةِ نهضتهم الحديثة ؟ ألسنا، مسلمين وغير مسلمين، في الإيمان بإعجاز القرآن، شُرَكاءْ ؟ أم خَصَّكُم الله برحمته دون عباده جميعًا ؟ "وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ"، ولم يقل اسرقوا عملَ غيركم وانسبوه لأنفسكم زورًا وبهتانَا.

القرآن ليس كتابَ علمٍ ولا كتابَ تاريخٍ أو جغرافيا، إنه كتابُ إيمان ويكفيه ذلك شرفًا وقيمةً، والإيمان أرقَى وأسمَى من العلم لو كنتم تعقلون ! العلمُ منحازٌ وغير موضوعي وسبق له وأن تسبب في كوارث من صُنعِ البشر، أكبرها قنبلة هيروشيما، أما القرآن فهو رحمةٌ للعالمين، سكينةٌ للمؤمنين، بابُه واسعٌ مفتوحٌ للتائبين، وعفوُه متاحٌ حتى للمشركين والملحدين. لا تقرُنوه بالعلم فهو أكبر منه وأرحب بكثير فلا تلوِّثوه بالعلم أرجوكم، وشتان ما بين الثرَى والثرَيّا، وما أبعد عِلم المخلوقِ العاجز عن إعجاز العالِم الخالق !

خاتمة

وفي النهاية إن العلماء لا يُجيبُون إلا على الأسئلة العلمية وهم وحدهم، لا غيرهم، يُجيبُون بإذن الله، فلا تُضيِّعوا وقتكم أيها المتطفّلون على العلم المتعسفون على القرآن الباحثون فيه عن أجوبةٍ لأسئلةٍ علميةٍ، فلن تجدوا "الساعة الثانية عشر في الساعة الرابعة عشر"، كما يقول المَثل الفرنسي، ولو حرصتُم.

أجوبةُ العلم كونية أو لا تكون وأجوبتكم دينية لا يعترف بها الكون، والإعجازُ العلمي في القرآن لا يُتداوَل إلا في السعودية وتركيا.

"لو تعلقت همة المرء بما وراء العرش لناله": العلم سهلُ المنالِ لو عملنا وتوكلنا على الله وتركنا التواكل والتعويل على التأويل الوهمي للقرآن اعتمادًا على حِيل لغوية شبه منطقية، حِيَلٌ ما أنزل الله بها من سلطان.


مواطن العالَم، أُقدّمُ نفسي لِقُرّائي

 

 

د. محمد كشكار، أستاذ تعليم ثانوي  متقاعد: قد يكون " التشاؤم هو شكل أقصى من النّقد" لكنني سأبقى دومًا متفائلاً، وذلك لسببينِ اثنينِ لا ثالث لهما الآن: الأول: يتجدّد الإنسان بيولوجيًّا عند كل وِلادةٍ ويأتي للحياةِ قابلاً للتشكّلِ من جديدٍ مع التأكيد -ورغم براءة الرضيع- أنه ليس صفحةً بيضاءَ، فله موروثٌ جينِي -نسبيّا وجزئيّا- محدِّدٌ لشخصيته المستقبلية بالتفاعل مع محيطه ومكتسباته، وله اسمٌ ووالدانِ ودينٌ وثقافةٌ وبلدٌ ولونُ بشرةٍ وجنسٌ ومناخٌ ومستوى اجتماعِي، إلخ. الثاني: أومن بمفهوم الانبثاق 

(L`émergence

الذي علمني عدمَ الرضوخِ للواقع والتسليم به، مهما كان هذا الواقعُ تعيسًا، وما أحلامُ اليومِ إلا حقائقُ الغدِ وانبثاقُ تجربةِ جمنة في تونس أحسن تبريرٍ وجيهٍ لتفاؤلِي بالمستقبلِ الواعدِ دومًا رغم ما رافق ولادة هذه التجربة من آلامِ المَخاضِ و"ربي يخلص وحَلْها عن قريب".

 

عندما يقدِّم المثقفُ نفسَه إلى الغيرِ، يحاول عادة تجميلَها وإذا كان موضوعيًّا فقد يحاول إبرازَ التجارب الناجحة فيها، ويرنو في داخله إلى إبهارِ غيره وافتكاكِ إعجابِه واعترافه به مثقفًا. أما أنا فلا أملِك في حياتي إلا التجاربَ الفاشلةَ أعرضها للتفكيرِ والعِبرةِ وعدم الوقوعِ في نفسِ الخطأ، فمن حسن حظي إذن أنني لن أبهرَ المتلقِّي ولا أرغبُ في ذلك وليست لي القدرةُ على ذلك حتى ولو طمعتُ في ذلك، ليس تواضعًا مجمِّلا لشخصيتي بل اقتناعًا ديداكتيكيًّا منِّي بتجنبِ خلقِ عائقٍ جديد لدي قُرّائي، وما خُلِقتْ الديداكتيكْ (فلسفة التعلّم) إلا لإزالةِ العوائقِ وليس لخلقَها.

 

jeudi 1 décembre 2022

محاولة في فهم العلاقة بين القرآن والعِلم الغربي الحديث

 

على سبيل الذكر لا الحصر، أعرض عليكم بعض نقاط المقارنة بين العِلم والقرآن:

-         القرآن عند المسلم كتاب إيمان يحوي كلام الله أما العلم فهو إنتاج بشري مائة بالمائة وشتان بين المصدرَين لدى المسلم.

-         المسلم يعتبر القرآن يقينا وحقيقة من أوله إلى آخره أما العلم فأوله شك يقود عادة إلى مزيد من الشك وليس له يقين ثابت.

-         القرآن عند المسلم صالح لكل زمان ومكان والعلم محدَث وظرفي ومتغير ومنحاز لمموّليه ويختلط فيه الموضوعي بالذاتي.

-         القرآن عند المسلم أتى بالخير الكثير والعلم أتى بالخير القليل ورَجَمَنا بالقنبلة النووية في اليابان والأسلحة الكيميائية في سوريا والعراق والتلوث البيئي في العالَم أجمع وقائمة شروره تطول.

-          القرآن عند المسلم غير قابل للتكذيب بينما العلم يُعرَّف بقابليته للدحض وعَرْضِ نفسه والتكذيب (falsifiable).

-         القرآن عند المسلم لا يخطئ أما العلم فلا يتطور إلا عبرتداول الخطأ والصواب.

-         القرآن، لو شاء ربك لأنزله كتابَ علمٍ مفصّلاً تفصيلاً.

-         القرآن، يؤمن به ويستفيد منه المسلمون فقط والعلم يؤمن به ويستفيد منه الناس جميعا.

-         القرآن عند المسلم أرقَى من العلم بدرجات لا تُحصى ولا تُعدّ. فماذا دهَى إذن المؤمنين بـ"الإعجاز العلمي في القرآن" أن يستدلّوا على صحة القرآن الإلهي بالعلم البشري ويريدون إثبات المجرد باستعمال المحسوس ويبدو لي أنهم لو عكسوا لأصابوا ؟ قال محاوري: "ليطمئن قلبي". قلت له: "أوَ لم يطمئن قلبك بالقرآن وحده ؟ وهل انتظر صحابة الرسول -صلى عليه وسلم- الإنجازات العلمية الحديثة حتى تطمئن قلوبهم ؟". قال: "لأقوِّي إيماني بالله ؟". قلت له: "وهل تستمد قوة إيمانك من الدنيوي المتغير الهش الضعيف المبني على الخطأ والصواب وهو العلم، أم تستمدها من العالي الأزلي الثابت المتين القوي الذي يقول للشيء كُن فيكون ؟". أرجوك، اتركْ رأيي جانبا واسألْ أهل الذكر من علماء الغرب، منتِجي العلم: لا يُسمّى العلم عندهم علمًا حديثًا إلا إذا اعترف به المجتمع العلمي العالمي وجُله غربي 

(la communauté scientifique)، 

ونُشِر في المجلات العلمية المختصة وجلها غربية، ويُدرَّس ويُدرَس في الجامعات وأفضلها غربية، ويُطرح للنقاش والدحض والتكذيب في المؤتمرات العلمية العالمية وجُلهاٌ غربية أيضًا. وعلى حد علمي لا يعترف المجتمع العلمي العالمي بمفهوم "الإعجاز العلمي في القرآن"، ولا يصنّفه علمًا، ولم يُنشر بعدُ في المجلات العلمية المختصة، ولا يُدرَّس ولا يُدرَس في العالم إلا في بعض الجامعات السعودية والتركية ومثيله "الإعجاز العلمي في الإنجيل " لا يُدرَّس ولا يُدرَس إلا في بعض الجامعات الأمريكية، ولم يجرؤ دعاتُه قَطُّ على طرحه للنقاش والدحض والتكذيب في المؤتمرات العلمية  العالمية.

-         أضيفُ ولن أطيلَ: "الإيمان بالقرآن نورٌ قذفه الله في القلب" على حد قول الغزالي، أما العلم فهو معاناة وجهد وتعلم واكتساب وبناء وتراكمَ تجارب وليس فِطرا ينبت وحده في الأرض وليس اكتشافا دون عناء، ولا يمكن أن نعرف مسبقا علم القرن 35 في القرن 21 وبينهما 14 قرنا. الله وحده يعرف والمسلم يعرف أن الله يعرف ولا أظنه يحتاج للتدليل على أن العارفَ الأولَ يعرف !

 

خلاصة القول:

Dans le site « WIKIPÉDIA », j’ai lu sur S. J. Gould (paléontologiste marxiste américain) : « principe de NOMA (Non-Overlapping Magisteria) : non recouvrement des magistères, destiné à instaurer une autonomie réciproque des compétences de la science et de la religion dans leurs domaines respectifs. Au nom de ce principe, Gould fustige les fondamentalistes religieux, pour lesquels le texte de la Bible a la même valeur que les Proceedings of the National Academy of Sciences (2ème revue scientifique américaine). Mais il réprouve également les scientifiques qui, en raison de leur athéisme, attaquent les croyances religieuses.